للمرة الثالثة على التوالي… الرئيس الأمريكي يُقاطع العشاء التقليدي السنوي لصحافيي ومراسلي البيت الأبيض
النشرة الدولية –
للمرة الثالثة على التوالي، قاطع الرئيس الأميركي دونالد ترمب العشاء التقليدي السنوي لصحافيي ومراسلي البيت الأبيض، مفضلا التوجه إلى مدينة غرين باي في ولاية ويسكونسين ليشارك في تجمع لمؤيدي فريقه المفضل لكرة السلة، إلا أنه لم يترك الفرصة ليشن هجوماً عنيفاً “معتادا” على وسائل الإعلام، معتبراً أنها “عدوة الشعب”، في وقت أعلن فيه صحافيو البيت الأبيض، خلال حفلهم، عدم رضوخهم لما اعتبروه “اعتداءات سياسية”.
وأمس شهدت الولايات المتحدة مشهداً جديداً يُظهر الانقسام الذي تعاني منه الأمة الأميركية، بعدما عرضت الشاشة التلفزيونية خطابين متضادين؛ أحدهما في مدينة غرين باي بولاية ويسكونسين حيث خصص الرئيس دونالد ترمب جزءا كبيرا من خطابه لمهاجمة وسائل الإعلام، والثاني في واشنطن، حيث كان يجري العشاء التقليدي للصحافيين والمراسلين.
وخلال خطبته في ولاية ويسكونسين، هاجم دونالد ترمب الإعلام، واتهم وسائل الإعلام “بنشر أخبار كاذبة” ووصفها بأنها “عدوة الشعب”، وقال “إنهم يزيفون”. وتابع “أقول لكم، هل تعرفون ما هو السيئ في الأمر؟ تقييمهم هو السيئ لأن الناس لا يصدقونهم”.
ووصف ترمب عشاء المراسلين بـ”الممل” و”السلبي”. وذلك فى ثالث مقاطعة له بعد أن قاطعه عامي 2017 و2018، أي طوال ولايته الرئاسية حتى الآن.
وعلى بعد أكثر من 1100 كيلومتر عن غرين باي، في واشنطن، قال أوليفر نوكس، رئيس جمعية مراسلي البيت الأبيض أمام الحضور في العشاء الذي جرى في فندق واشنطن هيلتون، “إنه لا يريد التحدث عن ترمب”، لكنه دعا إلى رفض خطاب الرئيس.
وأوضح نوكس إن عبارتي “أخبار كاذبة وأعداء الشعب ليستا شعارات أو أسماء حيوانات (…)، يجب علينا أن نرفض الاعتداءات السياسية على الرجال والنساء الذين يجعلون بعملهم الشاق، محاسبة الأقوياء ممكنة”.
وهذه السنة وللمرة الأولى منذ عشر سنوات، لا يشمل برنامج العشاء أي شخصية فكاهية تسخر من الرئيس والصحافيين، واختارت الجمعية مؤرخا هو رون شيرناو ليتحدث خلاله.
وفي كلمته، شن “شيرناو” في كلمته هجوما انتقد فيه “الحملة الخبيثة والقاسية على مصداقية وسائل الإعلام”. وبعدما أشار إلى أن خطابه يشكل خروجا عن تقاليد هذا العشاء، ذكر: “نحتاج إليهم (الكوميديين) اليوم أكثر من أي وقت مضىى خلال هذه المرحلة السريالية في الحياة الأميركية”.
وتابع: “يجب علينا الآن الكفاح بضراوة من أجل الحقائق الأساسية”، مضيفا: “عندما تجتث الصحافة، فأنت تجتث ديمقراطيتنا، وأن محكمة التاريخ لا تتساهل مع الرؤساء الذين يعاقبون الصحافة الحرة”، وصفق الحضور بحرارة واقفين، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.
وأكد شيرناو، الحائز على جائزة “بوليتزر”، “أن العلاقات بين الرؤساء والصحافة صعبة حتما، ودائماً ما تكون معادية، لكنها لا يجب أن تكون سامة”، وضرب شيرناو، أمثلة عن تعامل رؤساء سابقين مع الإعلام، قائلا إن “أول رئيس أميركي، وهو جورج واشنطن، شعر في كثير من الأحيان بالإحباط وسوء الفهم من قبل الصحافة، لكن لم يحول ذلك أبداً إلى ثأر، في حين استخدم الرئيس الثاني جون آدامز القوانين لتضييق النطاق على الإعلام، ولكنه خسر حملته لإعادة انتخابه في عام 1800”.
وتابع شيرناو: “دونالد ترمب ليس الأول ولن يكون آخر رئيس أميركي يخلق حالة من التوتر بشأن التعديل الأول (الذي يدافع عن حرية الدين والتعبير والصحافة) لذا كن متواضعاً، وكن متشككاً، واحذر من أن الضرر قد يلحق بك من الأشياء نفسها التي تكافح لكبحها”.
ويعد “التراشق بالألفاظ والاتهامات” السمة الأبرز للعلاقة بين ترمب والإعلام الأميركي منذ توليه مقاليد حكم الولايات المتحدة في العشرين من يناير (كانون الثاني) 2017. فتارة يتهم الرئيس وسائل الإعلام بـ”الزيف وتزوير الأنباء والاعتماد على مصادر مجهولة”، وتارة أخرى يتهمها بـ”انعدام النزاهة وتضليل الشعب الأميركي، والتقليل من شأن إنجازات إدارته”.
