حين يعتكف رئيس الحكومة عن ممارسة مهامه* سوسن مهنّا
النشرة الدولية –
تدفع عوامل عدة الى الحديث عن تراجع للدور السياسي للطائفة السنية، أهمها غياب رئيس الحكومة سعد الحريري، يتحدث الكثيرون ان الحريري ومنذ كلف رئاسة حكومة “إلى العمل” كانت اولوياته اقتصادية هو الذي قال “إن السياسة لا تطعم خبزاً، بل الاقتصاد هو الأساس”.
يقول مراقب ان هذا الكلام جميل ولكن في بلدِ يتخبط بالطائفية والمحاصصة كلبنان لا يعول عليه، فمن يتعامل معهم الرئيس الحريري جلّهم من صقور السياسة وينتظرون الفرص لينقضوا على حصص بعضهم ليتناتشوها، فكيف برجل اعمال كـ”سعد”.
ويبدو واضحاً لمراقب الشارع السني الاحباط المرافق لأبناء هذه الطائفة، شعور يصل لمرحلة الانكسار، وربما أتى رد النائب نهاد المشنوق على وزير الخارجية جبران باسيل من امام دار الفتوى: “هذا تماد غير مقبول، وهو يخرّب التوازن في البلد، وهو نتيجة سياسة طويلة أوصلتنا إلى هنا. وهذا التمادي لن نقبل بأن يستمر بأي شكل من الأشكال”، ليعبر عما يعتمر من عتب وربما غضب، وفي توجه وانتقاد واضح لمواقف وسكوت الرئيس سعد الحريري.
جبران باسيل الذي كان قد نقل عنه حديث صحافي قال فيه إن: “السنية السياسية أتت على جثة المارونية وسلبت كل حقوقها ومكتسباتها، ونحن نريد استعادتها منهم بشكل كامل”.
استدعت ردود افعال متتالية من تيار المستقبل، يقول الوزير السابق معين المرعبي انها جيدة لكنها غير كافية.
المرعبي، العاتب بشدة على الحكومة وادائها والذي لا يزال ينتظر انعقادها في طرابلس وعكار، يقول: “تاريخياً، لا يوجد سنية سياسية، اذ ان هذه الطائفة كانت الضامن الاساسي للبلد و عروبته، واين مكتسبات الطائفة، بالمعنى “السنية السياسية” في حين ان اكثر المناطق المهمشة في لبنان هي المناطق السنية من طرابلس الى بعلبك و البقاع وصولا الى عكار، حيث لا طرقات لا مدارس لا جامعات لا مستشفيات… ولا زالت أغلب منازلنا من دون ماء وبالكاد نحصل على فتات كهرباء”. كما ان قرار مجلس الوزراء رقم 64 الصادر في أيار 2018 الذي كنا نعول عليه لتحقيق الانماء المتوازن في المناطق المحرومة والذي يتضمن تمويل مشاريع انمائية ضرورية وملحة ولا تحتمل التأجيل كالمعاهد المهنية ومباني الجامعة اللبنانية في العبدة ومحطات تحويل كهربائية وصرف صحي…إلخ في عكار والشمال، لم يتم تنفيذه ولم يحيله الرئيس الحريري الى مجلس النواب لإقرار تمويله وسط تهاون وسكون مطبق من النواب، وهنا لابد من الاشارة الى ان الشمال ليس سنياً فقط، وانا لا اتكلم كسني بل كمواطن لبناني”، يضيف المرعبي.
وللمرعبي عتب وغضب على اداء الرئيس الحريري أيضا، هو الذي ترك لباسيل “التصرف كما يحلو له، ووزير الخارجية يتصرف كرئيس حكومة”، “منذ القمة العربية الاقتصادية حيث دعا حينها جبران باسيل وكان وزير خارجية في حكومة تصريف الأعمال إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، دون الرجوع الى الرئيس الحريري”.
يتابع المرعبي قائلاً: “من غير المعقول أن تأتي التسوية الرئاسية على حساب الدستور واتفاق الطائف”، “يحلو لباسيل التصرف بالبلد وهو المغطى سياسيا حتما من حزب الله، لكن على مستوى وزارته لم نرَ منه أية إنجازات لا على مستوى ترسيم الحدود مع اسرائيل ولا بالنسبة لملف النازحين والعلاقات مع سوريا، ولم يعمل لتطبيق القرار 1701 على كامل الاراضي اللبنانية ونشر قوات اليونيفيل الى جانب الجيش اللبناني على الحدود السورية “.
يشرح مراقبٌ لصورة “الحريري الجديد” انه ربما للحريري حسابات اخرى، يراها ولا يراها مناصروه، فمنذ توليه الدفة السياسية بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري، لم تكن الطريق معبدة بوجهه، واجه خصوماً وأعداءً، في الداخل والخارج، خرج حينا منتصرا وأحيانا كثيرة غير راض عن النتائج واخرى مهزوماً، وخاصة بعد “انفراط” حلفائه من حوله من تكتل 14 آذار.
ربما كان قد اتخذ قراره الأصعب بأن يمشي طريقه وحيداً، وربما اعتقد ان هذا القرار قد يجعل منه في السنوات القادمة الزعيم السني الاوحد، أخطأ حينها، عندما أدار ظهره وشرع بالتسوية الرئاسية، ولكن ما حدث قد حدث، وها نحن نجني قرارات وحسابات لا يتحملها الحريري وحده بل حسابات لكل فريق 14 آذار ولتسويات اقليمية أتت على كل طموحات هذا الفريق فلم يجني هذا الفريق ما حققه من نتائج ومكاسب سياسية لانتخابات 2009 اذ اضطر حينها ان يعود الى طاولة مجلس الوزراء بحكومة وحدة وطنية.
