السفاح نتنياهو فى سجن حريته ووهم هتلر الألفية الثالثة
بقلم: حسين دعسة

النشرة الدولية –

الدستور المصرية –

إذ كانت النتيجة من المحكمة الجنائية الدولية وضع محددات قانونية دولية، تقر أمام العالم بأن السفاح نتنياهو؛ بات فى سجن حريته، يخطط لنهاية وهم هتلر الألفية الثالثة، فهنا تصح النظرة التالية، إذ على المجتمع الدولى والأمم المتحدة ومجلس الأمن، ضرورة الوقوف أمام الدول التى شاركت جيش السفاح فى الحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة ورفح والضفة الغربية والقدس، كما هى الحرب المفتوحة الشاملة على لبنان، الجنوب ووسط بيروت والبقاع والخيام، وهى ذات الحرب التى وصلت الحدود السورية فى منطقة المصنع وأطراف هضبة الجولان السورية المحتلة.

 

«الرئيس الكارثة»، السفاح نتنياهو؛ هى الصفة التى أطلقت عليه منذ بداية رئاسته الحكومة الإسرائيلية عام 1996 إلى يوم صدور قرارات المحكمة الجنائية الدولية.

*

فى النظرة السياسية والأمنية، السفاح الكارثة يعيث فسادًا وإبادة جماعية بحق الشعب الفلسطينى واللبنانى، يقود جيش الكابنيت الصهيونى، تدعمه بشكل مباشر ومعلن الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الاستعمارية، وتقف أمامه فى داخل دولة الاحتلال الإسرائيلى العنصرية، الملفات القضائية المثارة فى المحاكم الإسرائيلية بتهم الفساد والرشوة وخيانة الأمانة داخل الحكومة والمؤسسات الصهيونية، ولكنه أصبح يحمل صفة «مجرم دولى»، كأحد أبرز المطلوبين عالميًا على لائحة المحكمة الجنائية الدولية.

هل سينجح المجتمع الدولى مع المحكمة فى القبض عليه، أم سيبقى ملاحقًا دوليًا، سجين حرية الوهم، هتلر الألفية الثالثة، وكيف سيكون «خارج إسرائيل/ داخل الكيان» والمحاكم الإسرائيلية داخليًا، تقف عاجزة عن ملاحقته جنائيًا؟.

أما خارجيًا دوليًا، فهو «رهين المحبسين»، وبالتالى، ينتظر سقوطه سياسيًا وأمنيًا، أى أن إمكانية القبض عليه ووضعه خلف القضبان، بات ليس مستحيلًا.

.. والواضح، أن الداخل الإسرائيلى، رسميًا وأمنيًا، رفض الولاية القضائية للمحكمة التى مقرها لاهاى، وأنكر ارتكاب جرائم حرب فى غزة.

 

 

*كريم خان المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية.

 

فى التقارير وعن طبيعة الحدث دوليًا، فقد حث المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية «كريم خان» ، فى بيان  الخميس 21/11، الدول الأعضاء وغير الأعضاء فى المحكمة على التعاون بشأن مذكرات الاعتقال الصادرة بحق زعيمين إسرائيليين وقيادى فى حماس.

 

مذكرات الاعتقال بحق  السفاح نتنياهو، ووزير الدفاع السابق المتطرف يوآف جالانت، والقيادى فى حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس محمد الضيف، دخلت حيز الرؤية والتنفيذ، ذلك أن المحكمة الجنائية الدولية قالت: إنّ هناك «أسبابًا منطقية للاعتقاد بأنّ نتنياهو وجالانت ارتكبا جرائم»، معتبرةً أنّ «قبول إسرائيل باختصاص المحكمة غير ضرورى»، وعليه: أوامر الاعتقال ضد نتنياهو وجالانت «تنصف الضحايا فى غزة وعائلاتهم».

 

بيان المحكمة القانونى حدد أن: «ثمة أسباب منطقية تدعو للاعتقاد بأنّ نتنياهو وجالانت أشرفا على هجمات ضد المدنيين»، وأنّ «جرائم الحرب المزعومة تشمل القتل والاضطهاد وغيرها من الأفعال غير الإنسانية».

 

*قرار المحكمة الجنائية الدولية لم يكن نتاج أيديولوجية سياسية أو فكرية ضد إسرائيل.

 

 

إنّ قرار المحكمة الجنائية الدولية لم يكن نتاج أيديولوجية سياسية أو فكرية، أو ضد دولة الاحتلال الإسرائيلى الصهيونى، ولا يمكن اعتباره «معاد للسامية»، كما صرح بذلك السفاح الذى  قال إنه: لن يتراجع حتى تحقيق أهداف الحرب.

 

.. ويبدو أن رد الفعل الإسرائيلى، كما أعلن عنه مكتب السفاح، يقوم على الرفض، وهذا لا يؤخر من قوة مذكرات الاعتقال الدولية، وأن رفض الكيان الصهيونى ليس له أى قيمة، فقد قال السفاح عبر مكتبه: «نرفض بشكل قاطع (أكاذيب) الجنائية الدولية، كما ترفض إسرائيل باشمئزاز الإجراءات والاتهامات السخيفة والكاذبة الموجهة إليها من الجنائية الدولية»، مضيفًا: «لن نستسلم لضغوط الجنائية الدولية».

أما وزير الحرب السابق جالانت فاعتبر أن قرار المحكمة «سابقة خطيرة».

وفى تسابق للإدانة، كانت تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلى، جدعون ساعر، أنّ: المحكمة الجنائية فقدت «كل الشرعية». وهو ما كتبه عبر منصة «إكسX»: «هذه لحظة سوداء للمحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى، فقدت فيها كل شرعية لوجودها ونشاطها. وإنّها أداة سياسية فى خدمة العناصر الأكثر تطرّفًا التى تعمل على تقويض السلام والأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط».

 

الرئيس الإسرائيلى، فى حكومة اليمين المتطرف التوراتية، إسحاق هرتسوغ قال: «هذا يوم أسود للعدالة، هذا يوم أسود للإنسانية»!.

