حرب غزة: مفاوضات تحت الإبادة الجماعية.. هل يحسمها الرئيس ترامب؟
بقلم: حسين دعسة

النشرة الدولية –
الدستور المصرية –
هناك اعتقاد يجتاح الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الاستعمارية، وإعلام متضارب الاتجاهات والنتائج فى دولة الاحتلال الإسرائيلى الصهيونى، أن ألاعيب السفاح نتنياهو باتت مكشوفة، وأنه داخل صورة هتلر الألفية الثالثة، وانكشفت سياساته الصهيونية المتطرفة مع قرب انهيار ائتلافه حكومة اليمين المتطرف التوراتى.
يحدث ذلك أمام شهود من المجتمع الدولى والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولى، وحيرة الإدارة الأمريكية والبنتاغون والرئيس الأمريكى ترامب، الذى يدرس، وفق معلومات دبلوماسية واجتماعات سرية مع إدارته والبيت الأبيض والبنتاغون، أن تقود أمريكا نهاية المفاوضات وتدعم حل نهاية الحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة ورفح والاقتحامات المتواصلة على الضفة الغربية والقدس، وفق تسريبات أشار إليها البروفيسور «إيال زيسر»، نائب رئيس جامعة تل أبيب والخبير فى شئون الشرق الأوسط، الذى يرى، وفق تحليل لما يتسرب من وقائع وحراك الإدارة الأمريكية:
«أن استمرار هذا التردد، فى قرار المفاوضات مع حركة حماس، والدول الوسطاء، الولايات المتحدة الأمريكية، وقطر ومصر، سيؤدى إلى فقدان دولة الاحتلال الإسرائيلى زمام المبادرة، ما سيدفع الولايات المتحدة- لاحقًا- لفرض تسوية سياسية وفق مصالحها، مشددًا على أن «إسرائيل لا تستطيع بعدها لوم أحد سوى نفسها».
فشل المفاوضات يحرك غضبًا عالميًا بوجه الاحتلال الصهيونى.
قطر، وفق تقرير لموقع المدن اللبنانى، تُحذّر من فشل المفاوضات وسط غضب عالمى بوجه الاحتلال الإسرائيلى الصهيونى، من استمرار العمليات العسكرية وحرب الإبادة الجماعية على غزة ورفح وكل قطاع غزة وتداعياتها الإنسانية.
وفى التقارير التى انشغل بها الإعلام الدولى والإسرائيلى والعربى، أعرب وزير الدولة القطرى فى وزارة الخارجية، محمد الخليفى، عن «إحباطه الشديد» من تعثّر مفاوضات الهدنة فى غزة، محذرًا من استمرار العمليات العسكرية وتداعياتها الإنسانية.
مقابلة الخليفى، أوردتها وكالة «فرانس برس»، وفيها أكد: نشعر بالإحباط من بطء التفاوض، هناك أرواح على المحك إذا استمر القتال يومًا آخر.
الوزير الخليفى، قال إن الدوحة، بالتنسيق مع مصر والولايات المتحدة «الدول الوسطاء»، تواصل العمل على «إحياء الاتفاق الذى أقرّه الجانبان»، رغم تعنّت إسرائيل ورفضها تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق الهدنة الثلاثى منذ 18 مارس/آذار.
يأتى هذا التنبيه والتحذير، فى وقت أثيرت فيه تساؤلات، عن نوايا السفاح نتنياهو وجيش الكابينت والشاباك:
هل ينوى الجيش الإسرائيلى تقسيم مدينة غزة إلى قسمين؟
ذلك؛ أن «المناطق التى وصل إليها الجيش الإسرائيلى تشهد تدمير البنى التحتية العسكرية، وتبقى القوات هناك لتعميق السيطرة».
.. وفق ما أشارت «صحيفة النهار» البيروتية، وهى تقارت بين:
اتهامات إسرائيلية ورفض قطرى
وتعرضت قطر وخلال جولات الوساطة، لهجمات إعلامية وسياسية من الحكومة الإسرائيلية، خصوصًا من السفاح نتنياهو، الذى اتهم الدوحة بتمويل «حماس» والتحريض ضد إسرائيل فى الجامعات الأمريكية.