إذاً الحريري الآتي من انتخابات نيابية لم تنصفه، ومن تسوية رئاسية أكلت من رصيده الشعبي، ومن تسويات اقليمية غير قادر على مواجهتها بمفرده، يواجه مشهداً هو على النحو التالي:
البلد مسيطر على سياسته الخارجية من قبل حزب الله، بالأمس عندما أعلن رئيس الحكومة تضامن الدولة اللبنانية مع المملكة العربية السعودية خلال قمة مكة، وقف السيد حسن نصر الله ليقول: “نحن نعتبر موقف الوفد اللبناني الى القمة العربية لا ينسجم مع البيان الوزاري، أين هو النأي بالنفس ايها الوفد الرسمي اللبناني؟ نحن نعتبر هذا الموقف غير مقبول ومرفوض ومدان ولا يعبر عن موقف لبنان بل يعبر عن موقف الاشخاص المشاركين والاحزاب التي يمثلونها”. وبعد، كيف لهذا الكلام ان يمر مرور الكرام على مسامع المواطن اللبناني، بالأمس يُقتل المواطن حسين الحجيري في جرود عرسال حيث كان بصحبة عدد من الأشخاص بهدف الصيد، لم يتحرك مسؤول لبناني ليسأل او يصرح الا رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع وكأن هذا المواطن لا يحمل الجنسية اللبنانية”. يختم المراقب بهذه المشهدية القاتمة.
يقول معين المرعبي انه لم يعد يشعر لا بالغضب ولا بالإحباط بل جل ما يشعر به هو تخاذل الشارع، وهو ينتظر ثورة الحليم ويتوجه الى سعد الحريري والحكومة قائلاً: “اياكم وثورة الحليم”.
ثم، عند كل عمل ارهابي تتوجه الانظار الى البيئات السنية الفقيرة وكأنها وحدها المتهمة، وكأن الدولة ليست المسؤولة عن التجاهل المزمن لهذه البيئة، وكأن الارهاب هو عمل فردي وليس مجموعة عوامل.
يقول المرعبي عن العمل الارهابي الذي هز طرابلس والذي قام به عبد الرحمن مبسوط: “ان مبسوط انضم الى داعش وحوكم، لكن عندما خرج من السجن لم يجد من يحتويه، اين هي مراكز التأهيل التي استقبلته كي يستطيع ان يتأقلم ويعود لممارسة حياته العادية، ككل شاب تائب، مبسوط كمئات الشباب الذين غرر بهم في بيئات فقيرة لم يجدوا باب رزق فانضموا لداعش، لكن اين الدولة من هكذا شباب عائد؟ نجد في الدول العربية مراكز تأهيل وتوعية لاستيعاب مثل هؤلاء الشباب في المجتمع.
يضيف المرعبي: “حقيقة ان من يجب أن يتحمل المسؤولية هي الدولة و الحكومات المعطلة التي سمحت وما تزال لحزب الارهاب الايراني بالتدخل في سوريا و الذي دعا أمينه العام من يريد الى القتال في سوريا، كما حمى الدواعش وإخرجهم من جرود عرسال في باصات مكيفة ولم يسمح للجيش اللبناني البطل لإعلان انتصاره عليهم”.
وفي الملفات القضائية للمحكمة العسكرية يقول انه في الماضي رأينا ما هو الحكم الذي صدر بحق ميشال سماحة في ملف مسجدي السلام والتقوى، واليوم أخلي سبيل سوزان الحاج في ملف زياد عيتاني، الوضع لم يعد يحتمل وعلى رئيس الحكومة الكف عن التنازلات والغياب وإدارة الظهر عن المظالم التي تلحق باللبنانيين ككل و ايقاف سياسة شراء الوقت”.
تقول مرجعية قريبة من 8 آذار ان الحريري قد يكون اختار خطاً سياسياً براغماتياً بعد ان تخلت المملكة العربية السعودية عنه، وقد يكون محق في هذا الشأن، كما ان المملكة لها همومها الخاصة، ولا زالت الحروب مشتعلة على حدودها مع اليمن، كما ان الاعتماد على السياسة الأميركية اثبت فشله الذريع في المنطقة”… تختم المرجعية.
في هذا الشأن يقول المرعبي: المملكة والعرب لم يتخلوا عن لبنان رغم كل شيء، لو أن حزب الله نأى بنفسه ولم يتدخل في شؤون الدول العربية لكانت المساعدات بقيت وازدادت، والكل يعلم انه وبعد حرب تموز 2006 ومن دون دعم المملكة العربية السعودية و الامارات و الكويت و غيرها لما كنا تمكنا اليوم من اعادة اعمار و بناء المنازل و البنى التحتية و لكنا ما زلنا نعاني من ازمة نزوح و لجوء لبنانية”، يختم المرعبي.
قد يكون لا مقدرة للحريري الآن ان يفتح على نفسه جبهات، ولا يملك سوى انتظار ان تمر العاصفة الاقليمية، وقد يكون رئيس الحكومة “الى العمل” سعد الحريري مطالب بأمور كثيرة من شارعه السني العريض، لكن…
هو رئيس حكومة اللبنانيين في المقام الاول، والبلد يواجه عاصفة صلاحيات، وانهيار سياسي بالمعنى الاخلاقي للكلمة، وتداخل في عمل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهو ما ينافي مبادئ الدستور اللبناني من فصل لعملها، فهل نسمع منه؟
نقلا عن السياسة اللبنانية