الديمقراطية.. هل هي الحل؟* نجاة السعيد
النشرة الدولية –
المتتبع للإعلام والتحليلات الغربية عن منطقة الشرق الأوسط، منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلى الآن، يجدها غالباً لا تركز إلا على موضوع الديمقراطية. هذا الموضوع أصبح إلى درجة أن القارئ يعتقد أن الديمقراطية هي الغاية المنشودة الوحيدة في المنطقة. وعلى الرغم من زيف التفاؤل والابتهاج بأحداث ما يسمى بـ«الربيع العربي»، ما زال الإعلام الغربي مستمراً في الهجوم على بعض الأنظمة في المنطقة، وخاصةً في دول الخليج، من دون تسليط الضوء عن أسباب فشل التجارب في بلاد الثورات العربية التي أسقطت أنظمتها.
لقد اتضح أن مفهوم الديمقراطية وحصره فقط في الانتخابات وتغيير الحكومات، من دون تنمية سياسية والنظر إلى الخصوصيات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، يؤدي فقط إلى الفشل بل إلى نتائج كارثية خطيرة، وهذا ما شاهدناه في بلاد الثورات العربية عام 2011. فماذا نتوقع أن تنتج الانتخابات في مجتمع يعاني الفقر والجهل والصراعات الطائفية والعرقية والقبلية وغياب التسامح والتعايش والمواطنة والعدالة وتفشي التمييز ضد المرأة. إن قيام انتخابات في مجتمعات بهذا الشكل سيؤدي فقط إلى مزيد من الصراعات وعدم الاستقرار ووصول جماعات متطرفة للحكم.
فمن اللافت للنظر أن الدول الغربية تشدّد على تطبيق الديمقراطية في الدول العربية، ولكنها لا تذكر أن النظم الليبرالية سبقت النظم الديمقراطية في أوروبا الغربية. فالديمقراطية لم توجد بين يوم وليلة في أوروبا، فقد مرت بعدة مراحل للتنمية السياسية قبل أن تطبق النظام الديمقراطي. ففي بريطانيا، التي لديها أقدم نظام ديمقراطي في العالم، كانت دولة دستورية ليبرالية طوال القرن التاسع عشر، ولم تصبح ديمقراطية بالكامل حتى عام 1930، أما فرنسا فلم تصبح ديمقراطية إلا في عام 1945 أي 150 سنة بعد الثورة الفرنسية. فلماذا تطالب الدول الغربية العرب بتطبيق الديمقراطية فوراً دون المرور بالمرحلة الليبرالية والتنمية السياسية وهم بأمس الحاجة إليها؟
لقد أكد الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، في كتابه: «مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة في القرن الحادي والعشرين»، على أهمية استخدام مفهوم التنمية السياسية وليس الديمقراطية، لأن مفهوم التنمية السياسية أكثر اتساعاً يشمل جوانب متعددة لتحقيق الهدف، وهو التنمية الشاملة. وأهم جوانب التنمية السياسية المطلوبة لتفادي الكوارث التي قد تحدث من تطبيق ديمقراطية غير ناضجة في مجتمعات نامية هي: مأسسة الدولة، المحاسبة والشفافية، الحد من البيروقراطية، تعزيز دور المرأة في المجتمع، العمل على تكريس مفهوم المواطنة، ترسيخ مبدأ التعايش السلمي والتسامح، خاصة التسامح الديني وقبول الآخر، سيادة دولة القانون، تطبيق مبدأ الانتخابات تدريجياً يبدأ بالبرلمان أو المجلس الوطني الاتحادي وتوسيع صلاحياته.
مشكلة الغرب تكمن بفرضه نموذج معين على دول المنطقة التي تختلف عنه ثقافياً، ولها بيئات مختلفة. فهو حتى لا يدعو إلى تطبيق الديمقراطية بالطريقة التدريجية الذي طبقها. فالديمقراطية في الغرب لم تحدث فجأةً بل طبقت على مراحل، لكنه يريدها فورية في الدول العربية، وبالرغم من النتائج الكارثية التي حدثت في العراق وليبيا، وغيرها من الدول العربية إلا أنه مُصِرٌّ على تطبيقها في باقي الدول العربية. فعلى الجميع أن يدرك أن الديمقراطية وسيلة وليست غاية، وإذا كانت الديمقراطية ستؤدي إلى الدمار والفوضى كما حدث في بلاد الثورات العربية، فمن حق دول المنطقة وشعوبها أن ترفضها. فليس من العدل أن يكون مصير هذه الشعوب مرهوناً لجماعات وصولية مثل جماعات الإسلام السياسي التي تطالب بالديمقراطية والانتخابات السريعة لكي تصل للسلطة.
ويتعين على الغرب والمجتمع الدولي أن يتقبل نماذج أخرى من دول ليست بالضرورة أن تكون غربية، خاصةً إذا كانت هذه الدول تنعم بالرخاء والاستقرار والازدهار. فأي نماذج ناجحة يجب دراستها وليس حصرها بمنظومة الانتخابات. لكن الذي يجب عدم قبوله هو الدفاع الذي نراه في الإعلام والدراسات الغربية عن جماعات الإسلام السياسي الوصولية، التي لا تحترم حقوق المرأة ولا حقوق أي من يختلف معها فقط لأنها تطالب بالديمقراطية. فهي تنادي بالديمقراطية ليس حباً فيها، وإنما لتتخذها سلماً للوصول الحكم، وبعد ذلك تقبض على السلطة بيد من حديد، وهذه العينة مجسدة تماماً في النظام الإيراني، وكما شاهدناه أيضاً في نظام الحكم في تركيا.