وفي أوائل الشهر الحالي، ذكرت قناة “سي إن إن” الأميركية، أن الرئيس ترمب، قام بتقديم 9 آلاف و451 تصريحا كاذبا أو مضللا في حوالي 800 يوم في منصبه الرئاسي. موضحة أن “لدى ترمب عادة في تقديم تصاريح مضللة بشكل منتظم”.
وأضافت أن “تلك التصاريح بلغت ذروتها، خلال آخر 200 يوم، ووصلت إلى 22 تصريحا كاذبا في اليوم، مقارنة بـ 5.9 تصريح كاذب في اليوم، في السنة الأولى من توليه منصبه الرئاسي”. مشيرة إلى أن “عدد تصريحاته الكاذبة تضاعفت 4 مرات مقارنة بالعام الأول من رئاسته”.
ولم يختلف إحصاء “سي إن إن” كثيرا عما قدمته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، فى ذات السياق، ففي تحليل لها نشرته مؤخراً، فإن الرئيس ترمب أدلى بآلاف التصريحات الكاذبة خلال عام 2018، بمعدل يصل إلى 15 كذبة في اليوم. وسلط التحليل الضوء على أبرز أكاذيبه، والتي منها، إخراج القوات من سوريا، وإلغاء عقوبات ضد كوريا الشمالية لم يعلن عنها، ومبالغته بعرض ما يعتبره إنجازات غير مسبوقة، وتحقيقه أفضل اقتصاد في التاريخ، ومزاعم عن بدء بناء الجدار الحدودي مع المكسيك.
وردا على ذلك، يتمسك ترمب بموقفه من الإعلام، ويعتبر دوما “أنه رغم كل النجاح الذي تحققه بلادنا، بما في ذلك إيجاد الوظائف التي وصلت مستوى غير مسبوق، فإن “وسائل الإعلام الكاذبة وغير النزيهة” لم تكن أسوأ من أي وقت مضى فيما يخص رئاسته”. معتبرا أن “العديد من وسائل الإعلام أصبحوا مجانين ومعتوهين وتاركين للحقيقة”.
ويعد تقليد إقامة عشاء مراسلي البيت الأبيض الذي يحضره مئات الصحافيين وعدد كبير من نجوم هوليوود تاريخيا، إذ بدأ في 1921. ومنذ 1980 حضر كل الرؤساء الجمهوريين والديموقراطيين على حد سواء العشاء، باستثناء الرئيس رونالد ريغن في 1981، لأنه كان يتعافى من اعتداء أصيب فيه بجروح بالغة.
وفي عشاء عام 2011، استهدف الرئيس السابق باراك أوباما، ترمب الذي كان بين المدعوين بانتقادات حادة.
ووفق مراقبين، من الصعب معرفة أسباب تكثيف ترمب الهجوم على وسائل الإعلام التي يتهمها في كل مناسبة بنشر “أخبار كاذبة”. لكن بمعزل عن رغبته في إثارة حماس قاعدته الانتخابية عبر تحديد “عدو”، من المؤكد أن نشر تقرير المدعي الخاص روبرت مولر حول التحقيق في التدخل الروسي هز الرئيس الأميركي. فيما تكمن الفرضية الأخرى في أن الملياردير الأميركي يريد إثارة اهتمام الصحافيين لأنه يفلت منه مع دخول عدد من المرشحين الديموقراطيين إلى السابق الرئاسي للانتخابات التي ستُجرى في 2020.
وتتزامن هجمات ترمب على الصحافيين والإعلام، مع الغياب شبه الكامل للقاء الصحافي اليومي للناطقة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز، إذ أنه منذ أكثر من أربعين يوما لم تحضر ساندرز إلى قاعة الصحافة الشهيرة لترد على أسئلة الصحافيين.
وهذه السنة أيضاً، لم تحضر ساندرز عشاء الجمعية، خلافا لما حدث العام الماضي، بينما تلقى فريق ترمب بأكمله توجيهات برفض دعوة جمعية مراسلي البيت الأبيض.
وكتب أوليفر نوكس، رئيس جمعية مراسلي البيت الأبيض، في موقع “بوليتيكو” الالكتروني “لنكن واضحين: “تقليص هذه الإدارة للقاءات الصحافية للبيت الأبيض والبنتاغون ووزارة الخارجية أخطر بكثير من مسألة حضور الرئيس عشاء المراسلين”.
والوسيلة الأساسية التي يلجأ إليها ترمب هي موقع تويتر حيث يبلغ عدد متابعيه 60 مليون شخص، بينما يتابعه ملايين آخرون على منصات أخرى على الإنترنت.
وبالتأكيد يرد الرئيس ترمب على أسئلة الصحافيين بنفسه كل يوم، لكن هذا يجري بشكل فوضوي ووفقا لحالته المزاجية، في حديقة البيت الأبيض أو قبل أن يستقل مروحيته أو في مكتبه في البيت الأبيض وسط فوضى عارمة.
ولا شيء يشير إلى أن العلاقات بين الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة مع الصحافة ستتحسن. وحضرت سارة ساندرز الخميس إلى قاعة الصحافة، لكن للرد فقط على أسئلة أطفال من أبناء طاقم البيت الأبيض كانوا يشاركون في يوم نظم تحت شعار “اصطحبوا أبناءكم إلى أماكن عملكم”.
ويرى جيفري موروسوف أستاذ الصحافة في جامعة هوفسترا بالقرب من نيويورك أن ترامب “يلعب لعبة خطيرة”. وأضاف “يوما ما سيقوم أحد مؤيديه بمهاجمة صحافي جسديا”.