لماذا اعتزل الكاتب الكويتي؟!* خليل علي حيدر

النشرة الدولية –

من أسباب انقراض كتّاب الكويت يأسهم من تعديل الأوضاع وإصلاح الحال، رغم كل الكتابات وتواصل الشكوى! فعندما نتصفح بعض المجلات الكويتية القديمة قبل الاستقلال، وبعض أعداد السنوات السابقة من أي صحيفة حالية، نجد أن اليوم كالأمس، وأن شكاوى اليوم قد أثيرت أو أثير ما يماثلها قبل أعوام.

 

فاجأ الزميل الكاتب “عبدالمحسن جمعة” القرّاء في مقال له يوم 9/ 5/ 2019 في “الجريدة” بملاحظته أن “كتّاب الكويت ينقرضون”!

 

وذكر أن مساهمات الكتّاب أمر أساسي ليس في إثارة القضايا العامة ومناقشة المستجدات فحسب، بل كذلك في رصد مسار مختلف جوانب حياة أي مجتمع، وبخاصة من قبل الباحثين بعد أعوام، في مسار المجتمع الكويتي، وما استجد وما اختفى من مظاهر.

 

وعبّر الزميل عن قلقه لما يحدث في الإعلام الكويتي، فالكتّاب الذين يتناولون الشأن السياسي والعام “في تناقص مستمر” بعد أن “تراجعت أعدادهم، واعتزل الكثير منهم، ولم يتبق من الكتّاب الصحافيين المحترفين إلا قلة نادرة، فيما عدا الهواة أو الذين يمارسون هذه المهنة كعمل جانبي”.

 

ونعرف جميعاً أن ملاحظة الأخ عبد المحسن ومخاوفه قد تكون في محلها، وإن كنا نفتقر إلى دراسة للظاهرة وبعض الإحصائيات المتعلقة بها، غير أن المشكلة على صلة كذلك بأزمة الصحافة الورقية والقدرات الخارقة للإنترنت والثقافة الإلكترونية وتسهيلات النقال وغير ذلك، مما تسبب في نفور القارئ من التحليلات والمطولات، وأدى إلى “تقصير نَفَس” القارئ وزيادة استعجاله، وتداعي “الحائط الرابع” بين وقوع الحدث، والحديث عنه، وبين المستجدات والكتّاب.

 

عانت الكويت منذ سنوات طويلة غياب الصحافي المحترف، الكاتب الذي يكتب دون خلفية عقائدية أو انتماء سياسي، ومن الصعوبة بمكان أن يحترف أي كويتي الصحافة كما في المجتمعات الغربية مثلا، فالمؤسسات الصحافية في الكويت ليست مبنية على هذا الأساس، ولا تتنافس فكرياً وسياسياً في هذا الميدان، كما أنها في الغالب تزن الكاتب والمقالات بطرق تختلف عما عليه الحال في البلدان الغربية، ولا يبدأ الكاتب الصحافي في الكويت مسيرته المهنية متطلعاً إلى ما ينشده الأوروبي والأميركي وغيره.

 

ولا أدري إن كانت إدارات الصحف الكويتية تجتمع بكتّابها بانتظام، أو أن رئيس التحرير يكشف لهم ما لديه من معلومات، أو أن لهذه الصحف أهدافاً إعلامية واضحة، أو أن لديها جدولا بالقضايا وسلما للأولويات الجديرة بالطرح. وقد أشار الأستاذ عبدالمحسن إلى مجموعة من الدول العربية التي لا يمكن فهم الكثير من تطوراتها دون متابعة إعلام الصحافة فيها والكتّاب البارزين مثل مصر والسعودية، وكذلك البلدان الغربية، فهل يصدق هذا على الكويت؟ هل ظهور مقالات لهذا الكاتب أو ذلك تمهيداً لقرار ما أو إجراء غير متوقع أو أي شيء ستتخذه الحكومة قريبا مثلا؟ من المستبعد أن تجد تخطيطاً فكريا إلا نادرا في المسار السياسي الكويتي، بل ليس لدى الحكومة مجموعات من الخبراء أو المثقفين والكتّاب ممن يتابعون بانتظام مشاكل الكويت أو أوضاع جيرانها والتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية القادمة، ولا يحاول أحد أن يطور رؤية الحكومة إلى المسائل القبلية أو الطائفية أو علاقة الدولة بالدين أو تأثر الإسلاميين بما في المنطقة من تطورات ومستجدات.

