حروب سوريا القديمة المتجددة
بقلم: وليد فارس
النشرة الدولية –
هدف المعارضة الإسلامية إقامة سلطة واسعة في الشمال تضم إدلب وحلب والمناطق المجاورة لتجعل منها سوريا إسلامية مصغرة متحالفة مع تركيا بانتظار ما سيقوم به دونالد ترمب
بينما كان العالم يركز على نتائج حرب إسرائيل و”حزب الله” والمواجهة المستمرة بين تل أبيب وحركة “حماس” في غزة، وبينما كانت دول المنطقة والمؤسسات الدولية تضع جهدها من أجل إيقاف المواجهة بين هذه الأطراف والتأكد من أن وقف إطلاق النار الذي تم القبول به في لبنان يقع في دائرة التثبيت، بالتالي فإن المنطقة ستتمكن من قضاء فترة الأعياد بهدوء نسبي حتى دخول الرئيس المنتخب دونالد ترمب وفريقه البيت الأبيض خلال الـ20 من يناير (كانون الثاني) المقبل.
لكن العالم فوجئ بتقارير الهجوم الواسع للمعارضة السورية الميدانية التي انطلقت من إقليم إدلب باتجاه منطقة حلب ونواحيها منذ نحو أكثر من أربعة أيام، وجاءت الأنباء متسارعة ولم يكن ينتظرها أحد لأن المهاجمين تمكنوا من الدخول إلى قرى وبلدات متعددة في المنطقة بصورة سريعة جداً، فاقت التصور لدى جميع المحللين وانتهت بدخول هذه القوى إلى حلب والطريق السريع المؤدي إلى حماة وجميع البلدات المحيطة بهذه البقعة. وشكل دخول “هيئة تحرير الشام” إلى حماة مفصلاً كبيراً إذ إن الفصائل الإسلامية المدعومة من تركيا باتت قادرة على التقدم على أحد المحاور الأساس، تجاه دمشق وتجاه الساحل، أو تجاه مناطق الأكراد.
التعجب كان في أن الإعلام العالمي لم يراقب بكثافة ودقة التحضيرات التي كانت تجري داخل إدلب، والأمر الثاني ظهر في المفاجأة الكبيرة للمهاجمين والمتمثلة في اختراق خطوط الدفاع التي وضعها نظام بشار الأسد والميليشيات الإيرانية وعلى رأسها “حزب الله”.
من القوى التي انطلقت من إدلب والمناطق المتاخمة لتركيا؟
بصورة مبسطة هناك قوتان على الأرض تسمى الفصائل المسلحة، هذه القوة المهاجمة تتألف من هيئة تحرير الشام التي تعود أصولها إلى القاعدة وأخواتها، وهي عملياً إخوانية أي تتبع الأيديولوجيا الإخوانية من ناحية ولكنها متحالفة مع السلطات التركية، وهذه أقوى قوة منتشرة على الأرض وتوازي القوى الإسلامية في ليبيا وتونس واليمن. والقوة الثانية الجيش الوطني السوري وهو جماعة عسكرية منظمة على طريقة الألوية التابعة للقوات التركية، ويعمل في المناطق المتاخمة للحدود التركية السورية ومولج بحمايتها من داخل الأراضي السورية.
هذه العملية انطلقت بهدف كان موجوداً منذ سيطرة هذه القوى على الشمال الغربي السوري وهي استرجاع حلب والمناطق العربية السنية التي تبدأ من الحدود التركية بما فيها عفرين، هبوطاً إلى حمص وحماة والطريق السريع وكل ما يحيط به من بلدات إلى دمشق ووصولاً جنوباً إلى الجولان، هذه سوريا العميقة وعاصمتها الاقتصادية حلب وإذا تمكنوا من هذه المناطق يبدأ الزحف باتجاه بادية الشام وتدمر، وإذا حصلوا على تدمر لن يكون هناك مقاومة من قبل النظام في الشرق والجنوب السوري ما عدا مناطق الأكراد، والفصل الذي يتلو ذلك عملياً إسقاط آل الأسد في الساحل السوري، ولكن هذا لن يبدأ تنفيذه إلا إذا سيطرت الفصائل على حلب وحماة وحمص ومحيطها وتمكنت من إقامة سلطة سياسية لها وزن على الأرض.
الطرف الثاني النظام وحلفاؤه من الإيرانيين وميليشياتهم، كل هذه الكتلة العسكرية تمسك بالساحل السوري ودمشق والصحراء وصولاً إلى فجوة بمساحة 90 كيلومتراً من الحدود مع العراق بين الجنوب السوري وقوات قسد، وما قد تهدف إليه القوى الإسلامية المقاتلة (السنية) هو عملياً الضغط في شمال البلاد وصولاً إلى وسطها، وإن وصلت ستشكل عاصمة لها (حلب) لتبدأ الغارة الكبرى على عاصمة البلاد دمشق.
على المقلب الثاني هناك قوات قسد التي تحافظ على مناطق نفوذها من حدود العراق حتى منبج، وهذه القوى بالأساس كردية ولكنها تضم مقاتلين سريان وقبائل عربية سنية متحالفة معهم ضد الأسد والإخوان، أما الفرقاء الإقليميون الذين يدعمون هذه القوى الثلاث. محور الإخوان محمي من قبل تركيا ومحور الأسد تحميه قيادة إيران وميليشياتها وروسيا، ويبقى أكراد قسد الذين يحظون بحماية عسكرية أميركية في الأقل منذ عام 2014.
لماذا التوقيت؟
يعتقد بعض المحللين أن هذا التوقيت مرتبط بما كان يجري من مواجهات بين “حزب الله” وإسرائيل وعندما هدأت الأمور اعتبر المحللون في شمال سوريا أن الحزب يريد إبقاء قواته في لبنان، ولن يرسل نخبته إلى سوريا للمجابهة.
ويعتقد هذا التحليل أن النظام الإيراني يهمه الدفاع عن مواقعه الداخلية في إيران ومساندة الحشد الشعبي ومواجهة إسرائيل، ولذلك لن يرسل تعزيزات كبيرة إلى سوريا إضافة أن نظام الأسد اعتقد أن الوجود الروسي عامل رادع كي لا تقوم تركيا بتحريك ميليشياتها، وهناك أيضاً من يعتقد وهذا أمر دقيق وخطر أن بعض هذه الفصائل المسلحة لها تواصل مع أجهزة داخل أميركا ولوبي إخواني قوي.
ويضيف المحللون أن هذه الفصائل حصلت على ضمانات من الأجهزة أو من يمثلها بأنها لن تواجههم إذا سيطروا على مناطق تابعة للأسد، والمثير للجدل في واشنطن أنه إذا صحت هذه النظرية فسنكون أمام البنتاغون الذي يحمي قسد في الشرق، وهذه الأجهزة التي تحمي الإسلاميين في غرب سوريا.