ورفضت الدوحة هذه الاتهامات، وفق الوزير الخليفى، ووصفتها بـ«حملة تشويه»، مؤكدة أن مساعداتها الإنسانية لم تُسلم لحماس، لا عسكريًا ولا سياسيًا، وشدد مكتب الإعلام الدولى فى مارس/آذار على أن الاتهامات الإسرائيلية «كاذبة».
وقال «الخليفى» إن الانتقادات المتكررة من نتنياهو «مجرد ضجيج بلا أساس»، وإن كل ما تقوم به بلاده فى ملفات الشراكات الدولية والجامعية يتم بشفافية كاملة.
نداء البابا فرنسيس فى قداس عيد الفصح.
فى ذات السياق، دعا البابا فرنسيس فى قداس عيد الفصح، إلى وقف فورى لإطلاق النار فى غزة، والإفراج عن الرهائن، وتقديم المساعدات للمدنيين، مشيرًا إلى «وضع إنسانى مؤسف ومخزٍ».
وقال البابا «أدعو الأطراف إلى وقف إطلاق النار.. الشعب الفلسطينى يتطلّع إلى سلام»، وأضاف: «أعرب عن تعاطفى مع كل من الشعب الإسرائيلى والشعب الفلسطينى».
البابا، الذى أمضى 38 يومًا فى مستشفى جيميلى بروما بعد إصابته بالتهاب رئوى ومشاكل فى الكلى، سبق أن وصف الحرب على غزة بأنها «ليست حربًا بل وحشية»، وحذّر من أن ما يجرى قد يرقى إلى «إبادة جماعية».
ووفق بيان من حضرة الفاتيكان، تأكيد أن البابا يدعو لوقف إطلاق النار فى غزة، من خلال رسالته إلى العالم بمناسبة عيد الفصح، داعيًا بشدة، إلى وقف إطلاق النار فى غزة، وتقديم المساعدة لأهلها «المتضررين جوعًا».
البابا فى رسالته، السنوية التى قرأها من على شرفة البازيليك فى الفاتيكان أحد معاونيه، أثار مأساة الحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة ورفح، قائلًا: «يتوجّه فكرى إلى شعب غزة، ولا سيما إلى الجماعة المسيحية فيها، حيث لا يزال النزاع الرهيب يولِّد الموت والدمار، ويسبب وضعًا إنسانيًا مروّعًا ومشينًا».
«أمام قسوة الحروب التى تطال المدنيين العُزَّل، وتستهدف المدارس والمستشفيات والعاملين فى المجال الإنسانى، لا يمكننا أن ننسى أن الأهداف التى تتعرّض للقصف، ليست أهدافًا وإنما أشخاص يملكون روحًا وكرامة»، فى إشارة منه إلى جرائم الاحتلال فى غزة، وفق بيان الفاتيكان.
ماذا بعد حراك المجتمع الدولى والإنسانى؟
منذ نهاية شهر رمضان وإلى عيد الفطر، وصولًا إلى عيد الفصح، شهدت عدة عواصم ومدن عربية وغربية وتصاعدت خلال ٢٤ ساعة الأخيرة، مظاهرات حاشدة تطالب بوقف الحرب فى غزة وإنهاء المجازر الإسرائيلية. وجابت مسيرات شوارع مدينة باريس، رفضًا لـ«حرب الإبادة»، داعية لمحاكمة قادة الاحتلال. وفى مدن ألمانية، رفع متظاهرون شعارات تطالب بوقف تصدير الأسلحة لإسرائيل واحترام القانون الدولى.
ورفع المتظاهرون لافتات كُتب عليها: «هناك مجزرة فى فلسطين»، «أوقفوا الحرب»، و«إبادة جماعية فى غزة»، مردّدين هتافات تدعو إلى وقف إطلاق النار، ورفع الحصار عن القطاع.
