“باربي” شابة في الستين.. ما لا تعرفونه عن حياتها
آيات جودت-القاهرة
رحلة رفض الدمية “باربي”
لم تكن السيدة الأميركية روث هاندلر تعمل في مجال صناعة الألعاب عندما ابتكرت الدمية الأشهر عالميا وتاريخيا حتى يومنا هذا، ولكنها كانت أمّا لطفلة على أعتاب المراهقة ولا تجد ألعابا كافية تلعب بها، فالدمى التي كانت مخصصة للفتيات كانت تؤهلهن فقط لممارسة دور الأمومة مبكرا، أو كانت عرائس ورقية تبلى سريعا.
حاولت “روث” إقناع زوجها الشريك والمؤسس لشركة “ماتيل” بصناعة الدمية، إلا أن مجلس الإدارة رفض الفكرة بحجة أن الأهل لن يشتروا هذه الدمية لبناتهم.
تراجعت روث وقتها عن الفكرة مدة من الوقت، حتى عثرت على الدمية الألمانية “لي لي” التي كانت موجهة للرجال حينها، ولكن “روث” رأت أنها ببعض التعديل يمكن لهذه الدمية أن تكون اللعبة المفضلة للفتيات في السن الصغيرة، وأسمتها “باربي” تيمنا بابنتها “باربرا”، وهذا تبعا لموقع “هاو ستاف ووركس”.
دمية تجوب العالم وتلتقط “سيلفي” في المزارات السياحية (تواصل اجتماعي) |
بالفعل استطاعت “روث” إقناع شركة “ماتيل” بتصنيع الدمية، وعرضتها للمرة الأولى في 9 مارس/آذار 1959 في مهرجان الألعاب، ولكنها لم تحقق الأرباح والشهرة إلا بعد إعلانها الأول في التلفاز مع عرض برنامج “نادي ميكي ماوس”، لتبيع الشركة في عامها الأول فقط 350 ألف نسخة من دمية باربي، وبحسب موقع “فوج” (Vogue) فقد بلغت مبيعاتها مليونا دولار في بداية الستينيات، علما بأن الدمية الواحدة كانت تباع بثلاثة دولارات فقط.
دمية واحدة ووظائف متعددة
منذ السنوات الأولى لظهور “باربي” في ساحة لعب الأطفال، اهتمت بأن يكون لها العديد من المهن، فهي أميرة وممرضة وطبيبة وحتى معمارية وسيدة أعمال وعالمة، وصولا إلى ترشحها لرئاسة الولايات المتحدة.
ورغم أن لباربي أكثر من مئتي مهنة على مدار الستين عاما، فإن المهنة التي تفتخر بها أكثر من باقي المهن هي رائدة الفضاء، حيث ارتدت الزي عام 1965، أي قبل أربع سنوات من هبوط “نيل أرمسترونغ” على سطح القمر.
ورغم محاولات “باربي” المختلفة للخروج عن نمطية فكرة الفتاة الشقراء الساذجة والجذابة التي لا تهتم سوى بالأزياء، ومحاولاتها الجادة لأن تكون رائدة في جميع مجالات العمل، وتغير نوعية شعرها ولون جلدها؛ فإن وصم المجتمع للفتاة بكونها “باربي” لا يزال جاريا حتى الآن، فهو يبدو ظاهريا مدحا للفتيات والنساء، إلا أنه يحمل ضمنيا تشكيكا في مستوى ذكائهن وكيفية تفكيرهن.
أعمال المنزل لا تناسب دمية القرن 21
ليس هذا فحسب، فقد واجهت “باربي” اتهامات عدّة بأنها تساهم في إرساء النظرة النمطية للمرأة، وهذا بالرغم من نجاح الحركة النسوية على أرض الواقع في تغيير بعض المسلمات والدفاع عن حقوق المرأة المختلفة.
