نبيه بري “كمن يرقص على حافة الهاوية”* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

كثيراً ما حاول رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري  التمايز عن مواقف حزب الله، اذ يُعتبر ومنذ نشأة تحالف 8 آذار الوجه الاعتدالي من هذا الفريق، وكان اول من نعى عام 2011  تحالف 8 آذار وذلك بعد ابتعاد النائب وليد جنبلاط، عن قوى 14 آذار، وهو الذي يلعب دوراً  “كممتص للصدمات” عند كل احتقان مذهبي بين السنّة والشيعة، محاولاً امساك العصا من الوسط، لكن هل هو فعلا يتمايز عن حزب الله؟

أبرز اشكالية قسمت الساحة السياسية اللبنانية هي الحرب السورية، وكان واضحاً موقف الرئيس بري في هذا الشأن، بامتناع حركة أمل عن المشاركة في المعارك الدائرة في سورية،  وتبنيه لمبدأ “النأي بالنفس”  وهو القائل في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر عام 2013 في عز تدخل حزب الله بالمعارك السورية “نبحث مواضيع مختلفة، ومنها وسائل إخراج التداخلات اللبنانية في المسألة السورية”، ولا زالت  مصادره في حركة أمل حتى اليوم  تؤكد، أن موقف بري كان ولا يزال تأييده للحلّ السياسي في سورية، “لأن لا أفق للحلّ العسكري”، شاعت حينها معلومات عن تباعد بينه وبين النظام السوري .

اراد حزب الله وعبر دفعه باللواء عباس ابراهيم الى الواجهة السياسية ومن بابها العريض بتكليفه التدخل بقضية تحرير مخطوفي إعزاز، ومن ثم في ملفات كثيرة منها ملف النازحين وملف تشكيل الحكومة الاخيرة وغيرها من الملفات حولت هذه الشخصيةالامنية الى “دينامو” يتنقل بين مختلف الملفات السياسية اللبنانية بكفاءة، القول ان هناك شخصية شيعية تنافس الرئيس بري، وربما قد تكون الشخصية البديلة لرئاسة المجلس، لكن هل استطاع حزب الله استبدال الرئيس بري؟

في هذا المجال يقول فريق من الساسة الشيعة المتمايزين والمستقلين نسبياً بمواقفهم عن ثنائية حزب الله – حركة امل، ان كل استحقاق في لبنان من انتخاب رئاسة الجمهورية الى رئاسة الوزراء إلى اختيار رئيس لمجلس النواب، له حسابات خاصة غير الحسابات والتحليلات الاعلامية، ذلك انه عند كل مفترق يشهد البلد فراغاً ثم ظروفاً مهيئة اقليمياً ودولياً لسد هذا الفراغ، بمعنى آخر كل الاستحقاقات السياسية اللبنانية تكون بإنتظار لحظة سياسية اقليمية حاسمة للبت بملفاته.

معركة برّي مع جبران باسيل اتت بخط متوازن مع صراعات داخل حركة امل عنوانها الفساد وفتح حزب الله محاربة هذا الملف على مصراعيه

هذا الفريق المتأذي من إستئثار الثنائية الشيعية بالحصص والمكاسب، ومن حرمان مناطق شيعية نائية من خيرات الدولة و”عطفها، يقول انه من حق البقاع مثلاً ان يأتيه رئيسا لمجلس النواب وبالتالي يستفيد كما استفاد الجنوب من مجلسه ومن وجود نبيه بري”.

لكن يستدرك ان الكلام عن تغيير الرئيس نبيه بري بالرهان على زرع الشقاق بين “أمل” وحزب الله، فاشل وسيفشل، لان حلفهما استراتيجي وان اختلفوا على ملفات داخلية واقليمية، ذلك ان حزب الله بحاجة لتغطية بري سياسيا له ويستشهد بكلام السيد نصرالله”نحن اقوياء في كل مكان ما عدا داخل الدولة اللبنانية”.

ان الرئيس بري وبالفعل هو من أعطى الشرعية الداخلية لحزب الله، هذا ما دفعه خلال حرب يوليو/تموز 2006 الى تأدية الدور السياسي والدبيلوماسي في ادارة المعركة، مما كرس تفاهماً بين الإثنين ظهر من خلال اللوائح المشتركة للانتخابات البلديّة في الجنوب عام 2010 .

