صورة لبنان الناصعة في الدراما اللبنانية* كوليت بهنا

النشرة الدولية –

بحسب المعايير الفنية المتبعة عالميا، ينسب العمل الدرامي أيا يكن نوعه إلى هوية وبلد الشركة المنتجة له، وعليه تعتبر بعض المسلسلات اللبنانية ـ السورية أو اللبنانية ـ العربية المشتركة التي تحتل المساحة الأبرز على شاشات كبرى المحطات العربية لموسم رمضان هذا العام وما قبله، بأنها مسلسلات لبنانية تعود في ملكيتها وحقوقها إلى منتجها اللبناني، وهي مسلسلات ذات ميزانيات إنتاجية ضخمة تستعيدها أو تستعيد القسم الأكبر منها حال تسويقها على هذه المحطات.

التعاون الدرامي اللبناني ـ العربي أو اللبناني ـ السوري المشترك، ليس جديد العهد، يمتد عمره إلى أكثر من خمسين عاما وتوج بأعمال سينمائية كثيرة ذات صبغة تجارية. ومنذ أكثر من عشر سنوات، وبسبب الظروف السياسية والاقتصادية العسيرة التي تمر بها المنطقة وما تركته من تأثير على أسواق العمل ومن بينها سوق الإنتاج الفني، عاد هذا التعاون إلى نشاطه في مجال الدراما التلفزيونية، بما يمكن اعتباره تعاون إيجابي وناجح وذي منفعة متبادلة مشتركة.

أهم ما حققه هذا التعاون هو إعادة الألق للدراما التلفزيونية اللبنانية وصنّاعها بشكل ملحوظ، وهي دراما ليست طارئة أو مستحدثة، كما يشير إليها البعض، بل تعود بشهرتها إلى سبعينيات ومطلع ثمانينيات القرن الماضي، واشتهرت بأعمال كثيرة ما زالت حاضرة في الذاكرة مثل مسلسلات “ألو حياتي” للثنائي هند أبي اللمع وعبد المجيد مجذوب و”عازف الليل” و”أربع مجانين وبس” وغيرها، وكان من الطبيعي أن تشهد انحسارا أو فتورا جراء الحرب الأهلية اللبنانية وتداعياتها على المجتمع اللبناني بأسره.

تقوم إنتاجات الدراما اللبنانية الحالية، والتي يمكن أن تصنف بأنها تنطلق من توجهات ورؤى تجارية عصرية، على أسس باتت متشابهة في معظم الأحيان، قوامها كتّاب عرب أو لبنانيون، وفريق فني مشكل من خبرات عربية ولبنانية متميزة، على أن تتم معظم عمليات التصوير في لبنان، مع مراعاة العنصر الدرامي الأساسي والأبرز في هذه التوليفة وهو النجومية المشتركة بين ممثل سوري أو مصري مع ممثلة لبنانية أو العكس، يتمتعون بالشهرة الكبيرة والشباب النضر والجمال والوسامة والجاذبية.

المواضيع التي تطرح عبر هذه الدراما اللبنانية منذ سنوات ولا تزال، تقتبس في معظمها عن الأدب أو السينما العالمية، عبر إسقاطها على بعض مفاصل المجتمع اللبناني بخلطات درامية، بدت أحيانا موفقة وناجحة قياسا بتقبلها على الصعيد الجماهيري المتعطش لقصص الحب الكبرى والإثارة التي تؤسس عليها هذه الدراما، وهي قصص حب ينتمي أبطالها في معظم الأوقات إلى الطبقة الاجتماعية اللبنانية المنعمة ماديا، وثرواتهم إما من التوريث العائلي أو السياسي أو نتيجة لاجتهادهم التعليمي والثقافي الشخصي وتبوأهم لمراكز متميزة ذات مردود مالي عالي، بما يتطلبه هذا الانتماء من تكامل لكافة تفاصيل حيواتهم ويحقق الانسجام الدرامي بين الشخصية والمشهدية الفاخرة التي تعيش في كنفها، مع بعض المرور الدرامي السطحي والعابر لبعض الشخصيات التي تنتمي للطبقات الأدنى اجتماعيا وماليا، والتي ليس لها البعد الدرامي المؤثر، وتحجيمها بالأدوار المساندة التي تدعم بنية العمل الدرامي لا أكثر.

يتم التركيز في هذه الأعمال على أنموذج للمرأة اللبنانية، الجريئة والمتحررة وشديدة الأناقة والجمال بمقاييس الجمال العصرية، وهو أمر لا يجافي الحقيقة بالمطلق، إذ يعرف عن المرأة اللبنانية ـ مهما اختلفت طبقتها الاجتماعية ـ حرصها الكبير على مظهرها المعتنى به، دون إغفال شغفها التعليمي والتحرري بالوقت عينه.

لكن المشكلة لا تكمن في إظهار هذه الصورة الجميلة عن المرأة، بل في كيفية توظيف هذه الدراما وأهدافها واستثمار هذه الشخصيات الشهيرة بما ينسجم حقيقة مع مشاكل وأزمات الشارع اللبناني الكثيرة ويخدمها، وهي مشاكل غير مخفية على أحد، تكررها وسائل الإعلام والمحطات اللبنانية على مدار الساعة، بما يبرز التناقض الحاد بين هذه الصورة السياحية الدرامية للبنان الأخضر الجميل وبين لبنان الحقيقي.

في الواقع، الفساد يأكل اليوم لبنان الأخضر واليابس، والتلوث البيئي الخطير ينذر بالكثير جراء أزمة القمامة وحرقها المستمرة منذ سنوات، والتجاذبات السياسية والطائفية والتناحرات لا تنتهي أو تهادن، والاستقرار الاقتصادي والمالي مهدَّد ويحكى عنه على أعلى المستويات، مع استمرار تدهور الحريات العامة التي كفلها الدستور وتميز بها لبنان عبر تاريخه، وانعكاس كل ما تقدم وغيره سلبا على الوضع المعيشي للمواطن اللبناني “المعتر”.

هذه جميعها مواضيع ساخنة تتجنبها الدراما أو تلمح لها في حوار مقتضب دون الغوص في عمقها، وربما يستوي حال الدراما اللبنانية على جميع أحوال الدراما العربية، حيث لا يمكن تحميل المسؤولية لكتّاب السيناريو أو النجوم أو المنتج أو لومهم، فالجميع في النهاية في سلة واحدة، إما أن يبقى عاطلا عن العمل، أو أن يخضع لشروط السوق والتسويق والعرض والطلب التجاري؛ وهي سوق تروج للرفاهية وتبحث عن الصورة الناصعة والمثالية في الدراما والسياحة وإعلانات الأسنان الناصعة ونشرات أخبار الساسة الأنيقين وعطاءاتهم الكريمة، وربما ولى زمن ما يمكن للدراما والفنون أن يساهما به في تحسين أحوال باقي عناصر الصورة المجتزأة والمخفية المريرة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى