ورقة إيرانية إلى ترمب في مقابل ورقة بايدن إلى لبنان!
بقلم: طوني فرنسيس
النشرة الدولية –
قبل 36 عاماً، في الـ15 من نوفمبر (تشرين الأول) 1988، أعلن المجلس الوطني الفلسطيني في دورته المنعقدة بالجزائر وثيقة استقلال دولة فلسطين التي صاغها الشاعر محمود درويش. وفي مثل هذا الشهر قبل 81 عاماً نال لبنان استقلاله عن الانتداب الفرنسي. اليوم بعد كل تلك العقود من السنين يجد لبنان نفسه مهدداً كدولة وأرض فيما يتراجع حلم الاستقلال الفلسطيني سنوات ضوئية إلى الوراء.
عندما حصل لبنان على استقلاله، كان العالم العربي في مجمله، عدا السعودية واليمن الشمالي، خاضعاً للسيطرة الاستعمارية. تتقاسمه فرنسا وبريطانيا في المشرق وتنفرد فرنسا بالسيطرة على بلدان المغرب العربي. كان ذلك الاستقلال إنجازاً تاريخياً يقتضي من أبنائه حفظه وتطويره في بلد سيد مزدهر ومؤسسات دستورية محترمة.
لكن الرياح لم تجْرِ بما تشتهي السفن. خلافات الداخل حول السلطة والحصص التقت مع مطامح ومصالح الخارج. وتحول لبنان إلى ساحة حرب من أجل فلسطين المفقودة. عاش فيه الفلسطينيون واقتسموا سلطاته، وعندما اجتاحت إسرائيل موطنهم الثاني ذهبوا بعيداً إلى المنفى المغاربي ليعلنوا منه، وهم المبعدون من لبنان، حلمهم في الاستقلال الفلسطيني.
لم يتمكن الفلسطينيون بسبب المشروع الصهيوني من إنشاء دولتهم الضائعة، فعمدوا وهم على بعد آلاف الأميال منها إلى صياغتها في وثيقة، أما أشقاؤهم في لبنان الذين ورثوا دولة كاملة المواصفات فقد ذهب بعضهم إلى السعي الدؤوب لفكفكتها وتضييعها، والتقى الاثنان في النهاية على سلوك الدرب نفسه: الحلم الفلسطيني الذي بدأ يتبلور مطلع التسعينيات من القرن الماضي جرى نسفه في انشقاق فلسطيني قادته حركة “حماس” في غزة، ولا تزال، والاستقلال اللبناني يكاد بدوره يضمحل تحت ضغط ميليشيات الحروب المفتوحة.
هناك على أرض فلسطين مشروع دولة يُوأد بأيدي بعض أصحابه المفترضين، وهنا في لبنان دولة قائمة تُهدم على يد بعض آخر. في المكانين، عدو تاريخي لا يحتاج إلى توصيف، يعتاش على ما تبثه إيران الخمينية كراعية للانقسام والتقسيم المذهبي والانقضاض على مشروع الدولة والاستقلال في كل المشرق العربي.
بعد سنة من الحرب الإسرائيلية على غزة لا نتائج يُعتد بها غير الدمار والموت والاحتلال في القطاع. النتائج نفسها تظهر في لبنان نتيجة لحرب إسناد ومشاغلة قرر “حزب الله” خوضها استجابة لقرار “وحدة الساحات” الإيراني، انتهت إلى ضياع غزة وتدمير لبنان .
اختفى الحديث عن صفقة في غزة بعد أكثر من سنة من التفاوض حولها ليتقدم حديث آخر عن تسوية في لبنان قوامها ورقة أميركية – إسرائيلية لوقف النار. لكن لا شيء تغير في الواقع. القتال والقتل يستمران في فلسطين ولبنان وفي مقابل “الأوراق” الأميركية تطرح إيران ورقتها مباشرة على الإدارة الأميركية الجديدة: تعالوا لنصرف المليارات على التنمية وخذوا وقفاً للنار في غزة وتنفيذاً كاملاً، نعم “كاملاً” للقرار 1701!
حتى ذلك الحين، سترفض “حماس” كل المشاريع التي تمس بوجودها في القطاع وتتمسك بانسحاب إسرائيلي كامل. “حزب الله” يعيش وضعاً شبيهاً، لا يمكنه بعد كل هذه السنوات من التسلح والإعداد، القبول بتنفيذ القرار الدولي 1701 الذي ينص على منع أي سلاح خارج سلطة الدولة، ومن ثم تخليه عن أساسيات تبرير وجوده. وإسرائيل التي تدعي أن بقاء الحزب المسلح سيعني تهديداً مستمراً لأمنها، تعلن أنها لن تقبل بأقل من إبعاد السلاح والمسلحين عن حدودها .
ونتيجة هذا الانسداد يتصاعد القتال والدمار. الدولة العبرية التي وجهت ضربات قاسية إلى “حزب الله” جسماً وقيادة، تواصل هجماتها البرية والجوية التي دمرت عشرات القرى الحدودية وقضت على معالم الحياة في مدن الجنوب والبقاع وضواحي بيروت، وأوقعت نحو 3500 قتيل من اللبنانيين خلال أقل من شهرين. وفي المقابل يواصل “حزب الله” إرسال الصواريخ والمسيرات إلى المواقع الإسرائيلية ويخوض مقاتلوه معارك قاسية ضد القوات المتوغلة في ركام القرى الجنوبية.