يأتى هذا الحراك الشعبى فى وقت تتعالى فيه الأصوات الدولية لفتح ممرات إنسانية وإطلاق تسوية سياسية عادلة تنهى المعاناة المستمرة منذ أكثر من 6 أشهر.
التحليل الحاتمى، أن المجتمع الدولى والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولى، وكل المنظمات الدولية الإقليمية والدول الكبرى، تتابع فحوى ردود الفعل أمام تصاعد الانتقادات غير المسبوقة فى الداخل الإسرائيلى، من قيادات أمنية وسياسية ضد الجيش الإسرائيلى الصهيونى وحكومة اليمين الإسرائيلى المتطرفة، بقيادة السفاح نتنياهو.
فى ذلك، جاءت تأكيدات الجنرال الإسرائيلى المتقاعد «إسحاق بريك»، القائد السابق للفيلق الجنوبى، أن «إسرائيل خسرت الحرب»، مشيرًا إلى أن «الجيش دمّر أقل من 10% من أنفاق حماس، خلافًا لما أُعلن رسميًا».
وأضاف: «عدد مقاتلى المقاومة عاد إلى 30 ألفًا، والجيش يكذب على الجمهور بمساعدة الإعلام»، محذّرًا من «انهيار الدولة وتحوّل الانقسام الداخلى إلى فوضى أهلية».
وفى الاتجاه ذاته، قالت عضوة الكنيست السابقة «عينات ويلف» إن «حركة حماس لا تزال متمسكة بشروطها»، ودعت إلى الاعتراف بالفشل: «فلنستسلم ولننقذ المخطوفين، لا يمكن الانتصار مع هذه الحكومة».
كما اتهمت رئيس الأركان المرتقب، إيال زامير، بالخضوع السياسى مقابل المنصب، بعدما تعهّد للسفاح نتنياهو بتحقيق ما فشل فيه سلفه المجرم هرتسى هاليفى.
أيضًا، وهذا يعزز تحليل ما آلت إليه سياسات السفاح، إذ ناشد عادى ألكسندر، والد المختطف الأمريكى الإسرائيلى عيدان ألكسندر، الرئيس الأمريكى جو بايدن التفاوض المباشر مع «حماس» لإطلاق سراح الرهائن، قائلًا فى مقابلة مع رويترز: «كل شىء عالق، وعدنا إلى الوضع الذى كنا فيه قبل عام.. إنه أمر مقلق حقًا».
من جانبها، كانت «حماس» قد نشرت مقطع فيديو للمختطف فى عيد الفصح مع تعليق «الوقت ينفد»، ظهر فيه عيدان بوجه مشوّه، قائلًا: «أريد أن أصدق أننى سأعود، الجميع كذبوا على».
وفى مقطع آخر، ظهر مخاطبًا القادة: «لقد نسونا هنا، لقد انهرت من شر الحكومة والعالم. نتنياهو يعامل إسرائيل كديكتاتور». كما كشف عن مفاوضات متعثرة: «قبل 3 أسابيع كانت حماس مستعدة لإطلاق سراحى، لماذا ما زلت هنا؟».
وختم والده الرسالة بنداء مؤثر: «صدق فقط يا عيدان لم ينسك أحد. الجميع يُناضل من أجلك، فى أمريكا، وفى إسرائيل أيضًا».
المؤسف، أن ذلك يحدث، وسط استمرار الضربات الجوية الصهيونية، ما يُشكّل إمعانًا بمواصلة المجازر وحرب الإبادة التى يواصلها السفاح نتنياهو وجيش الكابينت والشاباك، وما زالت الولايات المتحدة الأمريكية تراقب وتدعم هذه الحرب.
هل ينوى الجيش الإسرائيلى تقسيم مدينة غزة إلى قسمين؟
من طبيعة الحدث، حرب الإبادة الجماعية والتهجير ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية، أن تكون لها مخططات سرية، هى نتاج حكومة التطرف التوراتية، إذ أعيد طرح عديد الأسئلة، وهى، فى التحليل الجيوسياسى الأمنى، تعنى المزيد من استعراض القوة وعشوائية حرب السفاح نتنياهو، التى هى نتاج فكر مدمر، إبادة جماعية أقرت وفق قرارات الإدانة، من المحكمة الجنائية الدولية.