وزير الأمن القومى التوراتى المتطرف، إيتمار بن غفير، فقد حدد بأن الرد على هذا القرار؛ بفرض الاستيطان والسيادة الإسرائيلية على «يهودا والسامرة» أى الضفة الغربية المحتلة.

كتب أحد كتاب الأعمدة فى صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن: مذكرات الاعتقال تمثل «أدنى نقطة على الإطلاق لإسرائيل فى معركتها من أجل الشرعية الدولية والدعم»، بحجة أن نتنياهو قد يتغلب على العواقب من خلال تجنيد إدارة دونالد ترامب «لإعلان الحرب الشاملة» على المحكمة الجنائية الدولية. وبالفعل، اقترح أحد كبار مستشارى ترامب أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات على مسئولى المحكمة الجنائية الدولية المتورطين.

 

 

* الرئيس بايدن.. ومجلس الأمن القومى الأمريكى يرفض!

 

لم يجد الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته جو بادين، إلا انتقاد المدعى العام للمحكمة الدولية الجنائية كريم خان. وأعرب عن دعمه حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها ضد حماس.

 

ونسى بايدن أن الولايات المتحدة الأمريكية رحبّت، على هامش الحرب الروسية الأوكرانية، بمذكرات جرائم الحرب الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين.

 

مجلس الأمن القومى الأمريكى رفض قرارات مذكرات الاعتقال، وأكد أنّ: «الولايات المتحدة ترفض بشكل قاطع قرار المحكمة (الجنائية الدولية) إصدار مذكرتى توقيف بحقّ رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع الأسبق يوآف جالانت».

.. ولفت: «ما زلنا نشعر بقلق عميق إزاء حرص المدعى العام على طلب مذكرات توقيف، والأخطاء المقلقة فى العملية التى أدت إلى هذا القرار»، كما أنّ الولايات المتحدة ترى أنّ «المحكمة الجنائية الدولية لا تتمتع بولاية قضائية فى هذه القضية».

 

 

*السلطة الفلسطينية وحركة «حماس».

 

.. وفى تزامن، أفادت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية الرسمية «وفا» بأن السلطة الفلسطينية أصدرت بيانًا رحبت فيه بقرار المحكمة الجنائية الدولية.

 

وطالبت السلطة جميع الدول الأعضاء فى المحكمة الجنائية الدولية وفى الأمم المتحدة بتنفيذ قرار المحكمة، بحسب الوكالة.

 

ووصفت السلطة الفلسطينية القرار بأنه «يعيد الأمل والثقة فى القانون الدولى ومؤسساته».

 

من طرفها، رحّبت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية «حماس»، أمس الأول الخميس، بأمرَى الاعتقال فى حقّ نتنياهو وجالانت، داعيةً، فى بيان: «محكمة الجنايات الدولية إلى توسيع دائرة استهدافها بالمحاسبة لكل قادة الاحتلال».. دون الإشارة إلى مذكرة اعتقال القيادى فى حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس محمد الضيف، الذى فى حالة غياب منذ ادعت دولة الاحتلال الإسرائيلى اغتياله قبل أشهر.

 

إذ أعلنت دولة الاحتلال الإسرائيلى أنها قتلت «الضيف» فى ضربة جوية، لكن حركة حماس، لم تؤكد أو تنف ذلك.

الادعاء فى المحكمة الجنائية الدولية لفت إلى أنه سيواصل جمع المعلومات فيما يتعلق بوفاته المزعومة.

«حماس»، فى بيان، طالبت بالعدالة والإنصاف:

«إن هذه الخطوة التى حاولت الإدارة الأمريكية المتواطئة مع جرائم الحرب الصهيونية تعطيلها لأشهر، ومحاولة ثنيها عن أداء واجبها فى محاسبة الاحتلال على جرائمه المتواصلة فى قطاع غزة، تشكل سابقة تاريخية مهمة، وتصحيحًا لمسار طويل من الظلم التاريخى لشعبنا، وحالة التغاضى المريب عن انتهاكات بشعة يتعرض لها طيلة ستة وسبعين عامًا من الاحتلال الفاشى».

 

 

* نظرة فى حيثيات إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وجالانت والضيف.

 

 

عمليًا: كان أصدر قضاة فى المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق السفاح نتنياهو، ووزير الدفاع السابق المتطرف يوآف جالانت، والقيادى فى حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس، إبراهيم المصرى، المعروف باسم محمد الضيف، عن اتهامات بالضلوع فى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

.. تؤشر بيانات المحكمة الجنائية الدولية التى أعلنت فيها أوامر الاعتقال، إلى حيثيات مهمة، تنشرها «الدستور» وفق مصادرها:

 

 

 

 

*أولًا: رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو، ورئيس الدفاع السابق جالانت.

 

1-:

«وجدت المحكمة أسبابًا وجيهة للاعتقاد بأن السيد نتنياهو… والسيد جالانت… يتحمل كل واحد منهما المسئولية الجنائية عن الجرائم التالية باعتبارهما ضالعين بالاشتراك مع آخرين فى ارتكاب: جريمة الحرب المتمثلة فى التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، وجرائم ضد الإنسانية متمثلة فى القتل والاضطهاد وغيرها من الأعمال غير الإنسانية».

 

2-:

«وجدت المحكمة أيضًا أسبابًا وجيهة للاعتقاد بأن السيد نتنياهو والسيد جالانت يتحملان المسئولية الجنائية باعتبارهما رئيسين مدنيين عن جريمة الحرب المتمثلة فى إدارة هجوم متعمد ضد السكان المدنيين».

 

3-:

«وجدت المحكمة أن السلوك المزعوم للسيد نتنياهو والسيد جالانت يتعلق بأنشطة الهيئات الحكومية الإسرائيلية والقوات المسلحة ضد السكان المدنيين فى فلسطين، وتحديدًا المدنيين فى غزة».

 

4-:

«الجرائم المزعومة ضد الإنسانية كانت جزءًا من هجوم واسع النطاق ومنهجى ضد السكان المدنيين فى غزة».

 

5-:

«هناك أسباب وجيهة للاعتقاد بأن كلا الشخصين حرم، عن عمد وعن علم، السكان المدنيين فى غزة مما لا غنى عنه لبقائهم على قيد الحياة، مثل الغذاء والماء والعقاقير والإمدادات الطبية، فضلًا عن الوقود والكهرباء، فى الفترة من الثامن من أكتوبر 2023 إلى 20 مايو 2024 على الأقل».

 

6-:

هناك «أسباب وجيهة للاعتقاد بأن السيد نتنياهو، والسيد جالانت، يتحملان المسئولية الجنائية عن جريمة الحرب المتمثلة فى التجويع كأسلوب من أساليب الحرب».

 

7-:

«بالتقييد أو المنع المتعمد لوصول الإمدادات الطبية والعقاقير إلى غزة… يصبح الشخصان مسئولين أيضًا عن التسبب فى معاناة كبيرة للمحتاجين للعلاج عبر أفعال غير إنسانية».

 

8-:

هناك «أسباب وجيهة للاعتقاد بأن سلوكهما حرم جزءًا كبيرًا من السكان المدنيين فى غزة من حقوقهم الأساسية، ومنها الحق فى الحياة والصحة، وأن السكان استُهدفوا على أساس سياسى أو وطنى أو كليهما».

 

*ثانيًا: زعيم «حماس» القيادى محمد الضيف.

 

1-:

أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية «مذكرة اعتقال بحق السيد محمد دياب إبراهيم المصرى، المعروف باسم (الضيف)، لاتهامه بالضلوع فى جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب مزعومة على أراضى دولة إسرائيل ودولة فلسطين منذ السابع من أكتوبر 2023 على الأقل».

 

2-:

«وجدت المحكمة أسبابًا وجيهة للاعتقاد بأن (الضيف)، القائد الأعلى للجناح العسكرى لحماس (كتائب القسام) فى وقت ارتكاب السلوك المزعوم، مسئول عن جرائم ضد الإنسانية تتمثل فى القتل والإبادة والتعذيب والاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسى، فضلًا عن جرائم حرب تتمثل فى القتل والمعاملة القاسية والتعذيب واحتجاز الرهائن والاعتداء على الكرامة الشخصية والاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسى».

 

3-:

هناك «أسباب وجيهة للاعتقاد بأنه فى يوم السابع من أكتوبر 2023، بعد وقت قصير من تسبب إطلاق عدد كبير من الصواريخ فى إطلاق إنذار (تسيفا أدوم) فى عدد من البلدات فى إسرائيل فى الفترة من 0620 إلى 0630 صباحًا (بالتوقيت المحلى)، دخل رجال مسلحون هذه البلدات، وأيضًا إلى موقع مهرجان سوبر نوفا، وهو حدث موسيقى حضره بضعة آلاف… نفذ أعضاء حماس، ولا سيما مقاتلى كتائب القسام، عمليات قتل جماعى داخل أو حول، أو داخل وحول، بلدات كفار عزة وهوليت ونير عوز وبئيرى وناحال عوز، وكذلك فى مهرجان سوبر نوفا… وتشكل عمليات القتل هذه جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب تتمثل فى القتل».

 

4-:

«فى ضوء عمليات القتل المنسقة لمدنيين فى بضعة مواقع منفصلة، وجدت المحكمة أيضًا أن هذا السلوك وقع كجزء من عملية قتل جماعى لأعضاء من السكان المدنيين، ومن ثم خلصت إلى وجود أسباب وجيهة للاعتقاد بأن الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة فى الإبادة قد ارتُكبت».

 

5-:

«احتجاز الرهائن ضمن عملية السابع من أكتوبر استهدف التفاوض على إطلاق سراحهم مقابل إطلاق سراح سجناء فلسطينيين محتجزين فى إسرائيل».

 

6-:

«أثناء احتجازهم فى غزة، تعرض بعض الرهائن، معظمهم من النساء، للعنف الجنسى والعنف القائم على النوع الاجتماعى، بما فى ذلك الجماع القسرى، والتعرى القسرى، والمعاملة المهينة والمذلة. وبناء على المواد المقدمة، وجدت المحكمة أسبابًا وجيهة للاعتقاد بأن جرائم تعذيب ارتكبت كجريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب، وأن الاغتصاب وأشكال العنف الجنسى الأخرى ارتُكبت كجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وأن المعاملة القاسية ارتكبت كجريمة حرب، والاعتداء على الكرامة الشخصية ارتكبت كجريمة حرب».

 

*حرب إبادة ومجازر وتجويع وتهجير.

 

 

خلال عام وأكثر ارتكبت قوات الجيش الإسرائيلى «الكابنيت»، ما يزيد على 3 آلاف و838 مجزرة بحق العائلات الفلسطينية، منذ بداية الحرب على غزة، بحسب بيان للمكتب الإعلامى الحكومى فى غزة.

 

وتشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، حربًا على غزة خلفت أكثر من 148 ألف شهيد وجريح فلسطينى، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، فى إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.

.. فى مقابل ذلك تزامنًا مع مذكرات الاعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، تابعت الأنشطة الإسرائيلية الفرنسية الأصل «يائيل ليرر» جمع 3600 توقيع لوقف الحرب فى غزة.

.. وبحسب ومنصة إسرائيلية أكدت أن يائيل ليرر جمعت 3600 توقيع لوقف الحرب فى غزة «على الفور»، وأطلقت نداء يدعو المجتمع الدولى لاعتماد وتنفيذ إجراءات انتقامية فى كل المجالات من أجل هذا الهدف.

النداء الذى وقّعه حتى الآن آلاف الإسرائيليين، والذى نشرته صحيفتا غارديان وليبراسيون، يدعو من خلاله الإسرائيليون إلى «ممارسة ضغوط دولية حقيقية على إسرائيل من أجل وقف فورى ودائم لإطلاق النار»، ويقولون للعالم: «نحن نناشدك: أنقذنا من أنفسنا».

يأتى هذا الطلب غير المسبوق لمشاركة المجتمع الدولى، كالأمم المتحدة ومؤسساتها والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وجامعة الدول العربية، فضلًا عن كل دول العالم، ليوضح مدى الإلحاح الذى يشعر به الموقعون، ويشير إلى أن العقوبات ضرورية، وهى الطريقة الوحيدة لوقف الاندفاع المجنون لإسرائيل نحو العنف.

 

ولم تنفع الوساطات كما يقول الموقع، فجمدت قطر وساطتها، ولم تُجدِ القرارات الدولية، فبقى القرار الذى صوّت عليه مجلس الأمن فى يونيو 2024، نائمًا إلى جانب القرارات التى لم يتم تنفيذها قط، ولم تحرك قرارات محكمة العدل الدولية فى يناير ومايو، الحكومة الإسرائيلية ولا الدول التى تدعمها.

 

بحسب تصريحات الناشطة ليرر فإنها ذهبت فى يوليو إلى إسرائيل، «بلدها الذى لم تقطع علاقاتها به قط»، فوجدت أن المجتمع الإسرائيلى يعيش انجرافًا خطيرًا للغاية، وأن الغالبية العظمى ليس لديها وعى واضح بما «نفعله، نحن الإسرائيليين، فى غزة. إنهم لا يفهمون جانب الإبادة الجماعية لما نقوم به».

 

 

 

وأشار الموقع إلى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية لا تعرض سوى بعض الآثار فى بعض الأحيان، مثل أن الجيش يقتل مسئولين من حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، مؤكدة أن انجراف المجتمع الإسرائيلى قوى للغاية، لدرجة أنه لا يمكن لأى تغيير أن يأتى من الداخل.

 

وتقول ليرر إنّ هناك حاجة إلى عمل خارجى، فمنذ أكثر من عام، «تنشر وسائل التواصل الاجتماعى كل يوم مقتل عشرات الأشخاص فى قطاع غزة وفى لبنان، وبين الجنود الإسرائيليين أيضًا. والأمر الملح هو وقف هذا الآن، لكن الإسرائيليين المعارضين للحرب، مثل الموقعين على هذا النداء، يشكلون أقلية ضئيلة. ونحن يائسون. نحن بحاجة إلى مَن ينقذنا من أنفسنا».

 

وأكدت أن هذه هى المرة الأولى التى تتجاوز فيها الدعوة لفرض العقوبات أقصى اليسار، حيث وقّع على المذكرة أساتذة فخريون وسفير سابق ومُدع عام سابق، وبعض أقارب المحتجزين وأقارب الأشخاص الذين قتلوا فى السابع من أكتوبر.

 

 

 

 

وذكّرت أن إسرائيل ليست مثل روسيا، ولا تستطيع شن حرب بمفردها، فهى تحتاج إلى دول أخرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، فواشنطن تزودها بالسلاح لأنها لا تنتج طائرات مقاتلة ولا صواريخ، وأوروبا تجعلها أكبر شريك تجارى لتستفيد من المزايا نفسها التى تستفيد منها أى دولة أوروبية تقريبًا، وبالتالى «فنحن بحاجة إلى حظر الأسلحة».

 

*قادة وشخصيات مجرمة فى مواجهة «الجنائية الدولية».. أوامر باعتقالهم.

 

 

 

المحكمة الدولية أعلنت، فى بيان رسمى، أنها رفضت الاعتراضات التى قدمتها إسرائيل، المتعلقة بعدم وجود صلاحيات للمحكمة للنظر فى الأحداث الجارية فى قطاع غزة والضفة الغربية، ومطالبتها بوقف كل التتبعات بحق المسئولين الإسرائيليين، والمستندة على الفصلين 18 و19 من إعلان روما.

فى السياق الأممى، أن قبول إسرائيل بشرعية المحكمة ليس ضروريًا لتواصل هذه الأخيرة عملها، وأن قضاتها توصلوا إلى نتيجة «تفيد بوجد أرضية معقولة للاعتقاد أن كلا من نتنياهو وجالانت، مسئولان عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ومهاجمة السكان المدنيين، بين الثامن من أكتوبر 2023، والعشرين من مايو2024».

 

.. هنا من أرشيف المحكمة الجنائية الدولية، قادة وشخصيات مجرمة فى مواجهة أوامر باعتقالهم.

 

*الرئيس الروسى فلاديمير بوتين.

 

إصدار مذكرات بحق الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، ووزير الدفاع آنذاك، سيرجى شويجو، إلى جانب عدد من المسئولين فى روسيا، بداية مارس 2023.

 

 

المذكرة طالبت باعتقال بوتين وشويجو بتهمة جرائم حرب فى أوكرانيا، وكذلك دورهما فى إصدار التعليمات بتنفيذ «الترحيل غير القانونى للأطفال فى أوكرانيا».

 

وكانت تلك المرة الأولى التى تصدر فيها المحكمة الدولية مذكرة بحق مسئول بارز فى دولة تتمتع بالعضوية الدائمة فى مجلس الأمن الدولى التابع لمنظمة الأمم المتحدة.

 

*الرئيس السودانى عمر البشير.

 

أصدرت المحكمة مذكرتى اعتقال بحق الرئيس السودانى السابق، عمر حسن البشير، عامى 2009 و2010 طبقًا لتهم بالمسئولية وراء جرائم الإبادة الجماعية وجرائم حرب فى إقليم دارفور، بالإضافة إلى جرائم ضد الإنسانية.

 

البشير رفض الاعتراف بمذكرات الاعتقال، وتحدى المحكمة، عبر السفر إلى عدد من الدول الإفريقية، التى تجنبت اعتقاله أو تسليمه.

 

 

ولم يكن توجيه الاتهام وإصدار مذكرتى الاعتقال بحق البشير معزولًا، بل تم توجيه تهم مماثلة لعدد من المسئولين البارزين فى نظامه.

 

*الرئيس الليبى معمر القذافى.

 

واجه الزعيم الليبى، معمر القذافى، مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية فى يونيو عام 2011، صحبة ابنه، سيف الإسلام، وعدد من المسئولين فى نظامه، على رأسهم، عبدالله السنوسى، مدير المخابرات.

