ماذا تعني عقوبات ترمب على الدول المستوردة للنفط الإيراني؟
بقلم: أنس بن فيصل الحجي

في مقالات ومقابلات تلفزيونية سابقة، ركزت على ثلاثة أمور، الأول أن جهود الرئيس ترمب لوقف صادرات النفط الإيرانية لن تفلح على الإطلاق لأنه لا يمكنه السيطرة على ذلك، وأن جهوده حتى لتخفيض صادرات النفط كما حصل في عام 2019 لن تفلح أيضاً، حيث إن الظروف في عام 2025 تختلف تماماً عن الظروف في 2019. والثاني أن المحادثات بين إدارة ترمب وإيران ستفشل، والثالث أن الخلاف بين الولايات المتحدة وإيران حول برنامج إيران النووي سيستمر لسنوات طويلة.
الآن فشلت المحادثات، وهدد ترمب بتشديد العقوبات عن طريق معاقبة الدول التي تستورد النفط الايراني.
حظر النفط الإيراني
أعاد ترمب الحظر على النفط الإيراني في الربع الرابع من 2018 لأنه لم يعجبه الاتفاق بين الحكومة الإيرانية وإدارة أوباما الذي تم في 2014. نتج من إعادة الحظر انخفاض كبير في إنتاج وصادرات إيران من النفط.
ارتفع إنتاج وصادرات إيران من النفط بشكل كبير في عهد بايدن حيث تغاضى عن تطبيق عقوبات ترمب. في البداية رغب بايدن في العودة إلى اتفاق 2014 حيث كان وقتها نائباً للرئيس أوباما. لهذا تغاضى عن تطبيق الحظر حتى تستمر المفاوضات مع الوفد الإيراني في فيينا.
فشل المحادثات جعل إدارة بايدن تفكر في كيفية تشديد العقوبات، لكن الغزو الروسي لأوكرانيا وارتفاع أسعار النفط الكبير وقتها، ثم العقوبات التي تلتها جعلته يتغاضى عن تطبيق أي عقوبات. ومع انخفاض الأسعار لاحقاً، كان يمكن لبايدن أن يطبق الحظر، لكن ترشحه لفترة رئاسية ثانية والانتخابات الأميركية جعلته يتغاضى مرة أخرى عن العقوبات. خلال هذه السنوات الأربعة، استطاعت إيران زيادة الإنتاج والصادرات بنحو مليون برميل يومياً.
وبعودة ترمب إلى البيت الأبيض تم تشديد العقوبات وفرض عقوبات جديدة بهدف وقف صادرات إيران النفطية بالكامل. أي عاقل يعرف أن الولايات المتحدة تحارب التلاعب على الضرائب لأكثر من 100 سنة، والتحايل يزيد. واشنطن تنفق مليارات الدولارت سنوياً لمحاربة مهربي المخدرات المكسيكيين والكولمبيين وغيرهم، واستخدام المخدرات يزداد في الولايات المتحدة. إذا لم تتمكن الحكومة الأميركية من ضبط الضرائب وتهريب المخدرات على أراضيها، كيف ستضبط تجارة النفط في أعالي البحار؟ التجارب السابقة مع إيران ومنذ بداية 2023 مع روسيا تثبت أنه لا يمكنها حظر هذه الصادرات النفطية.
فجأة جاء ترمب بفكرة: التفاوض مع إيران. وتم ذلك بالفعل حيث بدأت المفاوضات في العاصمة العمانية مسقط ثم انتقلت إلى عواصم أوروبية، لكن فجأة توقفت المحادثات، وانزعج ترمب انزعاجاً شديداً، وهدد بفرض عقوبات على الدول المستوردة للنفط الإيراني، وفرض ضرائب جمركية عليها. بغض النظر عن المواقف الإيرانية وتاريخهم الطويل في المماطلة في المباحثات، هناك أشخاص في حكومة ترمب لا يريدون هذه المحادثات، وانزعجوا من رغبة ترمب بالمحادثات، ويريدون شن حرب على إيران. بالنسبة للإيرانيين، وجدو أن الحكومة الأميركية تتفاوض نيابة عن نتنياهو من جهة، وأن قيامها بفرض عقوبات إضافية وقت المفاوضات لا يدل على حسن النوايا.
كتبت مقالاً قبل نحو 20 سنة ذكرت فيه أن الخلاف الأميركي- الإيراني ليست له نهاية، حتى لو كان البرنامج النووي سلمياً، لهذا فإنه إذا كان هناك أي اتفاق فسيكون موقتاً، وهذا ما حصل بالفعل. الولايات المتحدة ترى أن المفاعلات النووية المولدة للكهرباء في إيران تعني استقرار النظام حيث إنه سيكون هناك كميات كبيرة من الكهرباء للسكان وللنمو الصناعي. استقرار النظام الإيراني يعني تهديد الأمن القومي الأميركي- الإسرائيلي، ولهذا يجب أن يتوقف حتى لو كان سلمياً.
