قرقعة السلاح في اللاذقية تطغى على حقيقة الأحداث

النشرة الدولية –
اندبندنت عربية – نيرمين علي –
أبى النوم أن يسدل جفون اللاذقية، فأصوات الرصاص ودوي الانفجارات كسر صمت الليل وزرع الرعب في نفوس سكانها ريفاً ومدينة، إذ عاش أبناء المدينة البحرية ليلة أعادت إلى الأذهان واحدة من ليالي عام 2011 مع اختلاف في بعض التفاصيل. إلا أن المجهول كان العنوان الأبرز في ظل غياب رواية رسمية وتضارب المعلومات عبر شبكات وسائل التواصل الاجتماعي، فوقع الناس فريسة التوقعات والإشاعات حول ما يجري. وبين الواقع الافتراضي والأحداث على الأرض خلت الشوارع ولجأ الناس إلى بيوتهم مستبقين قرار حظر التجوال، فساد صمت، وعلت قرقعة السلاح.
حي الدعتور
بدأت القصة منذ يومين مع دخول قوات الأمن السورية إلى حي صغير يدعى الدعتور في اللاذقية، ويعد من أبسط أحياء المدينة، فتضاربت المعلومات حول ما حدث هناك، وذلك بسبب غياب الرواية الإعلامية الرسمية، إضافة إلى عدم توثيق هذه العمليات من قبل عناصر الجيش ونشرها عبر القنوات العاملة على الأرض، لكن الروايات الشعبية اتفقت على حدوث انتهاكات عدة من قبل الأمن العام في حق المدنيين بالحي أدت إلى مقتل عدد من أبناء المنطقة وامرأة وطفل مع حالات ترويع للمدنيين عبر مداهمة الحي بآليات ثقيلة وقصف استمر من الليل حتى صباح اليوم التالي. وجاء ذلك نتيجة هجوم استهدف حاجزاً لعناصر الأمن في المنطقة ليلاً راح ضحيته عنصران من الأمن.
وفي اليوم التالي، أي مساء أمس الخميس، دخلت عناصر من قوات الأمن إلى قرى جبلة بعد تعرض قوة تابعة لهم إلى هجوم على أحد الحواجز، وترافق ذلك مع قصف نفذته مروحيات سورية بحسب شهود وفيديوهات مسربة، ومن هنا بدأ تطور الأحداث، بخاصة مع تحليق الطيران الحربي الذي رجح أنه روسي فوق سماء اللاذقية.
بعدها انتشرت فيديوهات توثق وجود الطيران في سماء المدينة، وقد فسر البعض هذه المعلومات أنها مساندة من قبل روسيا لقوات الأمن السورية، وآخرون فسروها بأنها عملية تنبيه للطائرات لمنعها من التحليق في سماء اللاذقية، وضاعت الحقيقة بين الروايتين.
في السياق قال مدير أمن محافظة اللاذقية المقدم مصطفى كنيفاتي، “نفرض طوقاً أمنياً لمحاصرة فلول نظام الأسد في قريتي بيت عانا والدالية، قواتنا تشتبك مع مجموعات مسلحة كانت تتبع لسهيل الحسن الذي ارتكب مجازر في حق الشعب السوري”.
“درع الساحل”
في هذا الوقت انتشرت بيانات تتبع لما يسمى “درع الساحل” أو المقاومة السورية تتحدث عن بدء عمليات واسعة في مدينة جبلة للسيطرة على مواقع حيوية في المدينة. وسرت معلومات عن توزيع روسيا للسلاح لمن يريد القتال والدعوة إلى الالتحاق بالقوات المسلحة التي تقاتل “الأمن السوري”. وتزامناً مع تداول هذه المعلومات، خرجت أصوات تدعو لتجنب الخوض في ما تحاول روسيا فعله عبر جر أبناء الساحل إليه (في حال صحت الرواية).
