ليبيا.. والتصعيد الأخطر منذ الاطاحة بالقذافي
النشرة الدولية –
صعّد قائد قوات شرق ليبيا أو ما يُعرف بالجيش الوطني الليبي اللواء خليفة حفتر صراعه مع الحكومة الليبية المعترف بها دولياً إلى مستوى جديد ينذر بالخطر.
وفي هذا السياق، ذكر مسؤولون من شرق ليبيا أن قوات حفتر اقتربت من الجنوب والغرب سعياً لتطويق العاصمة طرابلس.
ويمثل الهجوم تصعيداً خطيراً في الصراع على السلطة الذي تشهده ليبيا منذ الإطاحة بمعمر القذافي في عام 2011.
والعاصمة هي الجائزة الكبرى للحكومة الموازية في شرق البلاد التي يدعمها الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر. وفي عام 2014 حشد حفتر جنودا سابقين من نظام القذافي وتمكن خلال معركة استمرت ثلاثة أعوام من السيطرة على مدينة بنغازي الرئيسية بشرق البلاد ثم استولى هذا العام على الجنوب بحقوله النفطية.
وفاجأ الهجوم الأمم المتحدة التي وصل أمينها العام أنطونيو غوتيريس إلى طرابلس الأربعاء للمساعدة في تنظيم مؤتمر وطني للمصالحة.
وعندما سئل عن الهجوم، قال غوتيريس إن ليبيا بحاجة إلى حل سياسي وليس عسكريا. وكان مبعوثه الخاص إلى ليبيا غسان سلامة يجلس بجواره.
وقال متحدث باسم الأمم المتحدة إن غوتيريس أمضى الليل في مجمع الأمم المتحدة الحصين على مشارف طرابلس ويعتزم الاجتماع مع حفتر يوم الجمعة.
ولكن لا توجد دلالة على أن قوات شرق ليبيا مستعدة لوقف زحفها الذي أعلنه حفتر في خطاب مليء بكلمات عن النصر.
وأصدر حفتر أوامره في تسجيل صوتي بث على الانترنت بعد ساعات من سيطرة قواته على مدينة غريان الواقعة على بعد نحو مئة كيلومتر جنوبي طرابلس.
وقال حفتر في التسجيل الصوتي الذي يحمل عنوان “عملية تحرير طرابلس”: “إلى جيشنا المرابط على تخوم طرابلس، اليوم نستكمل مسيرتنا”.
ما الذي يجري في ليبيا؟
وانقسمت ليبيا بين الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس وإدارة موازية متحالفة مع حفتر منذ سقوط القذافي.
وذكر سكان أن مجموعات مسلحة من مدينة مصراتة في غرب ليبيا، التي تعارض حفتر، بدأت الزحف صوب طرابلس للدفاع عنها.
في الوقت نفسه قالت حكومات فرنسا وإيطاليا والإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة إنها تشعر بقلق بالغ بشأن القتال.
وبدأ الهجوم بالسيطرة على مدينة غريان التي تبعد نحو 80 كيلومترا جنوبي طرابلس بعد مناوشات قصيرة مع القوات المتحالفة مع رئيس الوزراء المتمركز في طرابلس فائز السراج.
تمثل التطورات انتكاسة للأمم المتحدة والدول الغربية التي تحاول الوساطة بين السراج وحفتر، اللذين اجتمعا في أبوظبي الشهر الماضي لبحث اتفاق لتقاسم السلطة.
ومن المقرر عقد مؤتمر وطني هذا الشهر للاتفاق على خارطة طريق لإجراء انتخابات لوضع حد لعدم الاستقرار في ليبيا، وهي منتج للنفط ونقطة تجمع للاجئين والمهاجرين القادمين من منطقة الصحراء على أمل الوصول إلى أوروبا.
من يدعم حفتر؟
ويتمتع حفتر بدعم مصر والإمارات اللتين تعتبرانه حصنا في وجه الإسلاميين وتدعمانه عسكريا، بينما يرى فيه معارضوه صورة جديدة للقذافي.
وعزز حفتر أيضا الروابط مع السعودية حيث استقبله الملك سلمان الأسبوع الماضي. ولم تتكشف أي تفاصيل عن الاجتماع لكن المحللين يقولون إن الزيارة ساعدته على الأرجح في تعزيز الروابط مع السلفيين الذين يعدون من بين قواته.
ويتمركز السلفيون أيضا في غرب ليبيا بما في ذلك طرابلس حيث تسيطر قوة سلفية على المطار. وتتحالف هذه القوة مع السراج لكنها غيرت ولاءاتها من قبل مثل جماعات أخرى في العاصمة. ولم يحظ السراج ببقاء قوات معه طوال الوقت.
واتبع الهجوم نفس النمط الذي استخدمه المعارضون للقذافي في عام 2011 حيث أن التحرك الرئيسي نحو طرابلس يأتي من الجنوب.
وتتمتع مدينة غريان بأهمية استراتيجية لأنها آخر مدينة قبل سهل ساحلي وتمثل قاعدة للمقاتلين إذا استمرت المعركة من أجل السيطرة على العاصمة لفترة طويلة.