 

ومن اللافت أن المحكمة وجهت تلك التهم إلى كبار المسئولين فى نظام القذافى، رغم أن ليبيا ليست عضوًا فى الجنائية الدولية ولم تصادق على تأسيسها، مثلما هو الحال بالنسبة لإسرائيل، التى أصدرت المحكمة مذكرات اعتقال بحق رئيس وزرائها ووزير الدفاع السابق.

 

*رئيس ساحل العاج لوران جباجبو.

 

واجه رئيس ساحل العاج السابق، لوران جباجبو، مذكرة اعتقال من الجنائية الدولية، عقب الأحداث الدامية التى شهدتها بلاده، والقتال العنيف بين أنصاره من جهة، وأنصار زعيم المعارضة آنذاك، الحسن واتارا، عقب الجدل حول نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2010، والذى انتهى بتنحيته بالقوة فى العام الموالى.

 

 

 

وبعد محاكمة طويلة، استمرت إجراءاتها لنحو 10 سنوات، وتضمنت حضور 82 شاهدًا، حصل لوران جباجبو، ومساعده بلى جودى، أخيرًا، على البراءة من التهم الموجهة إليهما، ووقف كل التتبعات بحقهما عام 2019.

 

*الرئيس الكينى ويليام روتو.

 

أما الزعيم الإفريقى الآخر الذى واجه مذكرات الاعتقال للجنائية الدولية، فهو الرئيس الكينى الحالى، ويليام روتو، الذى واجه تهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، عقب أحداث العنف، التى اندلعت عقب الانتخابات عام 2007.

 

روتو حصل على البراءة عام 2016، عندما كان يشغل منصب نائب رئيس كينيا، ثم تم انتخابه رئيسًا عام 2022.

 

يذكر أن المحكمة الجنائية الدولية تأسست عام 2002، كتتويج لمجهود طويل يهدف لتأسيس نظام قضائى دولى فعال، يضمن تطبيق القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى، ومعاقبة الأفراد أو الكيانات التى تنتهك حقوق الإنسان وقانون الحرب واتفاقيات جنيف الأربعة الخاصة بمعاملة الأطراف المتحاربة للمدنيين أو العسكريين أثناء الحرب.

 

 

 

وبدأت تلك الجهود منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، مع تركيز «لجنة الخبراء لتحديد المسئوليات»، التى نظرت فى الأسباب التى أدت إلى الحرب، وكان من مهامها اقتراح أسماء مسئولين من ألمانيا والنمسا، لمحاكمتهم من أجل جرائم حرب، وأبرزهم آخر إمبراطور لألمانيا، فيلهلم الثانى، الذى لجأ إلى هولاندا.

 

لكن التطور البارز حدث عقب الحرب العالمية الثانية، مع إحداث محكمة نورمبرج، لمقاضاة قادة ألمانيا النازية، والمحكمة العسكرية الدولية للشرق الأقصى، لمحاكمة العسكريين اليابانيين عن الجرائم التى اقترفوها منذ غزوهم الصين بداية الثلاثينات.

 

وبعد انتهاء الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفياتى، الذى ترافق مع تغييرات سياسية جذرية فى أوروبا، اتخذ بعضها طابعًا عنيفًا، أصدر مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة، القرار 808، فى مايو 1993، الذى أحدث بموجبه المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، من أجل محاكمة المسئولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

 

 

وجهت محكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، اتهامات لأفراد من كرواتيا والبوسنة والهرسك وصربيا. ويعتبر سلوبودام ميلوزوفيتش أعلى مسئول تم تقديمه للمحاكمة أمامها، لكن وفاته أثناء التحقيقات والمداولات القضائية منعت إصدار أى حكم بحقه، وليتم أخيرًا حلها فى ديسمبر 2017.

 

وفى عام 1994، أصدر مجلس الأمن الدولى القرار 955، الذى أحدث بموجبه محكمة الجنايات الدولية لرواندا، والتى نقل مقرها إلى مدينة آروشا، بتنزانيا. وقامت المحكمة بإجراء تحقيقات وإصدار أوامر اعتقال بحق المسئولين عن الإبادة الجماعية خلال الحرب الأهلية بين قوميتى الهوتو والتوتسى، فى رواندا.

 

استمرت جهود تطوير القضاء الدولى، داخل أروقة الأمم المتحدة، وبدأت فى نيويورك عام 1996 سلسلة الاجتماعات التحضيرية، التى عقدتها مجموعة من جمعيات المجتمع المدنى الدولية، تحت شعار «التحالف من أجل المحكمة الجنائية الدولية»، وتبنت بعض الدول الفكرة.

 

 

 

وبعد مفاوضات مضنية، تم التوصل لما عرف باسم «إعلان روما للمحكمة الجنائية الدولية»، الذى وقعت عليه 120 دولة، مع امتناع 21 دولة عن التصويت، واعتراض 7 دول، 4 منها عربية، وهى العراق وقطر واليمن وليبيا، بالإضافة إلى إسرائيل والصين والولايات المتحدة.

 

وبذلك بدأت إجراءات تركيز المحكمة وإداراتها وانتخاب القضاة الذين سيعملون فى مقرها بهولندا.

 

أولى مذكرات الاعتقال الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية صدرت فى أكنوبر 2005، وهى متعلقة بالاتهامات التى وجهت لحركة «جيش الرب» فى أوغندا، بانتهاك حقوق الإنسان، واقتراف جرائم حرب.

 

رغم أن قرار إحداثها كان بمبادرة من الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن الجنائية الدولية ليست مرتبطة بالمنظمة الأممية هيكليًا أو إداريًا، على عكس محكمة العدل الدولية، التى هى جزء من منظمة الأمم المتحدة.

 

 

 

وواجهت الجنائية الدولية انتقادات لاذعة طيلة عملها الذى بدأ رسميًا عام 2005. فالقادة الأفارقة طالما انتقدوا عملها الحصرى على حالات من القارة الإفريقية دون غيرها، لعدة سنوات، ما دفع كلًا من جنوب إفريقيا وبورندى بالتهديد بالانسحاب منها عام 2016.