في الأثناء أعلنت هذه القوات المقاتلة الخارجة عن سلطة الدولة عن زحفها التدريجي واستهدافها مقار عسكرية مع استمرار الاشتباكات العنيفة في محيط جبلة، لكن المكتب الإعلامي التابع للحكومة السورية قال في بيان، إن “الدولة السورية ستفرض سلطتها على كل المجموعات الخارجة عن القانون ولن تسمح بتهديد الأمن وزعزعة الاستقرار، وإن وزارة الدفاع وقوات الأمن تنفذ عمليات ميدانية لضبط الأمن وملاحقة المجرمين والمجموعات المسلحة التي تتحصن في اللاذقية. وأوضح بيان الحكومة أن هذه المجموعات تضم مجرمي حرب معروفين تابعين لضابط جيش النظام السابق سهيل الحسن”. ودعا جميع المواطنين إلى “التعاون مع الجهات الأمنية والإبلاغ عن أي نشاط مشبوه”.
وصرح مصدر بإدارة الأمن العام لوكالة “سانا” الرسمية بأنه “بعد الرصد الدقيق والتحري تمكنت قواتنا في مدينة جبلة من اعتقال اللواء المجرم إبراهيم حويجة رئيس الاستخبارات الجوية السابق في سوريا والمتهم بمئات الاغتيالات بعهد المجرم حافظ الأسد، منها الإشراف على اغتيال كمال جنبلاط”، زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي السابق في لبنان.
وخلال ساعات الليلة المتقدمة أعلن حظر تجوال في مدن اللاذقية وطرطوس وبدأ عمليات تمشيط واسعة في المدن والبلدات المحيطة. كما شهدت ساحات الصباح الأولى إعادة انتشار لقوات الأمن في المدينتين مع ارتفاع شدة المعارك وأصوات الرصاص والقنابل التي لا تزال تسيطر على أجواء مدينة اللاذقية.
إعدام 52 علوياً
في السياق قال “المرصد السوري لحقوق الإنسان” اليوم الجمعة إن قوات الأمن “أعدمت” 52 علوياً في بلدتي الشير والمختارية في ريف اللاذقية، وفق ما أظهرت مقاطع فيديو تحقق المرصد من صحتها، وشهادات حصل عليها من عدد من أقرباء الضحايا وأفراد عائلاتهم.
ونشر ناشطون والمرصد السوري مقاطع فيديو تظهر عشرات الجثث بثياب مدنية مكدسة قرب بعضها بعضاً في باحة أمام منزل، وقرب عدد منها بقع من الدماء، بينما كانت نسوة يولولن في المكان.
وفي مقطع آخر يظهر عناصر بلباس عسكري وهم يأمرون ثلاثة أشخاص بالزحف على الأرض، واحداً تلو الآخر، قبل أن يطلقوا الرصاص عليهم من رشاشاتهم من مسافة قريبة.
والى جانب القتلى الـ52 أوقعت الاشتباكات منذ الخميس 72 قتيلاً بينهم 36 عنصراً من قوات الأمن و32 من المسلحين الموالين للأسد، إضافة إلى أربعة مدنيين، وفق المرصد.
وبذلك بلغت حصيلة القتلى منذ الخميس 124 شخصاً في الأقل.
ومنذ إطاحة الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024 نفذت السلطات حملات أمنية بهدف ملاحقة “فلول النظام” السابق شملت مناطق يقطنها علويون، خصوصاً في وسط البلاد وغربها.
وتخلل تلك العمليات اشتباكات وحوادث إطلاق نار يتهم مسؤولون أمنيون مسلحين موالين للأسد بالوقوف خلفها.
ويفيد سكان ومنظمات بين حين وآخر بحصول انتهاكات تشمل أعمالاً انتقامية بينها مصادرة منازل أو تنفيذ إعدامات ميدانية وحوادث خطف، تضعها السلطات في إطار “حوادث فردية” وتتعهد ملاحقة المسؤولين عنها.