بين راعي الخيل وحامل الأثقال: آموس هوكشتاين ليس فيليب حبيب
بقلم: سعد بن طفلة العجمي

النشرة الدولية –

ابتلي لبنان بحروب متواصلة منذ نصف قرن تقريباً. اندلعت الحرب الأهلية بين الفلسطينيين واللبنانيين في أبريل (نيسان) عام 1975، ومنذ ذلك اليوم ولبنان لم يعرف طعم السلام والازدهار.

قد يستثني بعضهم فترة الرئيس رفيق الحريري الأولى (1992-1998) التي رأت بصيصاً من الانفتاح والنشاط والازدهار أعقبت اتفاق الطائف (سبتمبر- أيلول عام 1989) الذي رعته ونظمته السعودية، وكان اتفاقاً عربياً لإنقاذ بلد عربي غدر به الزمن والحروب والتنظيمات والميليشيات والـ”بيكات” (جمع بيك) والـ”أبوهات” (من أبو فلان أو أبو فلنتان) والزعماء والعمائم واللحى… إلخ الجوقة التي أحرقت لبنان وأهله.

يعيش لبنان بلاءً لم يتوقف منذ عقود، واليوم يعيش ثلث سكانه تقريباً في الشوارع والملاجئ والمدارس والكنائس مع دخول الشتاء والبرد والثلج والمطر. تقصفه إسرائيل بلا هوادة لتدفع ميليشيات “حزب الله” وراء نهر الليطاني. آلاف الضحايا الأبرياء تجاوزوا ثلاثة آلاف حتى الآن، وأكثر من 15 ألف جريح، وقرى وضيع (جمع ضيعة) بأكملها جعلت إسرائيل عاليها سافلها وأصبح بعضها أثراً بعد عين.

كل هذا ورد الفعل العالمي والعربي ليس بالمستوى المطلوب، ولو قلنا إن العرب غادروا لبنان لمصيره وللقبضة الإيرانية، فلماذا لم تبادر إيران بالتحام ساحتها بالساحة اللبنانية، ترجمة لـ”وحدة الساحات” ونصرة لحزبها ومخلبها الذي أنشأته ورعته ودربته وسلحته ومولته؟ ولماذا لم تستقبل لاجئين لبنانيين ولو من منطلقات طائفية بحتة؟. فأهل الجنوب وقراه وحاضنة “حزب الله” هم في الغالب من الشيعة المغلوبين على أمرهم “المعتّرين” كما يقول اللبنانيون، لكن إيران لم تستقبل منهم لاجئاً واحداً؟، بل إنها تراجعت عن الانتقام لنفسها بقصف إسرائيل بعد انتخاب ترمب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية.

صيف عام 1982 حين حاصر الجيش الإسرائيلي بيروت، أرسل الرئيس الأميركي حينها رونالد ريغان مبعوثاً إلى المنطقة اسمه فيليب حبيب. نجح حبيب الذي عرف بدبلوماسيته للسلام بفيتنام وأماكن أخرى في التوصل إلى حل لوقف “هولوكوست” بيروت، والوصف هنا لريغان نفسه باتصال مع رئيس الوزراء حينها مناحيم بيغين حين طالبه بوقف الـ”هولوكوست” على بيروت. نجح فيليب حبيب في وقف الحرب والتوصل إلى اتفاق بخروج مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات والتوجه بحراً إلى تونس عبر اليونان.

منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، شنت إسرائيل حرب إبادة عشوائية على غزة بعد أن قامت حركة “حماس” بعملية “طوفان الأقصى”، وأعلن “حزب الله” على لسان أمينه العام السابق حسن نصرالله أنهم سيساندون غزة، ترجمة لمبدأ “وحدة ساحات المقاومة”. فقامت إسرائيل بحربها على “حزب الله” واغتالت قياداته بدءاً من أمينه العام وخلفه وقياداته وحتى المتحدث الإعلامي باسمه، ودمرت قرى حاضنته الجنوبية وقصفت مناطق شاسعة في لبنان، مركزة قصفها على الضاحية الجنوبية لبيروت.

وعيّنت إدارة الرئيس جو بايدن موفداً للسلام بين لبنان وإسرائيل اسمه آموس هوكشتاين. كان فيليب حبيب مسيحياً مارونياً من مواليد نيويورك، أما آموس هوكشتاين فهو يهودي متشدد من مواليد القدس. تعود أصول فيليب حبيب لجونيه في لبنان، حيث بنى له أهلها مجسماً في ميدان الصداقة اعترافاً بدوره وافتخاراً بأصوله. ويبدو أن أصول آموس تعود لألمانيا، بحسب اسمه الأخير، هوكستاين (وتقلب السين شيناً أحياناً) ويعني الصخرة أو القلعة العالية.

اختلف فيليب حبيب مع رئيسه وزير الخارجية الأميركي أليكسندر هيغ المؤيد بشدة لإسرائيل، بينما لا يختلف آموس عن رئيسه وزير الخارجية أنتوني بلينكن بتأييدهما الأعمى لإسرائيل.

خدم فيليب حبيب في الجيش الأميركي ضمن أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية لمحاربة النازية، بينما خدم هوكشتاين في الجيش الإسرائيلي “متطوعاً”، إذ تشير المعلومات إلى أنه لا يحمل الجنسية الإسرائيلية أصلاً التي يمكن لأي يهودي في العالم الحصول عليها بسهولة.

منذ سبتمبر الماضي والسيد هوكشتاين يقوم بزيارات مكوكية بين بيروت وتل أبيب، ومنذ أسابيع ونحن نسمع تصريحات متفائلة من بيروت حين يكون السيد هوكشتاين بها بعد لقاءاته المسؤولين هناك بقرب التوصل إلى وقف الحرب بلبنان.

يُذكر أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والرئيس المباشر لآموس هوكشتاين قام بـ11 زيارة مكوكية للمنطقة فيما كان يعلن عنه أنه من أجل وقف الحرب على غزة. ولم تتوقف الحرب في غزة، ولن تتوقف في لبنان، فنتنياهو لن يقدم هدية وقف الحرب على أي من الجبهتين إلى إدارة تعيش أيامها الأخيرة، وقد يقدمها، وفق شروطه، للرئيس المنتخب الجديد دونالد ترمب.

ويؤكد بنيامين نتنياهو من جانبه أن إسرائيل لن توقف ضرباتها على “حزب الله” في لبنان حتى لو تم التوصل إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب!. أما وزير ماليته بتسلئيل سموتريتش فصرّح بأنه ضد أي اتفاق لوقف الحرب في لبنان ما لم يتضمن حق إسرائيل بمهاجمة لبنان بحسب ما تشاء برّاً وبحراً وجواً!.

“راعي الخيل”، وهذا ترجمة اسم فيليب باليونانية القديمة، أوقف حرب لبنان عام 1982 حين كان رئيسه ريغان، أما “حامل الأثقال”، وهو معنى اسم آموس، فينتظر تصفية “حزب الله” ومجيء ترمب، ويبشر كل يوم باقتراب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وهي كمواعيد عرقوب. ولسان حال الشعب اللبناني يردد لأبي بكر سالم:

“يا حامل الأثقال، خففها شوي”.

زر الذهاب إلى الأعلى