 

وتخاطب الصحافة من جانب آخر نصف أو ثلث السكان وربما أقل بحكم التركيبة السكانية. وتكتب المقالات عادة من وجهة نظر الكويتيين ولا تعكس بالضرورة معاناة “الجاليات” و”الوافدين”، رغم أنهم في حاجة ماسة إلى إصلاح الأوضاع وتعديلها!

 

لم نعرف في صحافتنا كذلك الكاتب المختص بالشؤون الكويتية، كاتب يتابع كل صغيرة وكبيرة ويرصد الحكومة والمجلس والقوانين والحياة العامة، ويكتب بانتظام، ويحلل الأوضاع ويستعرض المخاطر ويحدد المسار.

 

مثل هذا المختص لا نراه حتى في الجامعات والمعاهد لدينا إلا القلة ممن يمزجون بين تخصصاتهم في الجامعة والحياة الإعلامية والاجتماعية، وبخاصة من يتابع منهم الانتخابات والمناطق وشرائح الناخبين مثلا، ومن الأكاديميين وغيرهم ممن تستعين بهم برامج التلفزيون و”الميديا” في المناسبات، ولكن هل هم مختصون متابعون للأوضاع بانتظام قبل هذه المشاكل وبعدها كما هي الحال في أوروبا وأميركا أو حتى مصر؟

 

من نواقص التغطية السياسية في الكويت إذاً غياب من يكرس وقتة واهتمامه لمتابعة تفاصيل وتشعبات مجاله، فالكويتيون يتبادلون أحاديث ظواهر الفساد في كل المجالس والديوانيات كل يوم، ولكن لا توجد حتى الآن فيما أعلم دراسة موثقة عن الظاهرة رغم وفرة المصادر وغنى المراجع. وهناك مئات القانونيين ومنهم كتّاب زوايا ومحاضرون، ولكن كم منهم يبرز في المقالات والدراسات الصحافية القانونية أو تجميع الوثائق في قضايا الفساد؟!

 

ومن أسباب “انقراض كتّاب الكويت”، إذا كانت الشكوى غير قابلة للتجاهل، “يأس الكتّاب من تعديل الأوضاع وإصلاح الحال”، رغم كل الكتابات وتواصل الشكوى!

 

ونحن عندما نتصفح بعض المجلات الكويتية القديمة قبل الاستقلال، وبعض أعداد السنوات السابقة من أي صحيفة حالية، نجد أن اليوم كالأمس، وأن شكاوى اليوم قد أثيرت أو أثير ما يماثلها قبل أعوام.

 

نظرت مثلا في فهرس “د. محمد حسن عبدالله” للصحافة الكويتية، واخترت لكم بعض العناوين مثل:

 

1- عبدالرحمن العوضي: “الرشوة أصبحت أهم مقومات حياتنا اليومية”. (الطليعة 8/ 12/ 1965).

 

2- يوسف محمد الشايجي: “كن متملقاً”. (البعثة، أكتوبر 1950).

 

3- إبراهيم الشطي: “لو كنت طالباً لطالبت بثورة في التعليم”. (أخبار الكويت، 28/ 1/ 1971).

 

4- أبو بدر: “سياسة إرضاء الجميع وعلة العلل”. (الهدف، 9/ 7/ 1970).

 

5- باقر خريبط: “لا نريد مزيداً من الديمقراطية”. (صوت الخليج، 8/ 4/ 1971).

 

6- نجيبة جمعة: “كثيرات من نساء الكويت أحسن من الكثيرين في مجلس الأمة”. (الهدف، 8/ 12/ 1966).

 

7- محمود عبدالقادر (تحقيق): “خريجو الصحافة الكويتيون لماذا لا يعملون في الصحافة؟”. (الهدف، 2/ 7/ 1970).

 

الكثيرون على قناعة بأن مشاكل الكويت السياسية خاصة، ليست هي العصية على الحل ولا الأصعب… إن تصدت الحكومة لحلها، وبخاصة مع وجود المال والقوانين والشعب والمتعلم والمرأة المشاركة في الحياة العامة.

 

المشكلة الأصعب، يرى الكثيرون مثلهم، والتي ربما سببت انقراض الكتّاب السياسيين، صعوبة إقناع الحكومة بأن تفعل شيئاً!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى