ماذا تعني ديون الأسد “الكريهة” وما هو مصيرها؟
النشرة الدولية –
يشكّل سقوط النظام السوري، وهروب رئيسه بشار الأسد خارج البلاد ضربة مزدوجة بالنسبة لروسيا وإيران، ليس فقط على صعيد النفوذ السياسي والعسكري، بل أيضا على مستوى صنابير الاقتصاد التي فتحت له على الملأ منذ بداية تدخل هاتين الدولتين في سوريا، من أجل تثبيته على كرسي الحكم.
كما تذهب آثار الضربة التي تلقتها كل من إيران وروسيا باتجاه آخر أيضا تثار الكثير من التساؤلات حوله الآن، ويتعلق على نحو محدد بمصير الاتفاقيات التي تم إبرامها مع حكومة نظام الأسد المخلوع في المرحلة المقبلة، وما إذا كانت ستظل على حالها أم ستكون في حلٍ كامل.
وبحسب ما نشر موقع “الحرة” أنه بعدما ضمنت كلا الدولتين الحليفتين للأسد عدم سقوطه بعد عام 2017 اتجهتا لتحويل نفوذهما العسكري والسياسي إلى واقع ملموس على صعيد الاقتصاد والمال، واعتمدتا في تحقيق ذلك على مسار تدريجي قام على توقيع الاتفاقيات طويلة الأمد ومذكرات التفاهم.
ورغم أن هذه الاتفاقيات شملت عدة قطاعات ومرافق خاصة بالدولة السورية اختلفت من حيث الشكل والمضمون والعائدات ما بين الجانب الروسي والإيراني.
وكانت روسيا حصلت على استثمارات ضخمة في قطاع الفوسفات والنفط، كما استحوذت على معمل البتروكيماويات في مدينة حمص وسط البلاد، وكان لها استثمار بارز لمرفأ طرطوس، بشقين مدني وعسكري، فضلا عن الاستثمارات الخاصة بالنفط، وأبرزها في البلوكين البحريين (عقد عمريت، البلوك رقم 1).
في المقابل وقعت إيران سلسلة اتفاقيات طويلة الأمد ومذكرات تفاهم مع حكومة نظام الأسد سابقا، واستهدفت بها إلى جانب قطاع الفوسفات مرافق أخرى مثل الكهرباء والأسواق والقطاع المالي. ولم تصل في غالبيتها إلى نقطة التنفيذ الفعلي.
وعلاوة على ذلك، لعبت طهران دورا في دعم حكومة الأسد على صعيد الخطوط الائتمانية والتي تصدرتها شحنات النفط، ووفقا لوسائل إعلام إيرانية فقد قدمت نحو 60 ألف برميل من النفط يوميا إلى سوريا بسعر يقدر بنحو 50 دولارا أميركيا للبرميل أو مليار دولار أميركي سنويا، أو ربما حوالي 14 مليار دولار أميركي، وذلك خلال الفترة الممتدة من 2011 إلى 2024.
هل الاتفاقيات شرعية أم لا؟
ولا تعرف حتى الآن السياسة التي ستعتمدها القيادة الجديدة في سوريا بشأن العلاقة مع روسيا وإيران، وكذلك الأمر بالنسبة لطبيعة عمل الحكومة في سوريا التي سيتم تشكيلها بعد مارس المقبل، وما إذا كانت ستحظى بشرعية إقليمية ودولية أم لا.
ويرى المحامي السوري، غزوان قرنفل أن الحكومة الجديدة لن تكون بحل من الاتفاقيات السابقة مع روسيا وإيران بشكل مباشر وكامل في المرحلة المقبلة.
ويشرح في حديثه لموقع “الحرة” أن هذه الحكومة يجب أن ترسخ شرعيتها في المرحلة المقبلة ومن ثم تحصل على اعتراف دولي وإقليمي يتيح لها فيما بعد مراجعة كامل الاتفاقيات، عبر مؤسساتها السيادية.
ويقول قرنفل إن الاتفاقيات التي أبرمت مع إيران وروسيا في عهد الأسد المخلوع “لا تتسم بالمشروعية، لأنها لم تتم وفق الآليات القانونية المعتمدة للتعاقدات، سواء الداخلية أو الدولية”.
ويضيف أنها “تنطوي على انتهاك بحقوق السوريين، سواء من خلال المدى الزمنية الطويلة المحددة لها أو على صعيد المردود المادي الذي يجب أن يصب في صالح الشعب السوري”.
بين ليلة وضحاها، وبعد سقوط نظام الأسد، تغيرت لهجة تصريحات أعداد كبيرة من الأشخاص المحسوبين على النظام السوري والمدافعين عنه في مواقف سابقة.
“الثروات ليست مِلكاً للسلطة، بل هي ملك السوريين وبالتالي سيكون هناك خلل في التعاقد في حال لم يكن هناك أي أثر إيجابي على السوريين”، بحسب المحامي.
ويوضح أنه “يمكن إبطال مثل هذه الاتفاقيات، خاصة أن السلطة التي أبرمتها كانت في حالة صراع مسلح مع المجتمع السوري نفسه وطلبت الدعم من الدول التي تعاقدت معها (إيران وروسيا) وكأنها تكافئها على موقفها السياسي والعسكري الداعم لها”.
القانوني السوري، المعتصم الكيلاني ومن جهته يشير في حديثه لموقع “الحرة” إلى أن إلغاء العقود والاتفاقيات الاقتصادية التي وقّعتها حكومة نظام الأسد مع روسيا وإيران، بالإضافة إلى معالجة الديون المتراكمة، يعتمد على عوامل قانونية، سياسية، واقتصادية معقدة.
من الناحية القانونية، يقول الكيلاني إن “العقود الدولية تخضع للقانون الدولي والمعاهدات الثنائية، ولإلغائها قد تحتاج الحكومة السورية الجديدة إلى إثبات أن العقود غير شرعية أو وُقّعت في ظروف غير متكافئة”.
ولإثبات عدم شرعية العقود يستعرض القانون السوري عدة مسارات، بينها:
- الإكراه أو الضغط السياسي: إذا تمكنت الحكومة الجديدة من إثبات أن العقود وُقّعت تحت الإكراه أو لتحقيق مصالح شخصية ضيقة للنظام السابق.
- الإضرار بمصلحة الدولة: حيث يمكن الطعن في العقود إذا كانت تُحمّل سوريا أعباءً غير متكافئة أو تضر بمصالح الشعب السوري.
ماذا عن الديون؟
في مايو 2020، وفي تصريح هو الأول من نوعه والوحيد قال النائب، حشمت الله فلاحت بيشه، من لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية إن بلاده أنفقت ما بين 20 مليارا و30 مليار دولار في سوريا لدعم بشار الأسد، مضيفا: “يجب على إيران أن تستعيد هذه الأموال”.
وعاد فلاحت بيشه ليثير ذات القضية المتعلقة بحجم الديون، خلال الأيام الماضية، التي تبعت سقوط نظام الأسد، وتفاعلت معه الخارجية الإيرانية رسميا، صباح يوم الثلاثاء.
وقال الناطق باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، الثلاثاء، إن بلاده تعتقد أن الاتفاقيات التي وقعتها مع نظام الأسد سوف تستمر مع الإدارة السياسة الجديدة، مشيرا إلى أن “الأرقام المتداولة مثل 50 مليار دولار كديون لسوريا لصالح إيران هي أرقام مبالغ فيها للغاية”.
عند معبر المصنع، على الحدود بين سوريا ولبنان، وقف المئات انتظارا لفرصة الفرار من سوريا، بعد سقوط النظام ودخول البلاد إلى المجهول.
وأضاف بقائي أن الاتفاقيات والمعاهدات ومذكرات التفاهم المبرمة بين البلدين هي التزامات ثنائية بين الدولتين، وليست اتفاقيات مؤقتة بين مجموعات أو حكومات عابرة.
وتابع أنه بموجب مبدأ خلافة الدول، وهو مبدأ معترف به في القانون الدولي، فإن الالتزامات والحقوق بين الدول تظل قائمة وتنتقل إلى أي نظام أو حكومة جديدة تأتي إلى السلطة.
أما على صعيد موسكو فلم يصدر أي تعليق من جانبها بشأن الاتفاقيات التي أبرمتها مع حكومة نظام الأسد ومصيرها، أو حتى على حجم الديون الخاصة بها في سوريا.
ويرى المحامي السوري قرنفل أن الحكومة الجديدة في سوريا يمكن أن تستند على فكرة “عامل الإكراه”، فيما يتعلق بالديون المترتبة سواء لإيران وروسيا.
ويوضح أن هذا العامل موجود في القانون الدولي، وينص أن السلطة الحالية وبعد اكتسابها الشرعية الداخلية والدولية يمكنها أن تمتنع عن أداء الديون بزعم أنها “كريهة”، وأنها أعطيت إلى سلطة تخوض نزاع مسلح مع شعبها.
ما مصطلح الديون “الكريهة”؟
وظهر مصطلح “الديون الكريهة” لأول مرة في عام 1927 من قبل الوزير الروسي السابق وأستاذ القانون في باريس، ألكسندر ناحوم ساك.
وبحسب قانون ساك، فإن “أي نظام استبدادي حصل على قرض، ولم يكن الهدف منه تلبية حاجات ومصالح الدولة، وإنما تقوية هذا النظام الاستبدادي وقمع السكان الذين يحاربون هذا الاستبداد، فإن هذا الدين يعتبر كريها، وهو غير ملزم للدولة، إنما هو محسوب على النظام المستبد باعتبارها ديونا شخصية وبالتالي فهي تسقط بسقوطه”.
ويشير القانون إلى أنّه يمكن لحكومة أن تتخلى على التزامات سابقتها، لأن هذه الديون لا تستوفي واحدة من الشروط التي تحدد شرعية الديون في كون أن المبالغ المقترضة باسم الدولة يجب أن تستخدم في تلبية حاجات ومصالح الدولة.
ويعتقد قرنفل أنه “ليس أمام السوريين وأي سلطة انتقالية قادمة من سبيل إلا تصنيف تلك الديون (الخاصة بروسيا وإيران) على أنها ديون كريهة ورفض سدادها أو أداء خدمتها للدول الدائنة”.
ويؤكد أن ما سبق “مذهب معروف في القانون الدولي وثمة سوابق مشابهة لجأت إليها دول عدة في هذا السياق”.
وفي تصريح لافت، أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال السورية محمد البشير أن حكومته لا تملك أي عملة أجنبية، مشدداً على أن ما تبقى في الخزينة هو “الليرة السورية التي لا تساوي شيئاً”.
ومن جانبه، يرى القانوني السوري الكيلاني أن عملية تسديد الديون تأخذ عدة قراءات واتجاهات، قائلا إنه يمكن للحكومة الجديدة محاولة إعادة التفاوض مع روسيا وإيران لتقليل قيمة الديون، أو إعادة جدولتها بشروط ميسّرة، خاصة إذا أثبتت أن النظام السابق كان فاسدا.
كما يمكن للحكومة الجديدة، بحسب القانوني السوري، أن تحصل على دعم من المجتمع الدولي، وخاصة الدول المانحة مثل الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، والمنظمات الدولية (مثل صندوق النقد الدولي)، لتخفيف عبء الديون أو تقديم مساعدات مالية.
علاوة على ذلك، تمتلك سوريا موارد طبيعية، مثل الفوسفات والنفط، وبناء على هذا يمكن للحكومة الجديدة أن تُعيد هيكلة العقود لاستثمار هذه الموارد بطرق تعود بالفائدة على الشعب السوري، بدلا من الاستغلال الأجنبي.
كما يوضح الكيلاني أن “استعادة الأموال المنهوبة داخليا وخارجيا قد تشكل جزءا كبيرا من تسديد الديون وتحقيق الاستقرار الاقتصادي”، لكنه يشير في المقابل إلى عوائق وتحديات.
ومن بين هذه العوائق أن ترفض روسيا وإيران أي محاولة لإلغاء أو تعديل العقود، وقد تلجآن إلى التحكيم الدولي أو حتى استخدام نفوذها العسكري والسياسي في سوريا.
وقد لا يحتمل الاقتصاد السوري الهش أي مواجهة إضافية مع الدول الدائنة دون دعم خارجي، ولذلك ستكون هناك حاجة إلى حكومة تتمتع بشرعية شعبية ودولية واسعة لضمان النجاح في هذه العمليات، بحسب القانوني السوري.