أدب اليوتوبيا والبحث عن العالم المثالي زاوية: “شمس ونور ومطر”* د. سناء الشعلان
النشرة الدولية –
إنّ البحث عن الفردوس والسعادة المطلقة والحياة المثالية الهدف الدائم من ظهور أدب اليوتوبيا عبر تاريخ الأدب الإنساني. مضافاً إلى ذلك اعتراف مؤلفيها بقلقهم على مصير كوكبنا الأرضي يقول يوسف الشاروني، فاليوتوبيات في أكثر الأحيان هي خطط ومشروعات لمجتمعات تعمل بشكلّ آلي ومؤسسات تصورها اقتصاديون وسياسيون وأخلاقيون ،لكنّها كذلك كانت الأحلام الحية للشعراء كنا تقول ماريا لويزا برنيري.
واليوتوبيا هي حلم الإنسان بالمكان المثالي . ولعلّه حلمه الأزلي منذ خرج من الجنة، وعلى النقيض نشأت اليوتوبيا الضد في شكلّ الجحيم الذي هو مصير للشرير الذي انحرف عن تعاليم الجماعة في أثنــــــاء الحياة الأرضية كما يقول شعيب حليفي في كتابه عن شعرية الرواية الفانتاستيكيّة، إذ يرى أنّ قلة رصيد الكتابات اليوتوبية في العصر الحديث قد يعود إلى التعقيدات العنيفة وغياب المكان المثالي وما يجمع بين اليوتوبيا والخيال العلمي هو طابع الشمولية ، وإلغاء الفردية ، وقهر الحرية في مجتمعات يُفترض أنها مثالية). ولعل أفلاطون (427 ق.م –353 ق.م) هو أوّل من استدعى اليوتوبيا من العالم الآخر إلى دنيانا في جمهوريته، وتأثر به الفارابي (873- 951) في (آراء أهل المدينة الفاضلة).
وتظهر اليوتوبيات من وقت لآخر في أدبنا القديم ، ففي ألف ليلة وليلة يتجلّى عالم مثالي تحت سطح الماء في قصّة (عبد الله البري وعبد الله البحري)، وفي رحلات السندباد كذلك. كما أنّ المسعودي في (مروج الذهب) ، والإدريسي في (نزهة المشتاق) يتحدثون عن جزر النحاس في بحر الظلومات وعن الأرض التي يثمر شجرها نساء.
أمّا في العصر الحديث فقد خاض الكثير غمار هذه اليوتوبيات، فكتب فرانسوا رابليه (1490-1553) (دير تيلم) التي يعيش كلّ سكانها وفق قاعدّة واحدة وهي (افعل ما تشاء). كذلك كتب أمن ديديرو ( 1713- 1784 (ملحق رحلة بوجانفيي)، وكتب ايتين كابيه (1788- 1856) ( رحلة إلى إيكاريا)، وكتب وليم موريس ( 1834- 1896) (أخبار من لا مكان)، وتوماس مور ( 1477- 1535) (يوتوبيا ). والمشكلة العامة في كلّ أدب اليوتوبيا تتمثل في: كيف يقدم لنا مجتمعاً موجوداً فعلياً) ، لذلك كثيرًا ما يحاول القارئ البحث عن مدينة فاضلة في (ماضي اليوتوبيان) ، كمدينة اطلنطا الخيالية.
وفي الأدب العربي المعاصر خاض بعض الكتّاب غمار اليوتوبيات مثل نهاد شريف في (سكان العالم الثاني) 1977، عبد السلام البقالي (الطوفان الأزرق ) 1976؛ وحسين قدري (هروب إلى الفضاء) 1981، صبري موسى (السيد من حقل السبانخ) 1984، توفيق الحكيم (الطعام لكلّ فم )، أماني فريد (همسات ) يوسف إدريس (جمهورية فرحات).
واليوتوبيات عموماً تقوم على فكرة بناء عالم خيالي لا وجود له إلاّ ضمن قوانين خاصة وظروف استثنائية، قد تكون خارجة أحياناً عمّا يمكن تفسيره ضمن نواميس الطبيعة ، وهذا ما يجمعها بالغرائبية والعجائبيّة ويجعلها تنطوي تحتهما، فاليوتوبيا وفق رأي شعيب حليفي تتأسّس على واقع بعيد متخيل. لكنّها تفترق عن العجائبيّة والغرائبيّة بسكونيتها إذ هي تقدم تصوراً ثابتاً ضمن صور مختلفة. (فالدول اليوتوبية سكونية). بينما الغرائبيّة العجائبيّة عالم يضجّ بالحركة لا ضوابط ولا قوانين تقيّد تجلياته وتشكّلاته، وإن كان يتبنّى في طريقته بعض الأعمال السابقة ويستخدمها إطاراً أو ممرّاً لغايته.
وكثير من أعمال اليوتوبيا يجوز أن يندرج تحت أدب الخيال العلمي، ولا سيما إذا أدركنا حقيقة تبنيّ اليوتوبيا للتحوّل التكنولوجي، والاكتشافات وتوظيفها في مدنها في سبيل إسعاد الإنسانيّة، لكنّه بالرغم من ذلك يبقى متورطاً في مشكلّة كثرة المقالات الجدلية في اليوتوبيا، ولعلّ ذلك يعود إلى حاجة المؤلف إلى رسم عالم كامل على غير ما نعرف في العالم الحقيقي.