النظام الإيراني تعلم الدرس من تجربة الشاه: الشعب الإيراني طرد الشاه مرتين! هناك ضغط داخلي وضغط خارجي. الضغط الداخلي غيّر الحكم، بينما لم يغير الضغط الخارجي الحكم. من هذا المنطلق التاريخي، يجب توفير الكهرباء للداخل، على رغم الضغوط الخارجية، بخاصة أن توليدها عن طريق النفط والغاز يعني انخفاضاً مستمراً في إيرادات الحكومة.
ترمب والعقوبات على مستوردي النفط الإيراني
انزعج ترمب من التوقف المفاجئ للمحادثات مع إيران، فكتب رسالة غاضبة جداً على موقع “تروث ميديا”، وهي الشركة التي يملكها والتي أسسها كبديل عن منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، قال إنه سيفرض عقوبات على الدول التي تستورد النفط الإيراني، كما أنه سيفرض عليها تعرفة جمركية عالية.
مشكلة ترمب أنه لا يمكنه التأثير في صادرات إيران حتى لو طبق ما قاله لأن أغلب صادرات إيران تذهب إلى الصين ضمن نظام متقن للشحن ونظام مالي خارج سيطرة الولايات المتحدة. قد تستورد دول أخرى النفط الإيراني لكن بطرق سرية يصعب إثباتها. ترمب لا يستطيع فرض حظر على الصين لأنها سترد بالمثل. ثم قرر فرض ضرائب جمركية على من يستورد النفط الفنزويلي، ثم الآن يريد فرضها على من يستورد النفط الإيراني هذا يعني أنه لو تم التطبيق فسيتم رفع الكلفة على المستوردين الأميركيين بشكل يشل حركة الاقتصاد الأميركي. ويكفي أن نشير هنا إلى انخفاض نموه في الربع الأول من العام الحالي.
الضرائب الجمركية التي فرضها ترمب بشكل مفاجئ على مستوردي النفط الفنزويلي أدت إلى انخفاض صادرات فنزويلا بنحو 26 في المئة في الشهر الماضي بعد توقف الصين والهند عن الاستيراد. إذاً كيف يمكن القول إن السياسات نفسها لم تنجح مع إيران ونجحت في فنزويلا؟
الحقيقة أن نجاح هذه السياسات في فنزويلا هو ما شجّع ترمب على اتباعها مع إيران. لكن ما حصل في فنزويلا لا ينطبق على إيران.
طالبت الحكومة الصينية شركات النفط الصينية الكبيرة، والتي تسيطر على جزء كبير من ملكيتها، بأن تتوقف عن الاستيراد “المباشر” للنفط الإيراني، وذلك لأن هذه الشركات هي شركات عامة يتم تداول أسهمها في الأسواق الأوروبية والأميركية، ولها استثمارات في عدد كبير من الدول حول العالم، وتستخدم البنوك والخدمات الأوروبية والأميركية. فإذا خرقت العقوبات المفروضة على إيران، فإنه يمكن معاقبتها وتغريمها بسهولة في الولايات المتحدة وأوروبا. لهذا لجأت الصين إلى سياستين: الأولى قيام الشركات المستقلة التي ليس لها أي ارتباط بالحكومة الصينية وليس لها أي تعامل مع الدول الغربية باستيراد النفط الإيراني. وبعد وصوله إلى الصين، يتم بيعه للشركات النفطية الكبرى. هذه الشركات لا يمكن للولايات المتحدة أن تعاقبها لأنه ليس لها أي تواجد في الغرب. الثانية أن تقوم الشركات الصينية الكبرى بالاستيراد عن طريق دولة أخرى أو طرف ثالث أو من الأسواق الحرة أو حتى شركات “ظل” بحيث لا يكون هناك دليل ملموس على أنها اشترت النفط الإيراني بشكل مقصود.
الوضع في فنزويلا مختلف تماماً: الشركات الصينية والهندية والأوروبية حصلت على استثناء رسمي من حكومة بايدن. وقرار ترمب جاء مفاجئاً. لهذا توقفت هذه الشركات عن الشراء حتى تتم إعادة ترتيب الأمور كما حصل مع إيران. هذا يعني أن توقفهم عن استيراد النفط الفنزويلي موقت.
خلاصة القول إن مشكلة ترمب ليست مع إيران، لكن مع الصين. الصين لن تتوقف عن استيراد النفط الإيراني، وأغلبه، وأحياناً كله يذهب إلى الصين. الإشكالية في موضوع البتروكيماويات. على رغم أن أكثرها يذهب إلى الصين، إلا أن جزءاً بسيطاً منها يذهب لدول أخرى مثل الهند والإمارات. صغر الكمية يعني أنه يمكن لهذه الدول الاستغناء عنها والاستيراد من أماكن أخرى.