عودة دونالد المدمر
بقلم: ملفين غودمان
النشرة الدولية –
(كاونتربنش) –
يقلل اهتمامنا بسياسات دونالد ترامب ودعايته من شأن السؤال المركزي الذي يحدد رئاسته: هل دونالد ترامب شخص لائق نفسيًا لأن يكون رئيسًا للولايات المتحدة؟ في فترة ولايته الأولى، حذر الأطباء النفسيون وعلماء النفس من أن رئيسنا المضطرب بشكل خطير يشكل تهديدًا للأمن المحلي والدولي. وقد أدى السلوك غير المنتظم لترامب كمرشح في 2015-2016، وكرئيس في 2017-2021، إلى تفعيل المبدأ الأخلاقي المعروف باسم “واجب التحذير” من الخطر الذي يمثله.
كانت نرجسية ترامب الخبيثة راسخة في فترة ولايته الأولى، حيث ادعى أنه يعرف أكثر من أي شخص آخر، وأنه وحده يمكنه حل مشاكلنا. وأشارت شيطنة ترامب للصحافة ولخصومه، بالإضافة إلى معاملته للأقليات وتعامله مع قضايا الهجرة، إلى حالة من جنون العظمة. وأظهر فصله لأفراد عائلات المهاجرين عن بعضهم بعضا افتقارًا إلى التعاطف من النوع الذي يصاحب النرجسية. وكان افتقاره إلى التحكم في الانفعالات مثيرًا للقلق بشكل خاص في عصر نووي لا يقدّم أي ضوابط وتوازنات حقيقية تضبط دور القائد الأعلى للقوات المسلحة في ما يتعلق باستخدام الأسلحة النووية. وكان الجمع بين جنون العظمة والتحكم في الانفعالات هو العامل الأكثر إثارة للقلق، لأنه يمكن أن يؤدي إلى أعمال مدمرة.
كنتيجة لأدائه كرئيس، واجه ترامب مستوى غير عادي من الانتقادات العلنية من أشخاص كان قد عيّنهم هو نفسه، بمن فيهم رئيس الموظفين جون كيلي، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون، ومستشار الأمن القومي إتش. آر. ماكماستر -بل وحتى مدير المخابرات الوطنية، دان كوتس. وقد كلفت هذه الانتقادات كلاً من تيلرسون وماكماستر وكوتس وظائفهم، وتم استبدالهم بموالين في ذلك الوقت، مثل مايك بومبيو في وزارة الخارجية، وجون بولتون في مجلس الأمن القومي، وجون راتكليف كمدير للمخابرات الوطنية. وقد رفض معظم المعيَّنين في ولايته الأولى دعم جهوده للحصول على ولاية ثانية. ولن يواجه ترامب أسئلة حول الولاء في فترة ولايته الثانية لأن المعيَّنين الحاليين -من دون استثناء- تعهدوا له بالولاء.
في فترة ولايته الأولى، أعلن ترامب الحرب على الحوكمة، والاستخبارات، والفقه، والدبلوماسية، وإنفاذ القانون، والخدمة العامة وتقصي الحقائق، لا سيما في المجتمع العلمي. ولكن، في ذلك الوقت كان هناك “راشدون في الغرفة”. وكانوا قادرين على تحدي أسوأ دوافعه -وحتى تخفيفها. ولكن، لن يكون هناك “راشدون في الغرفة” هذه المرة، حيث عيَّن ترامب أفرادًا متهورين واستبداديين أيضًا. وكانت رؤية “أميركا أولاً” هي الثيمة الأساسية لخطابي تنصيب ترامب، الأول والثاني. وهذه المرة، ادعى ترامب أيضًا أن التدخل الإلهي أنقذه من رصاصة قاتلة مست أذنه حتى يتمكن من “جعل أميركا عظيمة مرة أخرى”.
صرح ترامب بأنه سيكون ديكتاتورًا في اليوم الأول من ولايته، وكان وفيًا لكلمته. بالإضافة إلى العفو عن 1.600 مجرم من الذين قاموا بأعمال الشغب في 6 كانون الثاني (يناير)، أصدر ترامب أمرًا غير دستوري بشأن الهجرة يلغي حق الجنسية المكتسبة، وهو انتهاك للتعديل الرابع عشر للدستور الذي يضمن الجنسية لأي شخص يولد في الولايات المتحدة. كما أعاد ترامب الأمر الذي كان قد أصدره في ولايته الأولى، الذي أنشأ تصنيفًا جديدًا لموظفي الخدمة المدنية الفيدرالية –”الجدول ف”- الذي من شأنه أن يلغي الحمايات على الخدمة المدنية ويسمح له بإزالة عشرات الآلاف من المدرجين على كشوف الرواتب الفيدرالية.