 

كما وجهت روسيا انتقادات لاذعة للجنائية الدولية، واصفة مذكرة الاعتقال التى أصدرتها المحكمة بحق بوتين، بأنها «حركة استفزازية لا معنى لها». ومثلما كان عليه الحال مع الرئيس السودانين عمر البشير، تحدى بوتين قرار المحكمة وقام بزيارة منغوليا فى سبتمبر الماضى، وتتحدث تقارير صحفية عن إمكانية سفره إلى الهند فى المستقبل القريب.

 

.. وفى السياق:

مذكرات الاعتقال التى أصدرتها الجنائية الدولية اليوم، بحق السفاح نتنياهو والمتطرف جالانت، هى سابقة فى تاريخ الصراع الفلسطينى الإسرائيلى. لكونها أول مرة يواجه فيها مسئول إسرائيلى اتهامات خطيرة من هيئة قضائية دولية، بخصوص الإجراءات التى يتخذها ضد الفلسطينيين.

 

 

 

ورغم كون مذكرات الاعتقال لا تعنى بالضرورة الاعتقال، خصوصًا وأن إسرائيل لا تعترف بسلطة المحكمة، إلا أن المدعى العام، كريم خان، يرى أن سلطة المحكمة تشمل الجرائم المحتملة التى حدثت فى الضفة الغربية وقطاع غزة، ما يمكنه من الشروع فى ملاحقات قضائية  غير محدودة.

 

*السفاح  قد لا يجد «مكانًا تحت الشمس».

 

 

« الدستور»، تحاول هنا إلقاء الضرر على حياة السفاح نتنياهو السياسية، وهى التى جعلته نتيجة وجود اليمين المتطرف التوراتى، يتوهم بأن لديه قدرات على تغيير العالم، تحديدًا المنطقة وكل الشرق الأوسط، وهنا قراءة فى كتاب «مكان تحت الشمس» لـ بنيامين نتنياهو..

تعود هذه القراءة إلى تاريخ 5/12/2019، كتبتها المحلل السياسية نبال خماش، تتلخص الأفكار فيها حول شخصية السفاح نتنياهو، تستند إلى فصول الكتاب الذى تُرجم إلى اللغة العربية، وعدى اللغات الأوروبية.

تتلخص محاور الكتاب فى:

*1: الرئيس الكارثة

بنيامين نتنياهو، أو بيبى، كما كان يحلو للرئيس الأمريكى بيل كلينتون أن يسميه، أو «عطا الله» وفق اللهجة الشعبية للفلسطينيين، وهى ترجمة حرفية لاسمه الثانى. ومع تعدد الأسماء، هناك تنوع فى الصفات التى ارتبطت به، مثل «الرئيس الكارثة» وهى صفة أطلقت عليه منذ بداية رئاسته للحكومة الإسرائيلية عام 1996 إلى يومنا هذا، ودلالة هذه الصفة قدرة هذا الرجل الفائقة على الاحتيال والتفلت من الأزمات فى وقت واحد. وترى فيه نسبة غير قليلة من المقارنات والتحليلات السياسية لكتّاب من اليسار الإسرائيلى تحديدًا، الشخصية الصهيونية الأمثل القادرة على الوصول بإسرائيل إلى الكارثة. وإذا كانت هذه قناعة اليسار الإسرائيلى، الذى تزعمه لفترة غير قليلة شمعون بيريز، الذى عرضنا لكتابه «الشرق الأوسط الجديد» فى الحلقة السابقة، فإن نتنياهو، باعتباره من رموز اليمين المتشدد فى إسرئيل، يتهم اليسار الإسرائيلى باعتبارهم «نسوا معنى أن يكون المرء يهوديًا».

 

*2: عام الوهم فى 1993.

 

لتوضيح معنى أن تكون مفيدًا لليهودية، وفقًا لرؤية السفاح نتنياهو، لا بد من إعادة ترتيب الأولويات السياسية، التى عرضها على نحو تفصيلى فى كتابه «مكان تحت الشمس».

 

صدر الكتاب بلغته الأم، العبرية، عام 1993، وبعد ثلاثة أعوام من صدوره، تولت دار نشر أردنية «دار الجليل» ترجمته إلى العربية. وإذا أردنا تصنيف الكتاب بحسب دلالات عنوانه والطروحات السياسية الواردة فيه، يمكن إدراجه ضمن الواقعية السياسية، وإذا أردنا تفصيلًا أكثر ضمن مستويات الواقعية، فإن الكتاب يعدّ نموذجًا واضحًا للصيغة الواقعية المتطرفة، التى تعرف بـ «الواقعية الهجومية»، وهى نظرية تعكس تصورًا مقدمًا بالأساس للدول العظمى بهدف تعظيم معالم قوتها وسيطرتها ضمن مبدأين أساسيين: توازن القوى، وإلقاء التبعات على الآخرين. وهما عنصران يلمس القارئ حضورهما فى كل صفحة من صفحات الكتاب الذى يقع فى 438 صفحة.

 

*3: الهوية اليهودية

 

استعرض السفاح نتنياهو فى الفصلين الأول والثانى من الكتاب النشأة التاريخية للفكر الصهيونى، واعتبره صاحب الفضل الحقيقى فى الحفاظ على الهوية اليهودية، وحذر من خطورة التخلى أو التراخى فى التمسك بهذه المبادئ، معتبرًا أى تنازل عن أساسيات هذا الفكر بمثابة تفريط بمصدر من مصادر الحياة الأساسية. وأهم بند من بنود هذه الأفكار، وفق شروحات المؤلف، المحافظة على أمن إسرائيل. فالأمن مطلب لا يتقدمه أى مطلب آخر، يتقدم الاقتصاد، والسياسة والسلام. والأمن وفق عرض الكتاب مرتبط بالأرض، وبناء على هذه الرؤية وجّه نتنياهو نقدًا شديدًا لمبدأ التفاوض مع الفلسطينيين والعرب عمومًا، الذى كان قائمًا على مبدأ «الأرض مقابل السلام»، ويقضى فحوى هذا الشعار العريض أن تتنازل إسرائيل عن المساحات التى أخضعتها لسلطتها بالقوة، مقابل حصولها على السلام، أما الشعار الذى اعتمده ضمن رؤيته الشاملة فقائم على مبدأ «السلام مقابل السلام».

 

*4: عدم قابلية التفاوض على الجولان.

 

الترجمة العملية لهذا المبدأ، بالمقارنة مع الخطوات التى اتخذها نتنياهو على الأرض مؤخرًا، نجدها حاضرة فى: عدم قابلية التفاوض على الجولان باعتبارها تشكل العمق الاستراتيجى لإسرائيل، ضم كامل مدينة القدس تحت السيادة الإسرائيلية. كما استطاع نتنياهو خلال الأشهر الماضية الحصول على تأييد أمريكى بشأن كلا البندين. ولاكتمال الخطة التى رسم معالمها للحفاظ على أمن إسرائيل، أعلن عن نيته ضم غور الأردن والضفة الغربية إلى الكيان الصهيونى، إضافة إلى ضمان استمرار التفوق العسكرى والتكنولوجى الإسرائيلى فى المنطقة.

 

*5: انطلاقة الاستيطان اليهودى.

 

عن «الحق الموضوعى» لليهود فى فلسطين، يذكر المؤلف أن هذه البقعة كان يقطنها قبل قدوم المجموعات اليهودية مجموعة من السكان «الكسالى» الذين «لا فائدة منهم». وأنهم لم يبادروا فى إحداث تبدل حقيقى فى شكل ونمط الزراعة بفلسطين، رغم خصوبة الأرض ووفرة المياه فيها، وأن مظاهر التطوير والتحديث والاستثمار القصوى للأرض، بدأت مع انطلاقة الاستيطان اليهودى فى فلسطين أواسط القرن التاسع عشر. والموضوعية العلمية تقتضى الإقرار بصحة بعض ما ذكره نتنياهو، فالواقع التاريخى يحدثنا أن الحياة الزراعية حتى العقد الثانى من القرن العشرين، ليس فى فلسطين وحدها، كانت بدائية، ووسائل الإنتاج المستخدمة لم يطرأ عليها أى تغيير منذ قرون طويلة، وهذا راجع بالأصل إلى نمط الاقتصاد فى السلطنة العثمانية، القائم أساسًا على الجباية دون إدخال إجراءات إصلاحية لأى من القطاعات الاقتصادية. وفى المجال الزراعى تحديدًا، كانت السلطنة تجبى من المزارعين ثلاثة أرباع ناتجهم السنوى، وتترك لهم الربع يتدبرون معيشتهم من خلاله، فكانت النتيجة الطبيعية أن يعزف الناس عن الاشتغال بالأرض وتطويرها، فتردى الوضع الزراعى بعموم المنطقة، بما فيها فلسطين، حتى إذا جاءت الجماعات الاستيطانية اليهودية إلى المنطقة، أخذت تستثمر بما لديها من معارف وخبرات اكتسبتها نتيجة احتكاكها بالمجتمعات الأوروبية، وأحدثت بالفعل نقلة حقيقية فى كل المجالات المرتبطة بالزراعة.

 

*6: الرجل الأبيض.

 

النقطة الأهم المرتبطة بهذه المسألة على وجه التحديد، التى أغفلها السفاح نتنياهو وأسقطها بالكامل فى سرده التاريخى، وهى أن الصيغة التى اقتحمت من خلالها القوى العالمية المنطقة مطلع القرن العشرين، كانت تحت شعارات ومبررات حضارية بحتة، وأن هذه المبررات تنسجم مع الرسالة الإنسانية التى تكفل الرجل الأبيض تأديتها من خلال الارتقاء بالشعوب المتأخرة والنهوض بها، وتنمية قدراتها وإمكاناتها على نحو يؤهلها لكى تحكم نفسها. غير أن أيًا من هذه الوعود لم يتحقق، والقليل الذى أنجز فى هذا الشأن لم يأت اكتماله إلا تلبية لحاجة تعزز من مظاهر الهيمنة الاستعمارية فى المنطقة، وفى مقدمتها التمهيد لاستقبال مزيد من الهجرات اليهودية واستيطانهم فى هذه الأرض، كمرحلة أولى تعقبها مرحلة إعلان الكيان الصهيونى.

 

*7: نظريته العنصرية..

 

معالجته الأيديولوجية والتاريخية للعديد من الجوانب المرتبطة بالصراع العربى- الإسرائيلى، تعيد السفاح نتنياهو لبلورة نظريته العنصرية إزاء العرب بالمجمل، باعتبارهم أمة لا نفع منها، ولا يمكن أن تستقيم فى نهج الحضارة إلا من خلال سياسات القوة، وأنه لا يمكن الوثوق بهم، متلونون، يبدلون آراءهم ومواقفهم بسرعة عجيبة، وأن قادتهم السياسيين يتخذون من القضية الفلسطينية فزاعة لتحقيق أهدافهم الشخصية، وهذه النقطة تحديدًا لا يمكن المجادلة بشأنها، وتتوافق بالكامل مع تجربة كل الأنظمة السياسية المحيطة بفلسطين.

 

*8: صيغة القوة.

 

وبناء على هذه النظرية العنصرية تجاه العرب، يؤكد صاحب الكتاب فى أكثر من موضع أن الوسيلة الأنجع للتعامل معهم ينبغى أن تكون مبنية وفق صيغة القوة. وبناء على هذه النظرة رسم الكاتب معالم العلاقة بين إسرائيل والدول العربية وصولًا إلى مرحلة السلام، باعتبار أن «قوة الردع المعتمدة على قوة الحسم» هى الصيغة الوحيدة التى يمكن من خلالها العبور إلى واقع السلام، وهى صيغة تنسجم مع الدول العربية باعتبار أن أنظمتها استبدادية، وهى بالضرورة صيغة مغايرة تمامًا للصيغة التى تعتمدها إسرائيل فى تعاملها مع الأنظمة الديمقراطية حول العالم. واستكمالًا لهذه الرؤية لا يعترف نتنياهو بأى حق من حقوق الشعب الفلسطينى التى تتعارض مع مصلحة «الدولة اليهودية» واشتراطاتها، وفى مقدمتها ضمان أمن إسرائيل وحمايتها من أى اعتداء محتمل. واستكمالًا لهذه النظرة يرفض الكاتب فى طرحه فكرة التخلى عن الضفة الغربية وهضبة الجولان، باعتبارها مسألة تتعارض مع الاستراتيجية الأمنية لإسرائيل، إضافة إلى اعتماد هذه الأخيرة على هاتين المنطقتين فى البعد المائى الضامن لاستمرارية تزويد الكيان بالماء النقى. واستكمالًا للواقع المستقبلى الذى يسمح لإسرائيل أن تأخذ مكانًا بارزًا تحت شمس المنطقة، أكد الكتاب فى أكثر من مكان على أهمية التطبيع مع الدول العربية، وتحديدًا الدول النفطية، وهى الدول التى وصف بنيامين قياداتها بعد زيارته ومسئولين إسرائيليين لعدد من عواصمها، باعتبارهم «الحلفاء». غير أن الكتاب أغفل بالكامل، الثمن أو التعهدات التى من المفترض أن تلتزم بها إسرائيل لمرحلة ما بعد التطبيع.

*9: وجود إسرائيل.. وإيران.

 

حجم القلق الذى يسكن عقل المؤلف مما يعتبره الخطر الحقيقى الذى يهدد وجود إسرائيل ممثلًا بالجمهورية الإيرانية، ففى أكثر من موضع يستحضر نتنياهو المخاوف من امتلاك إيران السلاح النووى، خصوصًا فى ظل حكم إسلامى راديكالى، وهى حالة من شأنها إذا اكتملت بنجاح أن تُحدث تغييرًا عميقًا فى موازين القوى بالمنطقة لصالح طهران، وهذا التغيير قد يتطور ويأخذ فى التصاعد وصولًا إلى حرب إقليمية. ولمواجهة هذا التهديد فإنه يحث فى كتابه الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية إلى اعتماد سياسة الحصار والمقاطعة، وصولًا لإجراء تغيير هيكلى فى الجمهورية الإسلامية. وعبر السنوات الماضية لمس الجميع لحظات التحفيز التى أثارها رئيس الوزراء الإسرائيلى للقوى الدولية بهدف توجيه ضربة عسكرية قاصمة لإيران، وفى كل مرة كانت تعصف بدعواه أحداث وتطورات سياسية وعسكرية تعارض فكرته فى التصعيد، ومع تكرار التحفيز وتوالى الإعراض أدرك غالبية المتابعين أن القرار العسكرى لا يحظى بقبول وحماسة لدى المجتمع الدولى، وتحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية.

 

*10: حرب الوكلاء.

 

وباعتبار أن الصيغة المقترحة إسرائيليًا لا تحظى بقبول دولى، فإن الصيغة الواقعية المتاحة لكلا الطرفين، الإسرائيلى والإيرانى على السواء، باتت محصورة ضمن ما يمكن تعريفه بتوافق الطرفين على صيغة مشتركة من التوظيف المتبادل للعناوين الخلافية العريضة، بحيث يُظهر كل طرف حدود قوته ونفوذه فى مساحة جغرافية على الأرض العربية، من خلال اللجوء لما يعرف بـ«حرب الوكلاء»، والاكتفاء بهذه الصيغة الدامية باعتبارها ترجمانًا واقعيًا لحالة الصراع بينهما. وهذه الحالة من التوظيف يمكن تلمسها فى العديد من مشاهد النزاعات والخلافات التى تحفل بها المنطقة.

 

*11: استبدال الصيغة الأصلية لفكرة السلام.. كيف؟

 

تمكن نتنياهو من الوصول إلى رئاسة الحكومة فى كيانه، وتمكن خلال فترات رئاسته من تحقيق جزء غير قليل من رؤاه التى شرحها فى كتابه، ابتداء من استبدال الصيغة الأصلية لفكرة السلام باعتبارها صيغة تبادلية الأرض مقابل السلام والاستعاضة عنها بصيغة أحادية، سلام مقابل سلام، ونجاحه كذلك فى إعلان دولته باعتبارها دولة قومية يهودية، وتكثيف الاستيطان، وانتزاع اعتراف الولايات المتحدة باعتبار القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، والتعامل مع الجولان باعتباره جزءًا لا ينفصل عن الكيان الصهيونى، والعلامة الفارقة فى إنجازات هذا الرجل، نجاحه فى اختراق منظومة دول الخليج العربى، والانخراط معها فى عملية تطبيع مع أنظمتها السياسية، أما خطوته اللاحقة، التى عبّر عنها من خلال وعده لناخبيه فى حملته الانتخابية الأخيرة، التى تقاسم الفوز بها مع منافسه بينى جيتس، فستكون ضم غور الأردن والضفة الغربية إلى الكيان الصهيونى، وهو الوعد ذاته الذى أطلقه منافسه جيتس لاحقًا. ودلالة هذا التنافس أن الحالة المتشددة التى كانت تضمن لنتنياهو بصورة دائمة وصولًا آمنًا للرئاسة، قد انقلبت عليه، بفضل تماهى منافسيه مع الحالة ذاتها، لا بل والمزاودة عليه من خلالها، وهى حالة يمكننا من خلالها تلمس واقع المنطقة فى المراحل المقبلة، وأن لا شىء فى الأفق سوى مزيد من التأزيم، ومزيد من الغطرسة الصهيونية.

.. وحتمًا، تعيش دولة الاحتلال الإسرائيلى العنصرية مأزقًا سياسيًا قانونيًا دوليًا، وهذا أمر مهم فى المرحلة الآتية من الصراع المفتوح على حروب جبهات عديدة لحرب الكابنيت الصهيونى، الذى ما زال يمارس حرب الإبادة والمجازر، وهناك من يدّعى فى الغرب حق إسرائيل السفاح فى الإبادة الجماعية.

زر الذهاب إلى الأعلى