الإعلام الإسرائيلى، ومنه موقع «واللاه نيوز» أشار فى نهاية الأسبوع الماضى، إلى أنه «مع انهيار اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس ودخول رئيس الأركان، إيال زامير، كان هناك توقع بانتقال سريع إلى حرب واسعة النطاق ومتزامنة، لكن عمليًا، فرض رئيس هيئة الأركان الغموض على الخطوات التالية، وركز على تنظيم القوات فى شمال ووسط وجنوب قطاع غزة، وشجع على السيطرة المتجددة على محور موراغ، ووجه بتكثيف التدمير والسيطرة على الجانب الفلسطينى».
النظر إلى ذلك، يكشف عدوانية دولة الاحتلال الإسرائيلى العنصرية، ذلك: «إن عملية الغموض، وفق مصادر، «واللا الإسرائيلى»: لا تتعلق فقط بالأفعال الحقيقية التى يقوم بها الجيش الإسرائيلى، بل تتعلق أيضًا بالسؤال عما إذا كان المستوى السياسى قد قاد الجيش الإسرائيلى إلى حرب ستستمر لسنوات مقبلة، وبالتالى لا يوجد أى اندفاع لتحقيق السيطرة السريعة على قطاع غزة».
عمليًا وفق المصدر:
أولًا:
«هناك أمر واحد واضح؛ إذا كان هذا التحرك البطىء والمكثف يهدف إلى إزاحة حماس من السلطة، فهو أسلوب تعرف حماس كيف تتكيف معه. وفى الممارسة العملية، لا تزال حماس تسيطر بقوة على غزة، وخان يونس، والنصيرات، ودير البلح، وغيرها. وسع الجيش الإسرائيلى خلال الأسبوعين الأخيرين من عمله فى منطقتى التفاح والشجاعية».
ثانيًا:
«إن أولئك الذين يعرفون المنطقة جيدًا يدركون أنه إذا استمر هذا الاتجاه فى الأسابيع المقبلة، فيمكن التقدير أنه بمناورة بطيئة فى نطاق 3-4 كيلومترات، سوف يتمكن الجيش الإسرائيلى من عبور مدينة غزة.
ثالثًا:
من شأن هذه العملية أن تؤدى إلى تقسيم مدينة غزة إلى قسمين من خلال السيطرة على شارع عمر المختار. هذا هو الشارع الرئيسى لمدينة غزة. يبدأ عند ساحة فلسطين وينتهى عند الساحل. ويفصل الشارع حى الدرج عن حى الزيتون، ويضم العديد من المبانى الحكومية والمراكز التجارية والأسواق المركزية لقطاع غزة».
رابعًا:
أن «الجيش الإسرائيلى لا يقاتل فعليًا. العدو الذى يبلغ عدده نحو 20 ألف رجل مسلح، يوجد خلف المبانى، وتحت الأرض، وفى بعض الأحيان يخرج لتنفيذ عمليات قنص، أو إطلاق قذائف مضادة للدروع، أو تفجير عبوات ناسفة، أو إطلاق قذائف الهاون».
خامسًا:
يحاول جيش الكابينت والشاباك، الحفاظ على المناطق العازلة بالقرب من حدود قطاع غزة داخل الأراضى الفلسطينية، تعمل قوات الجيش فى رفح فى الجنوب، حيث تعمل على تعزيز وتوسيع السيطرة على محور موراغ، وتسيطر جزئيًا على محور نتساريم، وتنفذ مناورة بطيئة للغاية تتضمن تدميرًا هندسيًَا فى بيت حانون، وبيت لاهيا، والدرج والتفاح، والشجاعية، وغيرها».
