نتانياهو يتلاعب.. فهل ترامب يتجاوب؟
بقلم: غازي العريضي

النشرة الدولية –

المدن اللبنانية –

رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو أعلن: “إن الهجوم الجديد على غزة سيكون مكثفاً ومكلفاً. سننقل السكان من غزة لحمايتهم وسنبقى في أي منطقة نحتلها ونسيطر عليها”!

وزير ماليته سموتريتش يتكامل معه: “الكابينت قرر: لا انسحاب من قطاع غزة حتى مقابل صفقة المحتجزين. سنتوسّع ونحتل ولن ننسحب من المناطق التي ننتشر فيها. سنتوقف عن الخوف من كلمة احتلال التي كانت كلمة بديهية تماماً في الأيام الأولى لتأسيس الدولة. الشعب الذي يريد الحياة يحتل أرضه. منذ اللحظة التي نبدأ فيها المناورة لا يوجد انسحاب من المناطق التي نحتلها. الطريقة الوحيدة للإفراج عن الرهائن هي هزيمة حماس. وأي انسحاب سيتسبب بحدوث السابع من اكتوبر المقبل”.

بعد التصريحين تتكشف تفاصيل خطة الاحتلال والتوسّع التي سميت “عربات جدعون” القائمة على: “سيتم توفير حماية كبيرة للقوات المشاركة في المناورة من البر والبحر والجو، مع استخدام معدات ثقيلة لإبطال مفعول المتفجرات وتدمير المباني التي تشكل تهديداً. بالإضافة إلى الإجلاء الواسع لجميع سكان غزة من مناطق القتال. سيبقى الجيش في جميع المناطق التي يسيطر عليها، ويتم التعامل مع كل منطقة يتم تطهيرها وفقاً لنموذج رفح، حيث تمّ التخلص من جميع التهديدات وتسويتها بالأرض وأصبحت جزءاً من المنطقة الأمنية. سيستمر الحصار ولن يتم تنفيذ خطة المساعدات الانسانية إلا بعد بدء العمليات العسكرية والإجلاء الواسع للسكان نحو الجنوب، وفق ما عرضه الجيش وتمت الموافقة عليه في الكابينيت، حيث سيتم الفصل بين المساعدات وحماس، من خلال تشغيل شركات مدنية. ستبدأ العملية بقوة كبيرة ولن تتوقف حتى تحقيق جميع أهدافها، وخطة الانتقال الطوعي لسكان غزة”.

وتعليقاً على هذه التصريحات والمعلومات التفصيلية عن الحرب المرعبة التي ستشن على القطاع، قال مسؤولون إسرائيليون: “العملية تشبه اللجوء إلى الخيار النووي. لا جدوى من زيارة ترامب إلى إسرائيل اليوم. هو لا يلعب دور الوسيط حالياً في الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق لوقف النار. تركيزه الأساس هو على أوكرانيا”.

الكلام واضح وخطير. على الجميع أن يكون في خدمة إسرائيل، حتى ترامب وإدارته وكما ترى الحكومة الاسرائيلية. ترامب لم يقصّر في ولايته الرئاسية الأولى بالانحراف نحو إسرائيل ومصالحها ومحاولة تكريسها الدولة المتفوقة في المنطقة. قدّم لها كل شيء وبدأ بـ”صففة القرن”، وهي صفقة تصفية القضية الفلسطينية. منذ ذلك الوقت تحققت خطوات كبيرة في هذا الاتجاه. ترامب أيدّ اعتبار إسرائيل “دولة يهودية” ونقل السفارة إلى القدس، وألحق منذ أيام القنصلية المتعلقة بشؤون الفلسطينيين إلى مقر السفارة، ليؤكد سيادة إسرائيل على القدس.
ترامب أعطى خلال الأشهر القليلة الماضية من ولايته الحالية ما لم يعطه أحد لنتانياهو وإسرائيل، ولم يتخلَ عن أي التزام من التزاماته لإسرائيل. أقصى ما أعلن عنه قبل وصوله إلى المنطقة في زيارته إلى السعودية وقطر والامارات، هو: “سنساعد سكان غزة في الحصول على بعض الطعام”. يعني سيقدم الفتات للشعب الفلسطيني المحاصر المجوّع المقهور في غزة، وآلية التوزيع ستكون أميركية، ومن خلال شركات يعمل فيها أميركيون يحملون جنسيات إسرائيلية. كل شيء مدروس ومبرمج. هو لم يتراجع عن مشروع الريفييرا وتهجير الفلسطينيين، ويصرّ على ألا يكون أي دور في توزيع المساعدات للسلطة الفلسطينية أو “حماس”، بما ينسجم تماماً مع الموقف الإسرائيلي.

منذ أيام تمّ تسريب خبر أن ترامب يؤيد قيام دولة فلسطينية، بعد تسريب معلومات عن مفاجآت سيعلنها تتعلق بوضع المنطقة. فبادر مسؤولو إدارته إلى نفي الخبر فوراً. ترامب يريد تهدئة الأمور ولو لأيام خلال زيارته، التي يتطلع إلى نتائج هامة من خلالها، مضمونها الأساسي: صفقات بمئات مليارات الدولارات في كل دولة من الدول التي سيزورها. وهذه الدول لا تريد أن تنفذ العملية التي تشبه اللجوء إلى “الخيار النووي”، قبل زيارة ترامب أو بالتزامن معها. الحقيقة موجعة. لا العرب تغيّروا ولا ترامب سيتغيّر، ولا إسرائيل ستتراجع عن استخدام كل الوسائل لتهجير الفلسطينيين، وقتل عدد كبير منهم، ولو اقتضى الأمر اللجوء إلى نوع من النووي. هذه هي الإدارة الإسرائيلية رغم تنمّر نتانياهو على ترامب، الذي نقل عنه مقربون منه قوله: “نتانياهو يتلاعب بنا ولا يريد المضي في توافقات، والعلاقة معه وصلت إلى أدنى مستوياتها”. هذا الكلام صحيح. نتانياهو يتلاعب بالأميركيين وعرف كيف يتعامل معهم وكيف يعاملهم. قد يرى البعض جديداً في كلام ترامب في وجه هذا المتعجرف المتسلّط والمهووس بشهوة السلطة والدم، للوصول إلى إسرائيل الكبرى، وتنصيب نفسه بن غوريون الثاني.

مقتضيات الزيارة تفرض مثل هذا الكلام عن نتانياهو. فماذا بعدها؟ ونتانياهو يهددّ ويتوعّد الجميع من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن وإيران ودول أخرى، إن هي خذلته، فهل سيلتزم ترامب بموقفه؟ هل سينفذ خطوة تؤكد الرغبة في إحقاق الحق ومساعدة الفلسطينيين في غزة والضفة، بما يتجاوز فتات المساعدات الموعودة؟ نتانياهو يتلاعب على ترامب فهل يتجاوب الأخير مع العرب؟ ماذا سيفعل هؤلاء إن استمر على ثوابته ومشروعه الأصلي، وهذا ما هو متوقّع؟

زر الذهاب إلى الأعلى