الكويت قبل النفط كما تخيلها السنعوسي في «أسفاره»
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
في الأسفار الثلاثة ذهب بنا السنعوسي إلى مناخات بعيدة زمنياً عن الحاضر، إلى عام 1920 وبناء السور ومعركة الجهراء، في معالجة روائية لأحداث تاريخية عاصفة، زرع فيها مهاراته الفنية والجمالية، وفوق ذلك قراءته لحياة الناس والمجتمع، بقراءة تخرج عن النص وتتجاوز كثيراً مآلاته وأبعاده.
بعد أن قررت الغوص في عوالمها، وأبحرت في شواطئ مراسيها، ودخلت زحفاً في ثنايا الرمال التي حملتها لي رواية الشاب سعود السنعوسي «أسفار مدينة الطين» وجدت نفسي أسرح بخيالي كلما قرأت حكاية من حكاياه.
أنا لست روائياً ولم أمارس مهنة النقد الأدبي، لكن أتذوق ما أقرأ لأن القراءة كما وضعها أحد الناشرين شعاراً لداره هي «حياة أخرى نعيشها»، ثلاثية الأسفار جاءت بعد 8 سنوات من المخاض، وبولادة اكتمل عقدها أطلّت علينا بوجوه ثلاثة «سفر التّبه وسفر العنقوز وسفر العباءة» وهي نتاج متجدد للروائي بعد «فئران أمي حصة» الصادرة عام 2015.
في الأسفار الثلاثة ذهب بنا إلى مناخات بعيدة زمنياً عن الحاضر، إلى عام 1920 وبناء السور ومعركة الجهراء في معالجة روائية لأحداث تاريخية عاصفة، زرع فيها السنعوسي مهاراته الفنية والجمالية، وفوق ذلك قراءته لحياة الناس والمجتمع، بقراءة تخرج عن النص وتتجاوز كثيراً مآلاته وأبعاده.
لم ينحز للبحر أو الديرة بل كانت صورة الكويت بكل مكوناتها وأطيافها وممنوعاتها وصولاً إلى البادية، قالوا عنها إنها تخطت الرواية التاريخية وأدخلوها في عالم الكبار والملاحم الأسطورية، فمزج التاريخ بالأمكنة وراح يستحضر جغرافيا نزعت عن صدرها الحدود والفواصل، ونقلنا إلى حيث يهوى ويرى، وكما أفصحت الكاتبة نجوى بركات بأن خلّف لنا سعود «عالم لا تريد الخروج منه».
فتح سجلاً لكتابة الرواية التاريخية، كان أول الحاضرين والداخلين إليه، فالكويت كما يقول العارفون لم تكتب روائيا بعد، كيف هي الكويت قبل النفط، تلك حكاية الأسفار الثلاثة أو بالأحرى الجزأين الأول والثاني، عنده جرأة على تناول شخصيات «منبوذة» كانت في المجتمع، لكنه استدعاها وجعلها تنطق وتتكلم بل أعطاها الفرصة كي تدافع عن نفسها وسط تعتيم شامل كاد أن يمحو ذاك الصوت، سرح في الخيال دون أن تردعه حدود، فتح السقف عالياً وراح يبني مشاهد متدفقة تلامس تخيلات أسقطها في يومياته.
تجد سعود السنعوسي في زوايا حكايات قصها علينا من منظوره الذي تمناه، ومن قرأ الرواية سيجد «مجتمعاً منفتحا» يتقبل الآخر سيجد الشخصية اليهودية والأرمنية والإفريقية وفي ذلك محاكاة للواقع الذي كان سائداً، الناس كما يقول الراوي، كانت تسعى وراء رزقها، والكويت ميناء بحري مفتوح على مدن ساحلية، فلا عجب أن تجد «الوافدين» لهم حصة وموقع.
كم كان رائعاً بتصوير شخصية سليمان، ذلك المأزوم بصمته والمهموم بسمعته وصورته في مجتمعه خاصة عندما يُسأل: ما بال هذه الديرة النمّامة؟
***
تعميماً للفائدة ولمن يقرأ:
«سفر العباءة»، له رمزية كبيرة (وجدوا عباءة في البحر بنيت عليها أسطورة العباءة).
«سفر التبّة» هي الغطسة الأولى، لكل غواص من 7-10 تبّات.
«سفر العنقوز»، سمكة كحلية، ألوانها تظهر في البحر عندما تخرج يصير لونها كئيباً.