سادسًا:
توجيهات المستوى السياسى والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، فإن المناطق التى وصل إليها الجيش الإسرائيلى تشهد تدمير البنى التحتية العسكرية، وتبقى القوات هناك لتعميق السيطرة. وتقترب نسبة سيطرة الجيش الإسرائيلى فى المنطقة الآن من 40% من المنطقة. وفى المناطق المتبقية، ينفذ الجيش الإسرائيلى غارات جوية وعمليات برية دقيقة».
سابعًا:
قالت إذاعة الجيش الإسرائيلى: «إن تقديرات الجيش الإسرائيلى تفيد بأن حماس تعمل وفق استراتيجية الحفاظ على القوة؛ ذلك انها تتجنب الاحتكاك المباشر مع قوات الجيش فى العمليات البرية فى قطاع غزة. فمنذ استئناف القتال لم تقع سوى اشتباكات قليلة بين المسلحين الفلسطينيين وقوات الجيش».
ثامنًا:
شهدت منطقة محور موراغ، خروج مجموعة من المقاومة من حركة حماس، المسلحين من نفق وتبادلت إطلاق النار مع قوة من كتيبة جولانى وخلال الاشتباك أصيب قائد سرية بجروح. الحادث الثانى وقع أمس فى شمال قطاع غزة، عندما خرج مسلحون من نفق وأطلقوا قذيفة آر بى جى على قوات الجيش من مسافة قريبة.
تاسعًا:
تحاول حماس تعزيز إطلاق الصواريخ بعيدة المدى وقذائف الهاون وعمليات القنص والصواريخ المضادة للدروع بشكل رئيسى.
.. والتقدير الميدانى بأن «حماس تستعد للمناورة الكبرى التى سيقوم بها الجيش الإسرائيلى فى قطاع غزة، ولذلك فهى تستثمر بشكل رئيسى فى زرع العبوات».
سبت النور ما بين الإبادة والمجازر فى غزة
تأتى الأعياد الدينية المقدسة، إسلاميًا ومسيحيًا، لتضع المزيد من الأحزان على ما تشهده غزة ورفح والضفة الغربية والقدس والداخل المحتل، من الآلام، والمجازر والاقتحامات العسكرية فى الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية بالقدس، وتحديدًا فى المسجد الأقصى المبارك، وجوار بيت المقدس كنيسة القيامة.
الباحثة، «مرال قطينة» نشرت فى صحيفة «النهار» البيروتية، صورة ما يحدث وسط الإبادة الجماعية والتهجير ومحاولات التصفية، ووضعت رؤية لفهم المقدس الفلسطينى الحضارى الإنسانى، وعادت فى بحثها إلى ما قبل 99 عامًا، عندما التقطت عينا الصحافى والكاتب الروائى اليونانى نيكوس كازنتزاكيس احتفالات «سبت النور» فى كنيسة القيامة فى القدس. فى عام 1926، جاء على ظهر سفينة وسط قافلة من اليونانيين للمشاركة فى احتفالات عيد الفصح فى فلسطين، كان كازنتزاكيس موفدًا من صحيفة «اليغيثروس لوغوس» اليونانية لتغطية احتفالات الأسبوع المقدس. وفى عام 1927 نشرت هذه اليوميات فى كتاب اطلق عليه اسم «ترحال»، واصفًا المشهد بدقة بالغة.
«فى صباح يوم السبت المقدس داخل كنيسة القيامة، التى كانت تطن كخلية نحل عظيمة، حيث الحشود البشرية من المسيحيين العرب بعيونهم الغائمة، يطلقون صيحاتهم، يرتدون الطرابيش والجلاليب الملونة، يتسلّقون الأسطح القرميدية للكنيسة، رجال ونساء قضوا ليلتهم هناك.. ممدّدين على حصر من القش وسجاجيد وخرق، تحت أعمدة الكنيسة منتظرين تلك اللحظة الرهيبة، التى يبزغ فيها النور الربانى من مظلة هذا القبر المقدس.