يبقى المسؤولون رفيعو المستوى في وزارة العدل ووكالة الاستخبارات المركزية معرضين للخطر بشكل خاص. في اليوم الأول، استبدل ترامب رؤساء ثلاثة من أهم مكاتب المدعين العامين الأميركيين، بالإضافة إلى إقالة المسؤولين المهنيين الرئيسيين في أهم أقسام وزارة العدل. وكان هذا العمل بداية تسليح وزارة العدل. وتشير هذه الخطوات إلى الأزمة الديمقراطية التي تواجهها الأمة من مدير جديد لمكتب التحقيقات الفيدرالي، (كاش باتيل)، القادم مع قائمة من الأعداء؛ ومن مديرة جديدة للمخابرات الوطنية (تولسي غابارد) حريصة على إثبات ولائها لدونالد ترامب. وما يزال باتيل وغابارد ينتظران المصادقة على تعيينهما.
في الوقت نفسه، اتخذ المسؤولون الذين عينهم ترامب بالفعل خطوات تتراوح من غير المثمرة إلى الصبيانية المحضة. فقد أمر مستشار الأمن القومي الجديد، مايكل والتز، الذي لا يحتاج تعيينه إلى مصادقة من الكونغرس، بإخراج جميع المساعدين من غرفة العمليات في البيت الأبيض بحلول ظهر يوم 20 كانون الثاني (يناير) قبل أن يكمل ترامب أداء اليمين الدستورية. ويشغل غرفة العمليات أكثر من مائة موظف ليسوا معيَّنين سياسيًا، الكثير منهم معارون من مجتمع الاستخبارات للتعامل مع نقاط الأزمة الدولية الحساسة. ونتيجة لأمر والتز، لن يكون هؤلاء في وضع يسمح لهم بتقديم إيجازات للموظفين القادمين. ومن المفترض أن هذه كانت طريقة والتز لإظهار الولاء للرئيس الجديد.
وثمة فعل تافه ومثير للشفقة بشكل خاص، هو إزالة صورة الجنرال مارك ميلي من الرواق “ي” المرموق في الطابق الخامس من مبنى البنتاغون، الذي يحتوي على صور لجميع الرؤساء السابقين لهيئة الأركان المشتركة. تم ذلك بعد عدة ساعات فقط من عفو الرئيس السابق، جو بايدن، عن ميلي. وأشار ترامب إلى أنه يمكن إعدام ميلي بتهمة الخيانة بسبب اتصاله بنظيره الصيني لطمأنته بأن الولايات المتحدة “مستقرة بنسبة 100 في المائة” في أعقاب تمرد 6 كانون الثاني (يناير). ويرفض البنتاغون أن يقول مَن هو الذي أمر بإزالة صورة ميلي، مما ساهم في إثارة المخاوف بين الجنرالات والأدميرالات رفيعي المستوى من حدوث تغيير كبير قريبًا. وقد صرح بيت هيغسيث، الذي ما يزال ينتظر المصادقة على تعيينه، في مناسبات عديدة أن هناك عددًا كبيرًا جدًا من الجنرالات والأدميرالات من فئة الأربع نجوم، وأنه ليس هناك أحد فوق المراجعة. ومثل والتز وباتيل، سيكون هيغسيث حريصًا على إثبات ولائه لترامب.
تزيد حقيقة أن خطاب تنصيب ترامب المزعج ألقي في يوم عطلة تكريم الدكتور مارتن لوثر كينغ من منسوب القلق الذي يشعر به الكثير منا. إن سيادة القانون لا تعني شيئًا لدونالد ترامب، الذي يبدو ملتزمًا بكسر التقاليد والمؤسسات العريقة. وفكرة ترامب عن القانون والنظام هي العفو عن المتمردين الذين هددوا بقتل نائب الرئيس، مايك ترامب.
تشير حقيقة أن لدى ترامب أتباعًا مخلصين لعقيدة “جعل أميركا عظيمة مرة أخرى”، وحزبًا جمهوريًا يدعم كل تحركاته، ومحكمة عليا مطيعة، إلى قدوم ولايات متحدة أميركية أقل ديمقراطية بكثير. كان أحد الأسئلة الأساسية في دراسة التاريخ هو ما إذا كان القادة الأفراد يشكلون التاريخ أو ما إذا كانت القوى التاريخية هي التي تشكل القادة الأفراد. وأعتقد أننا سنحصل قريبًا على إجابة لهذه المعضلة، ولن تكون مطمئنة.
*ملفين أ. غودمان Melvin A. Goodman: زميل أقدم في مركز السياسة الدولية وأستاذ الحكومة في جامعة جونز هوبكنز. محلل سابق لوكالة المخابرات المركزية، غودمان هو مؤلف كتاب “فشل الاستخبارات: تراجع وسقوط وكالة المخابرات المركزية” Failure of Intelligence: The Decline and Fall of the CIA and National Insecurity: The Cost of American Militarism؛ و”انعدام الأمن القومي: تكلفة النزعة العسكرية الأميركية” National Insecurity: The Cost of American Militarism؛ و”مبلغ عن المخالفات في وكالة المخابرات المركزية” A Whistleblower at the CIA. أحدث كتبه هي “المذبحة الأميركية: حروب دونالد ترامب” American Carnage: The Wars of Donald Trump (منشورات أوبس، 2019)؛ و”احتواء دولة الأمن القومي” Containing the National Security State (منشورات أوبس، 2021).
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Return of Donald the Destroyer