الدبلوماسية الخليجية تثبت قدرتها على إنجاز وساطات في ملفات ساخنة
بقلم: صلاح الدين الجورشي

أثبتت التحركات الدبلوماسية أخيراً أن معظم دول الخليج نجحت في أن تجعل من دولها الأكثر قدرة في العالم على إنجاز وساطات في ملفات ساخنة ومعقدة. وهو ما أربك حسابات العديد من الأطراف، في مقدمتها إسرائيل. فما حصل خلال زيارة الرئيس الأميركي ترامب إلى السعودية وقطر والإمارات أظهر هذا بوضوح شديد، ما دفعه إلى الاعتراف بالأدوار التي قامت بها هذه الدول. فبعد الإنجاز الذي حققه الوسطاء القطريون والمصريون في إقناع حركة حماس بأهمية إطلاق سراح المحتجز الأميركي عيدان ألكسندر من دون مقابل ظاهري، الأمر الذي جعل ترامب يستعد لتفاهمات إيجابية محتملة تتعلق بإنهاء الحرب في غزّة. كما عملت الدوحة على استثمار تلك الخطوة لدفع الرئيس الأميركي نحو استكمال المسار بالضغط على الطرف الإسرائيلي حتى يقبل تسوية سياسية تشمل إطلاق سراح بقية المحتجزين، ووضع حد للعدوان الهمجي، وإنقاذ سكان غزّة من الموت عبر سياسة التجويع، والسماح بالشروع في إعمارها. واستفادت الدوحة في هذا السياق من انخراط الرئيس التركي أردوغان في المسعى نفسه. وهو ما عمّق ثقة الرئيس ترامب بأمير قطر وبقدراته وسيطا محايدا، فناشده أن يلعب دورا من أجل التوصل إلى اتفاق مع إيران خلال المفاوضات الجارية في مسقط، وهي المفاوضات التي وصفها “بالحرجة”.

أما السعودية، فقد وظفت مكانتها ورصيدها الدبلوماسي المعروف لإقناع الرئيس ترامب بضرورة رفع العقوبات الأميركية عن سورية. وهو الملف الساخن الذي يمثل إحدى العقبات الكبرى أمام تحقيق انتعاشة اقتصادية ملموسة في هذا البلد العربي المترنح. كما عمل ولي عهد السعودية محمد بن سلمان على تنظيم أول لقاء يجمع بين ترامب والرئيس السوري أحمد الشرع في لحظة فارقة، قد تمهّد لخطوات أخرى من أجل تحقيق استقرار منطقة الشرق الأوسط، رغم كثرة الألغام وتراكم التحديات.

من جهة أخرى، عملت الرياض على تسوية خلافاتها مع طهران في الأشهر السابقة. وعمل البلدان على دعم التعاون الثنائي من خلال 28 زيارة قام بها المسؤولون الفاعلون في كلا البلدين، ما جعل بن سلمان يتطرّق في محادثاته مع ترامب، ويشجعه على التوصل إلى تسوية في المفاوضات المتعلقة بالملف النووي الإيراني.

لقد تجاوزت منطقة الخليج مرحلة التوتر بين مكوّناتها، التي ولدت سابقا أزمة عميقة إبّان الحصار الظالم الذي تعرّضت له دولة قطر. اليوم، تغيرت الأحوال والأوضاع، وأصبحت معظم العواصم الخليجية تعيش حركية لافتة، وتتوجّه إليها الدول الكبرى لمساعدتها في التوسّط لحل عديد النزاعات المعقدة، بما فيها الأكثر خطورة. وهو ما أثار حفيظة الحكومة الإسرائيلية المتطرّفة التي لا تخفي رغبتها في احتلال أجزاء هامة وحيوية من الأراضي المحيطة بفلسطين. وما يخشاه نتنياهو أن يفقد تأثيره الواسع على الرئيس الأميركي، وأن تتمكّن أطراف عربية من تحقيق اختراقاتٍ يكون لها تأثير عميق على السياسة الخارجية لواشنطن، يكون في صالح معاكس للمخطّط العدواني لحكومة نيتنياهو الفاشية المهدّدة للأمن الإقليمي والعالمي، فمن ينجح في كسب ثقة ترامب سيكون الأقدر على التقليل من أضرار سياساته، وقد يحقق من وراء ذلك منافع عديدة.

رغم أطماع ترامب وشراهته الواسعة التي أخذها بالاعتبار من استضافوه، فعاد إلى واشنطن بالعديد من الاتفاقيات المالية والتجارية المهمة التي ستنعش الاقتصاد الأميركي، إلى جانب عشرات الهدايا الثمينة. وفي المقابل، تمكن المضيفون من تسجيل بعض المكاسب التي تتعلق بحضور دولي أوسع وبخبرات مهمة في المجال الدبلوماسي. وتكفي الإشارة، على سبيل المثال، إلى سلسلة المؤتمرات التي استضافتها دول المنطقة، بالخصوص السعودية وقطر، مثل مؤتمر الحوار العربي الصيني، والقمّة العربية، ولقاء القمة الذي خصّص للنظر في الحرب الروسية الأوكرانية.

زر الذهاب إلى الأعلى