ولكن وضع الرئيس نبيه بري بدأ بالتململ عندما قامت التسوية الرئاسية التي اتت بميشال عون رئيسا للجمهورية، قال حينها: “لقد بدأ الجهاد الأكبر”، ذلك أنه ومنذ توليه رئاسة مجلس النواب لم تمر تسوية دون موافقته او دون اشرافه على اعداد “الطبخة”، وحاول حينها ان يكون رأس حربة في المواجهة، لكنه فشل، وفتحت معركة سياسية مع التيار الوطني الحر ولا تزال مفتوحة، بقيادة الوزير جبران باسيل، الذي يعد خصما قويا مستمدا قوته من جهة  “بورقة التفاهم” مع حزب الله ومن جهة اخرى المصالح السياسية الكثيرة التي تربطه برئيس الحكومة سعد الحريري.

معركته مع جبران باسيل اتت بخط متوازن مع صراعات داخل حركة امل عنوانها الفساد، وفتح حزب الله محاربة هذا الملف على مصراعيه.

الفساد الذي حمل حزب الله راية محاربته، يقول سياسي شيعي مستقل:  “أن الحزب لا يملك الوسائل التنفيذية داخل الدولة لينجح في مشروعه، كما ان لسعد الحريري القدرة على ابتزازه بموضوع السلاح داخل المجلس النيابي، إضافة الى طاولة مجلس الوزراء، حيث تتألف من فريقين كل فريق يريد رأس الآخر”.

حملة حزب الله لمكافحة الفساد تبخرت من الاعلام ربما لأن الحزب ادرك ان سهام “المكافحة” قد تطال الحليف قبل الخصم

 

وهذا ماتبين بالفعل، اذا ان حملة حزب الله لمكافحة الفساد تبخرت من الاعلام، ربما لأن ادرك ان سهام “المكافحة” قد تطال الحليف قبل الخصم، وهو في هذه المرحلة اكثر ما يكون بحاجة للتعاون بعد العقوبات التي بدأت تفعل فعلها في التأثير على سلوكه.

لكن، ان الحزب المتنبه فجأة الى “الوطن لبنان” وهو العائد من سوريا ألا يحق له ومن وجهة نظره بإستثمار “انتصاراته” في الداخل اللبناني كما يقول، ولن يطالب بحصته من التعيينات والوظائف؟ لقد كان لفترة زاهداً في السياسة الداخلية اللبنانية وهو ما جاء مرات عدة على لسان أمينه العام : “ما هو المقابل؟ مرة يقولون مؤتمر تأسيسي، ومرة تعديلات دستورية. طبعاً  ليس لديهم شغل وعمل في البلد، يتكلمون ويكتبون ويتسلون، ومرة يقولون يريد تكبير حصته في الدولة. اصلاً اين هي حصتنا في الدولة؟ هذا كله كلام فارغ”. في هذا المجال يقول نائب شيعي مخضرم انه يحق لحزب الله الحصول على حصته كأي قوة سياسية اخرى، لكن الى الآن انقسم الشيعة بين شيعة المقاومة وشيعة الدولة، والأكيد انه في المستقبل سيأخذ حصته وهو الذي استطاع ايصال 3 وزراء و14 نائباً، من هنا التنافس الآن على تقديم الخدمات ولذا طالب الحزب بوزراة الصحة.

يهتم الحزب بمراعاة صلاحيات الرئيس بري في الدولة اللبنانية الى الآن، لكن دخوله، وبشكل مباشر على التفاصيل السياسية اللبنانية، سوف تكون على حساب بري ودوره في التعيينات والملفات والمشاريع كما المحاصصة، إن اراد ذلك او إن لم يرد.

لم تستطع الى الآن اي قوة شيعية من خارج هذه الثنائية ان تكسر “الاحتكار” الشيعي التمثيلي للطائفة، كما ان حرص الرئيس نبيه بري على التمايز عن الحزب لم يمنع المجتمع الدولي من وضعه تحت المجهر، ومن تسريبات عن عقوبات أميركية قد تطاله وحركة أمل، وليس الوفد النيابي الموجود في واشنطن الا لإستبيان الحقيقة من وراء هكذا تسريبات. فهل تبقى هذه التسريبات في إطار التحذيرات؟

يقول بري: “فليخسر ايّ منا، المهم هو  ألا يخسر البلد، والأهم من كل ذلك، هو ألاّ نخسر البلد، فوضعنا لم يعد يُخفى على احد؛ انه كمن يرقص على حافة هاوية عميقة”.

التمايز في المواقف بين الطرفين ساعد على تخطي الأزمات السياسية في البلد، حتى الآن، ولكن هل يدفع التلويح بالعقوبات بالرئيس بري الى انعطافة دراماتيكية بفصل مساره عن مسار الحزب؟ انه حقاً كمن يرقص على حافة الهاوية.

السياسة اللبنانية

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى