في الصميم: ماذا بعد اتفاق غزة؟
بقلم: طلال عبدالكريم العرب
النشرة الدولية –
لا نعلم ماذا سيحصل اليوم، أي في اليوم التالي لاتفاق وقف إطلاق النار المُفترض على غزة، والذي ما كان له أن يتم لولا ضغط الرئيس دونالد ترامب على نتنياهو الرافض له، فهل سيصمد أم سيُنتهك كالعادة؟ وهل سيُنَفَّذ بحذافيره؟ وإذا ما صمد حتى النهاية، وهو المُستبعد، فمَنْ سيتكفَّل بدفع فواتير إعمار تقدَّر بعشرات المليارات من الدولارات؟ هل هي دول الخليج، التي لا ذنب لها بما حصل؟ أم سيقع ذلك على عاتق المُتسببين فيه؟
«سكاي نيوز عربية» نشرت تقريراً إسرائيلياً ذكر أن خسائر إسرائيل الإجمالية جرَّاء ما يسمَّى بالحرب الحماسية – الإسرائيلية بلغت 67 مليار دولار، شاملةً كل القطاعات العسكرية والمدنية. طبعاً لا يمكن الجزم بصحة تلك الأرقام، فقد يكون نشرها الآن وراءه استجداء مبكِّر لطالما نجحت إسرائيل فيه، فقد دُفعت لها فعلاً تعويضات عسكرية ومادية بعشرات المليارات من أميركا وأوروبا، ومن أغنياء صهاينة العالم وشركاتهم العملاقة المنتشرة في كل أنحاء العالم، وبلا شك ستتلقى المزيد منها.
ونُشرت تقارير وأرقام عن الكوارث التي نزلت على رؤوس الغزيين ومدينتهم المنكوبة، فقد بلغ عدد الشهداء المدنيين حوالي 60 ألفاً، وقد يكونون أكثر، وعدد الجرحى حوالي 100 ألف. أما عدد النازحين والمهجَّرين، فقد قارب المليونين، وتم تدمير حوالي 70 في المئة من غزة، بما فيها المستشفيات والمدارس والبنية التحتية. أما تكلفة إعمار ما دمَّرته الآلة العسكرية الإسرائيلية الهمجية، فقدِّرت بحوالي 80 مليار دولار.
الغزيون فرحوا واحتفلوا، لأنهم يتوقعون انتهاء الكابوس الجاثم على صدورهم، متمنين أن تدوم فرحتهم، وألا يعكِّرها عليهم أحد، و«حماس» فرحة لأنها انتصرت وأجبرت إسرائيل على إطلاق سراح مئات من الأسرى الفلسطينيين، وبخروج آمن من غزة.
علي خامنئي أبى إلا أن يُدلي بدلوه هو الآخر، فخرج علينا بتصريح قال فيه: صبر سكان غزة وثبات المقاومة الفلسطينية أجبرا الكيان على التراجع. أما الحرس الثوري الإيراني، فعبَّر عن سعادته بإعلانه أن اتفاق غزة انتصار للمقاومة الفلسطينية. تبعهم نعيم قاسم بتصريح لا يقل سماجة عمَّن سبقوه، فقد هنَّأ الفلسطينيين بوقف إطلاق النار في غزة، معتبراً إياه دليلاً على صمود المقاومة، طبعاً مبرراً ما فعله هو باستسلامه لإسرائيل.
الحرب، أو ما ادَّعوا أنها حرب، لأنها في حقيقتها كانت حرباً من جانب واحد، كانت مجزرة للغزيين، وتدميراً ممنهجاً لغزة، وتعمُّداً مقصوداً لدفع السكان إلى النزوح عن مدينتهم. الحرب بيَّنت للجميع أنه ليس هناك بلد في العالم، بما فيها إيران، يريد دمار إسرائيل أو حتى هزيمتها، طبعاً ما عدانا نحن العرب.
ستأتينا اتهامات معلَّبة بالعمالة، ومعها بعض السباب والشتائم، فهذه ضريبة قول الحقيقة المُوجعة، فلن يصح إلا الصحيح، والصحيح هو وضع إصبعنا على مَواطن الخلل، ومعالجتها، بدلاً من دفن الرؤوس في الرمال، وتحويل عناد قاتل إلى انتصار مُهلك.