بعد برهة، نزل الأرمن إلى الساحة، ثم جاء دور الأقباط والسريان والأحباش، والرعاة البدو والموارنة، كان هناك خمسة من الروس ذوى الشعر الكتانى، وبعض الأمريكيين المتجمدين من البرد، كان منظرهم مثيرًا للسخرية وسط هذا الأتون الآسيوى المتوهج، بعد ذلك تقدمت نسوة بيت لحم، ورمين بأنفسهن داخل هذه الأمواج المختلطة الألوان.
.. وتابعت عن كازنتزاكيس اليونانى: بدأت الاحتفالات وقرعت الأجراس وارتفعت الأيدى، ورقصت الأقدام ووثبت القلوب وتعالت الصيحات للرب المخلص، حتى لو لم يحضر الرهبان والمثقفون الى الكنيسة، فإن الفلاحيين كانوا قادرين وحدهم على بعث الرب، كانوا قادرين على إجباره على التكون فى السماء، ومن ثم النزول الى الأرض بأقصى سرعة، فكرة أو خيالًا، لكنه هذه المرة سينزل بهيئته وصوته ليقدموا إليه السمك والعسل وسيكون قادرًا على الأكل».
قطينة: درب آلام سنوية
تقف «قطينة» بعد قرن من الزمان، تقول:
يبدو المشهد أكثر سريالية، وبعيدًا جدًا من الصورة النمطية التى تعبق بالخشوع والكثير من الإيمان والاحترام لقدسية المكان. لسنوات مضت، احتفل الفلسطينيون المسيحيون- فى الواقع- والمسلمون أيضًا فى القدس بسبت النور، وكانت الحشود البشرية تأتى من سائر بقاع الأرض لرؤية فيضان النور الإلهى ينبثق من القبر المقدس، من دون أى حادثة تذكر، وكانت الكنيسة وساحتها ومحيطها تعج بالحجاج من كل حدب وصوب وتتسع لأعداد كبيرة من المؤمنين.
ليبدو اليوم الفارق بين عالمين مختلفين وتظهر تلك الهوة الكبيرة بينهما، ما كان قبل الاحتلال الإسرائيلى لا يشبه إطلاقًا ما بعده، خلال قرابة 60 عامًا على احتلال القدس، ولجم الحريات والإكراه الدينى والقيود والإجراءات التى تتخذ شكلًا أشد تعقيدًا عامًا بعد آخر، تطغى المظاهر العسكرية والأمنية المشددة على بوابات البلدة القديمة وسط احتفالات العيد السنوية.
.. وفى صورتها، ترسم ما يعكس الواقع المؤلم:
خلال أسبوع الآلام، تتحوّل البلدة القديمة ثكنة عسكرية، ويتحول طريق الحجاج والمؤمنين إلى القبر المقدس فى كنيسة قيامة السيد المسيح إلى درب آلام سنوية، حيث تنزل النار المقدسة على 33 شمعة بيضاء مرتبطة بعضها ببعض داخل القبر- لتكوّن شعلة مضيئة بقوة القيامة وبأن المسيح قد هزم الموت وقام من بين الأموات.
.. وصف الحدث المقدس: معجزة تتكرر كل عام فى أهم كنائس العالم وأقدمها، بينما هى غارقة فى مئات الحواجز ومحاطة بعناصر من الشرطة والجيش الإسرائيليين، كل قرابة 20 مترًا، تحول دون وصولهم إلى القبر المقدس، لا تفرّق الحواجز بين الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين، تعرقل وصولهم تحصرهم بزوايا البلدة القديمة وأزقتها تحت أشعة الشمس الحارقة، فمن جهة تحدد السلطات الإسرائيلية أعمار المصلين 50 عامًا وما فوق لمنع وصول الإصغر سنًا الى الحرم القدسى الشريف، ومن جهة أخرى تحد من أعداد المصلين الى 1800 ولا تسمح لهم بالوصول أو الدخول إلى كنيسة القيامة وساحتها، ويتعرّض كل من يعترض على هذه الإجراءات للضرب والسحل والتنكيل من الشرطة الإسرائيلية.