واحدة من هذه الاتهامات كانت أن “باربي” تمتهن بعض المهن التي حاول المجتمع مرارا حصر دور المرأة بها مثل التنظيف والخبز، ورغم أنه لا يوجد ما يشين في هذه المهن، فإن المرء -بحسب موقع “تايم” (Time)- في القرن الحادي والعشرين، لا يريد أن تكون قدوته عاملة نظافة، أو على الأقل لا يتم إرساء قناعة لدى الأطفال الذكور أن تلك المهن حكر على السيدات والفتيات.
ومن أكبر الاتهامات التي لطالما طاردت “باربي”، هو أن تكوين جسدها غير منطقي من منظور تناسبي، وأنها لو كانت امرأة حقيقية من لحمٍ ودم فلن تستطيع السير أو حمل رأسها على كتفيها، ولكن بالرغم من ذلك فقد كانت هذه الدمية الأميركية السبب وراء محاولة الكثير من الفتيات الحصول على جسد مثالي من وجهة نظرهن، حتى إن أُصِبن بالفعل بمرض فقدان الشهية العصابي.
سمراوات لمواجهة الاتهامات بالعنصرية
استجابت “باربي” على مر السنوات لكل الانتقادات التي وُجهت لها مرغمة حتى لا تخسر جمهورها حول العالم.
في البداية كانت لها صديقات ذوات بشرة سمراء، ثم بعد سنوات اكتسبت “باربي” نفسها ألوانا متنوعة للبشرة والشعر حتى لا ترتبط بعرق معين، ولكنها ظلت على نفس مقاييس الجسد غير الواقعية، حتى عام 2016 حين قررت الشركة المنتجة طرح ثلاثة أشكال أخرى من “باربي”، الطويلة والممتلئة والقصيرة، في انتصار جديد للنساء وفقا لموقع “ذا كونفرسيشن” (The Conversation).
كان لباربي العديد من المنافسات طوال الوقت، سواء عالميا مثل منافساتها من دمى الأفلام المتحركة لديزني نحو “إلسا” من فيلم “فروزن”، فالأطفال أحيانا يفضّلون العرائس التي تحمل قصة تأثرن بها أكثر من “باربي” التي لا تحمل قصة مؤثرة بذاتها.
وكان لها منافسة تجارية من دمى مشابهة مثل “براتز” و”مونستر هاي” وغيرهما، مما تفضله البنات في عمر السادسة الآن، بعد أن كن يفضلن قديما اللعب بدمى “باربي”، وهذا يرجع -بحسب موقع “ديلي ميل”- إلى أن العصر قد اختلف، وأن البنات الصغار يحاولن الابتعاد عن التقليدي والتماشي مع الصيحات الجديدة التي لا تستطيع “باربي” اللحاق بها بسرعة وهي مرتدية الكعب العالي.
وحتى على المستوى العربي، قوبلت “باربي” بمنافسة شرسة من الدمية “فلّة” المحجبة التي استطاعت سحب البساط قليلا من الدمية العالمية التي ترتدي الملابس العارية.
وبعد الأزمة الاقتصادية التي جعلت الحصول على دمية “باربي” حلما بعيد المنال لأغلب الأطفال، حققت شركة “بينغو” المصرية بنسختها المحلية “نيللي وشريهان” مبيعات ضخمة وشهرة فائقة وسط الأطفال، الذين يستطيعون شراء أكثر من دمية مصرية بأقل من قيمة دمية “باربي” أصلية واحدة.
لكن رغم كل هذه الانتقادات والمنافسات، تعد “باربي” هي أقدم دمية أطفال مستمرة حتى اليوم، تحاول قدر الإمكان تطوير نفسها للتماشي مع متطلبات المجتمع والأطفال، ولا تزال حتى الآن قادرة على بيع دمية كل ثلاث ثوان حول العالم، ولتحتفل بمرور ستين عاما على ميلادها بإطلاق عشرين دمية جديدة تمثّل النساء الملهمات حول العالم، مثل لاعبة التنس اليابانية نعومي أوساكا والناشطة البريطانية أدوا أبواه.
المصدر : الجزيرة