وذكر سكان أن قوات متحالفة مع حفتر سيطرت على نقطة تفتيش على بعد 27 كيلومترا غربي العاصمة أملا في قطع الطريق الساحلي المؤدي إلى تونس والذي يمثل أهمية حيوية لطرابلس.
ويقول محللون إن مدينة مصراته بغرب البلاد تعد معقلا لقوات قوية تمتلك أيضا طائرات وتمثل أكبر تحد لحفتر. واشتهرت بمقاومة شخصيات من النظام القديم بما في ذلك في عام 2011 عندما حاصرتها قوات موالية للقذافي لمدة ثلاثة أشهر.
ليبيا.. وحربٌ جديدة!
اعتبرت صحيفة التايمز البريطانية “أن استيلاء حفتر على مدينة غريان التي تبعد 80 كيلومترا فقط عن العاصمة الليبية يهدد باشتعال الحرب مرة اخرى في ليبيا، مشيرة الى ان حفتر الذي يلقى الدعم من كل من مصر والإمارات تمكن من تأسيس أكبر منطقة حكم ذاتي تحت سيطرته في شرق ليبيا منذ انهيار نظام القذافي.
أما صحيفة الغارديان فنشرت تقريرا قالت فيه إن ليبيا تستعد للحرب المقبلة والتي قد تدمر كل ماتبقى بعد سنوات القتال السابقة، ناقلة عن منتقدي حفتر قولهم إنه سيصبح حاكماً ديكتاتورياً جديداً على غرار القذافي لو سيطر على غرب البلاد.
مواقف دولية
حذر الكرملين اليوم الجمعة من “حمام دم جديد” في ليبيا بعدما أطلقت قوات موالية للمشير خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق ليبيا، هجوما في اتجاه طرابلس، ودعا الى حل “سلمي وسياسي” للنزاع.
وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف “نعتبر أن الأمر الأكثر أهمية هو ألا يؤدي أي عمل الى حمام دم جديد” في ليبيا.
هذا، وقال دبلوماسيون إن مجلس الأمن الدولي سيعقد، اليوم الجمعة، جلسة طارئة بشأن التطورات الأخيرة في ليبيا.
ونقلت وكالة “الأناضول”، عن دبلوماسيين في الأمم المتحدة قولهم إن الجلسة ستعقد بناءً على طلب تقدمت به بريطانيا.
وكانت حكومات دولة الإمارات العربية المتحدة وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية أكدت أنها تشعر بقلق بالغ بشأن القتال حول مدينة غريان الليبية وحثت جميع الأطراف على وقف التصعيد على الفور.
وقالت حكومات الدول الخمس في بيان أصدرته وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن اليوم :” في هذه اللحظة الحساسة من مرحلة التحول في ليبيا فإن اتخاذ الوضع العسكري والتهديد بعمل أحادي لن يؤدي إلا إلى المجازفة بجر ليبيا نحو الفوضى.. نعتقد بقوة بأنه لا حل عسكريا للصراع في ليبيا”.
ما لاتعرفونه عن ليبيا
تعتبر ليبيا رابع أكبر دولة مساحةً في أفريقيا، وتبلغ مساحتها ما يقرب من 1.8 مليون كيلومتر مربع.
ورغم كبر مساحتها يسكن ليبيا 6 مليون نسمة فقط.
يحد ليبيا البحر المتوسط من الشمال، ومصر شرقا والسودان إلى الجنوب الشرقي وتشاد والنيجر في الجنوب،والجزائر، وتونس إلى الغرب. وتحتل المرتبة التاسعة بين عشر دول لديها أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة لبلدٍ في العالم.
لا زالت بعض المدن الساحلية في ليبيا مثل مصراتة ولبدة، تحتفظ بآثار الفينيقيين الذين اعتمدوا هذه المدن كمرافئ طبيعية يلجأ إليه البحارة والتجار أثناء رحلاتهم التجارية النشطة في المتوسط.
وكان الفينيقيون أسسوا مدينة لبدة في نهاية القرن السابع قبل الميلاد، وهذا التاريخ يقرب من تاريخ إنشاء قرطاج في تونس وكان المؤسسون أهالي مدينة صور.
وفي التاريخ الحديث، حكم معمر القذافي ليبيا على مدى 42 عاماً، استنادا إلى عقيدة سياسية سميت بالنظرية العالمية الثالثة، ونُشرت في الكتاب الأخضر، واسس في العام 1977 الجماهرية الليبية، قبل أن يطيح به ما سميّ بالربيع العربي الذي شقّ طريقه من تونس الى مصر فليبيا في العام 2011.
واعتقل بعدها القذافي على قيد الحياة على أيدي أفراد من جيش التحرير الوطني بعد الهجوم على موكبه بالقنابل من قبل طائرات حلف شمال الأطلسي يوم سقوط طرابلس في 20 تشرين الأول عام 2011.
وقتل القذافي من جانب مقاتلي جيش التحرير الوطني وأذنت لانتهاء فترة حكم امتدت لاثنين وأربعين عاماً وهي الأطول في تاريخ ليبيا والعالم العربي.