انطلاق أيام قرطاج لفنون العرائس تحت شعار “ماريونات فن وحياة”
ترفع الدورة السادسة لأيام قرطاج لفنون العرائس في تونس شعار “ماريونات، فن وحياة”، وهو شعار دائم للمهرجان العرائسي الذي أعاد إحياء “ثقافة القرب” حيث يجول بعرائسه شوارع تونس إلى جانب عروضه في الصالات. وانطلقت فعاليات الدورة السادسة السبت بمدينة الثقافة بالعاصمة وتستمر إلى الثامن من فبراير الجاري بمشاركة عروض من 19 دولة وحضور أكثر من 100 فنان متخصص في تصميم وتحريك الدمى.
تضمن حفل الافتتاح الذي أخرجه أسامة الماكني عرضا مهدا للأطفال الفلسطينيين مستلهما من واقعة الطفل يوسف الذي عرفه العالم في الحرب الأخيرة من خلال فيديو أمه التي كانت تصرخ بحثا عنه في أحد مستشفيات قطاع غزة مرددة “أبيضاني وحلو وشعره كيرلي.”
وقالت المديرة العامة للمركز الوطني لفن العرائس ومديرة المهرجان منية عبيد المسعدي إن هذه الدورة “تحتفي بالطفل الفلسطيني ولن يقتصر هذا على حفل الافتتاح بل سيكون حاضرا أيضا في أحداث الفيلم التحريكي الأول الذي أنتجه مركز فنون العرائس بعنوان ‘طرف الخيط’ الذي سيعرض ضمن برنامج أفلام التحريك في السادس من فبراير الجاري.”
وكرم المهرجان في الافتتاح فنان العرائس مختار المزريقي وفني الإكسسوارات وسيم مبروك وصانع العرائس طاهر الدريدي. وسبقت الافتتاح الرسمي فقرات وأنشطة تفاعلية كانت الدمى العملاقة جزءا منها وهي الدمى التي صممها طلاب المعهد العالي للفن المسرحي تحت إشراف فنان العرائس البرازيلي باولو نازارينو.
كما قدم الفنان سامي دربز عرضا غنائيا راقصا مستمدا من الموروث الثقافي التونسي جمع بين كلمات تتغنى بقصص من التراث الشعبي وشخصيات خيالية مستوحاة من قصص الجدات. ورغم نقل الأنشطة التي كانت مقررة في الساحات الخارجية إلى داخل بهو مدينة الثقافة بسبب الأمطار فإن الفقرات المعبرة عن الثقافات العالمية لاقت تفاعلا كبيرا من الحاضرين، حيث جاب التنين الصيني والدمى المستوحاة من الحضارة المصرية القديمة أرجاء المكان.
وشارك عرض “المَسْخْ” للمخرج التونسي أسامة الحنايني في رفع ستار الدورة السادسة، حيث أخذ الجمهور في رحلة فنية ابتكارية تسمح باستكشاف مفهوم الاغتراب في سياقات غير تقليدية. وقدم العرض ترجمة فنية ومضمونية للعنوان “المسخ” الذي يعكس عمق الشعور الإنساني، فمصطلح المسخ، وفق أسامة الحنايني، “ما هو إلا تعبير عن التحول النفسي الداخلي الذي يعيشه الإنسان عند تعرضه لمشاكل وأزمات تنقص من إنسانيته وتشعره بالاغتراب عن نفسه وعن بيئته المحيطة”.
ولئن بعثت أيام قرطاج لفنون العرائس لتكون نافذة مفتوحة على العالم تستقبل كل العرائسيين والمتفرجين، انطلاقا من سن الطفولة المبكرة حتى الشيخوخة، فإن هذا العرض قدم ضمن القسم الموجه للكبار بوصفه شديد الارتباط بمفاهيم معقدة كالوحدة والعزلة والاغتراب. ويجد عرض “المَسْخْ” في عالم الدمى مساحة واسعة للتعبير عن الأفكار المعقدة، حيث اختار الحنايني أن يبعث الحياة في العرائس في أولى تجاربه في الإخراج والكتابة المسرحية.
وعن ذلك، قال الحنايني في تصريحات لموقع ميدل إيست أونلاين إن “استخدام مسرح العرائس للتعبير عن موضوع مثل الوحدة والعزلة والاغتراب يمكن أن يكون وسيلة قوية للغاية، فمسرح العرائس، بفضل طبيعته الرمزية، يتيح للفنانين إمكانية استكشاف الأفكار والمشاعر بطريقة غير مباشرة، مما يوفر مساحة للتعبير عن العمق النفسي والوجودي للإنسان.”
وأضاف أن “مسرح العرائس يمكن أن يخلق عوالم غير حقيقية أو متخيلة، وهذا يسمح باستكشاف مفهوم الاغتراب في سياقات غير تقليدية. ويمكن أن تمثل العرائس كائنات معزولة في عالم خيالي، مما يجعل هذه الغربة أكثر تأثيرًا على المتلقي.
وتابع أن “مسرح العرائس يمكن أن يساعد أيضا في نقل الأفكار المعقدة كالتي يحملها مشروعنا بطريقة مباشرة وفعالة. من خلال الحركات البسيطة والتفاعل بين العرائس، يمكن نقل عدة مشاعر بطريقة تلامس القلب.. كذلك هي تسمح لنا بخلق بيئة درامية خاصة حيث تكون العزلة والتفاعل مع الآخر موضوعا مركزيا، بينما يظل دائما في إطار فني يعكس عمق الشعور الإنساني.”
وعرض “المَسْخْ” الذي يشارك في أدائه كل من أميمة المجادي، خلود الثابت، خلود الناعس، هيثم وناسي، أسامة الحنايني، محمد علي الكشطاني وغسان السويسي، هو عمل مقتبس عن رواية “التحول” للكاتب التشيكي اليهودي فرانز كافكا. ووصفت هذه الرواية القصيرة التي نُشرت لأول مرة عام 1915 بأنها أحد أفضل أعمال الخيال الشعري، فهي من أشهر أعمال القرن العشرين وأكثرها تأثيرا، حيث تتم دراستها في العديد من الجامعات والكليات في العالم الغربي.
وعن سبب اقتباس الحنايني لأول أعماله المسرحية التحريكية من هذه الرواية، قال “قد قرأت هذا الأثر منذ زمن وعدت إليه لتقارب مواضيعه مع ما تعيشه البشرية من اختلال في التوازن النفسي الفردي والجماعي اليوم وهنا”، لافتا إلى أن “العمل غير ناطق بأي لغة، ولا يحمل نصا لكنه يحمل معاني مضمنة وهذا ما يجعل الأثر كونيا.”
ويعبر عرض “المَسْخْ” وهو من إنتاج شركة كاريزما مع مشاركة المركز الوطني لفن العرائس ومسرح أوبرا تونس والمسرح الوطني، والمدعوم من قبل وزارة الشؤون الثقافية، من خلال مشاهده ومن ثم جوانبه التقنية والجمالية عن القلق الدائم والشعور بالاغتراب انطلاقا من الذات وصولا إلى نواة المجتمع الأولى، فالعالم بأسره الذي تكسوه اغترابات لا حصر لها أدى إلى صراعات وحروب إقليمية، على حد وصف الممثل حسام الدين زريبي.
ورأى زريبي أن “المَسْخْ عمل يرسم للمشاهد مشاهد مأساوية متباينة أدائيا عبر ما يسمى بالتجليات الكفكاوية الكبرى انطلاقا في ذلك وحسب رؤية المخرج الشاب من مفردات تفكيكية قد نستجلي معانيها بوضوح من خلال توزيعات هذا الأخير المرئية في فضاء العرض والتصورات السينوغرافية بما هي مرئية”.
ويذكر أن برنامج المهرجان هذا العام يتضمن 33 عرضا فنيا متنوعا، منها 25 عرضا دوليا وعربيا، بالإضافة إلى 8 عروض تونسية. كما يخصص المهرجان عروضا موجهة لجميع الفئات العمرية، حيث سيكون هناك 25 عرضا للأطفال والعائلات، بينما سيتم تقديم 8 عروض مخصصة للكبار. هذا التنوع يعكس اهتمام المهرجان بتوفير تجارب فنية غنية للزوار من جميع الأعمار، ويعزز من مكانته كأحد المهرجانات الرائدة في مجال فنون العرائس.
ولا تقتصر فعاليات المهرجان على العروض فقط، بل تشمل أيضًا 11 ورشة عمل فنية لتعليم صناعة وتحريك العرائس، إضافة إلى 4 ماستر كلاس يقدمها خبراء دوليون في هذا المجال. من أبرز المحاضرين هذا العام الفنان البرازيلي باولو برناردو، الذي يشرف على ورشات لصناعة العرائس العملاقة في الإقامة الفنية بمشاركة طلبة المعهد العالي للفن المسرحي. كما سيتم تناول موضوعات مثل “مستقبل فنون العرائس في السعودية” والكتاب الإماراتي لعدنان سلوم حول “فنون العرائس في التراث العربي”.
إلى جانب ذلك يتيح المهرجان للهواة والمبدعين الجدد فرصة عرض أعمالهم من خلال قسم خاص بالعروض الهواة، عبر تقديم عملين من دار الثقافة باب بحر بصفاقس، وعملين من مؤسسة ربع قرن للمسرح من الإمارات العربية المتحدة. وعلى هامش العروض، ينظم المهرجان معرضا عرائسيا وتجاريا يشارك فيه حرفيون وعرائسيون تونسيون، بهدف دعم الاقتصاد الثقافي المحلي وتعزيز تبادل الخبرات بين المبدعين والفنانين المحليين والدوليين.