كل ذلك ينقل ما فى الحقائق.. كيف؟
بالعودة إلى ما حذر منه البروفيسور إيال زيسر، نائب رئيس جامعة تل أبيب والخبير فى شئون الشرق الأوسط، من أن إسرائيل تخوض حربًا طويلة الأمد فى قطاع غزة دون استراتيجية واضحة ودون رغبة سياسية فى حسمها.
.. وإلى أن «حرب الأشهر الـ ١٨» ضد حركة حماس باتت تتجه نحو الفشل، ليس بسبب قدرة العدو فقط، بل نتيجة التخبط فى إدارة المعركة من قبل القيادة السياسية الإسرائيلية.
«زيسر»، فى مقال نشرته صحيفة «إسرائيل هيوم»، حلل الحقيقة، أن الجيش الإسرائيلى لا يزال بعيدًا عن تحقيق النصر فى غزة، رغم مرور أكثر من عام على بدء الحرب، معتبرًا أن غياب الأهداف الواضحة والتخطيط العملياتى أديا إلى إطالة أمد المعركة دون نتائج حاسمة.
وأشار إلى أن الإخفاقات فى بداية الحرب عقب هجوم 7 أكتوبر، كانت متوقعة بسبب صدمة الحدث وانهيار المنظومات العسكرية والسياسية، إلا أن استمرار تلك الإخفاقات بعد شهور من القتال يظهر فشلًا فى استخلاص الدروس وتحديد أهداف واضحة يمكن ترجمتها إلى إنجازات ميدانية.
كما أن العمليات العسكرية المتقطعة من غزة إلى خان يونس ثم رفح ثم العودة مجددًا، عكست غياب خطة منهجية وتحولت إلى سلسلة من التحركات غير المرتبطة، ما أدى إلى ما وصفه بـ«حرب مستمرة بلا حسم»، حيث يحتل الجيش مناطق ويخليها ليعود إليها لاحقًا.
وانتقد «زيسر» اعتماد المستوى السياسى على شعارات فضفاضة مثل «القضاء على القدرات العسكرية لحماس» دون تحديد خطوات عملية لتحقيق هذا الهدف، لافتًا إلى أن حماس تواصل تجنيد عناصر جدد بسهولة وأن الصواريخ ما زالت تطلق تجاه مستوطنات غلاف غزة، فى وقت تكتفى فيه إسرائيل بإصدار بيانات إعلامية عن إخلاء مناطق ثم إعادة سكانها بعد أيام.
وحذر من أن هذه السياسة تعكس غياب إرادة سياسية لحسم المعركة، مشيرًا إلى أن «إسرائيل تمتلك الآن ظروفًا أفضل من السابق دعم أمريكى غير محدود، ورضا عربى ضمنى عن هزيمة حماس، وقيادة عسكرية جديدة لا تفتقر إلى روح القتال»، بحسب قوله.
كما، أن استمرار هذا التردد سيؤدى إلى فقدان إسرائيل زمام المبادرة، ما سيدفع الولايات المتحدة لاحقًا لفرض تسوية سياسية وفق مصالحها، مشددًا على أن «إسرائيل لا تستطيع بعدها لوم أحد سوى نفسها».
.. وهو يقر بكل تصور استراتيجى وأمنى، إن التاريخ سيحكم على هذه الحرب باعتبارها «فاشلة» ليس فقط بسبب كيف بدأت، بل أيضًا بسبب «إدارتها الضعيفة والمترددة»، مشددًا على أن استمرار السير فى هذا الطريق المسدود لن يقود إلى نصر، بل إلى تآكل الردع وفتح الباب أمام تدخل خارجى فى مسارات الحرب.
.. ما تبقى أن هناك بعض الترجيحات التى تعول على حراك دبلوماسى وأمنى، قد يجعل من مفاوضات الدول الوسطاء فى مساعى إيقاف الحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة ورفح، من أبرز المسارات التى تدخل النقاط الحرجة لوضع حد للحرب، خوفًا من أى تصعيد قد يجتاح المنطقة وبالذات دول الجوار الفلسطينى، عدا عن مخاول فتح جبهات فى لبنان وسوريا واليمن مجددًا.