لماذا تكتب النساء؟* مها الجويني

النشرة الدولية –

لماذا تكتب النساء؟ سؤال تظنه في الوهلة الأولى آتياً من القرون الماضية حين كان الفلاسفة يناقشون ويتباحثون في مسألة هل للمرأة عقل أم لا. سؤال يجعلك تخمن هل أهلنا وحكوماتنا على علم بما توصلت به الأبحاث حول الذكاء الاصطناعي وحول قدرة العقل البشري في الخلق وفي الاستدلال؟ وهل أهلنا على علم بأن العقل البشري لا يخضع للتقسيمات الجندرية بين المرأة والرجل؟

حين احتفلت بكتابي «عاشقة من إفريقية» قالت أمي: لن يتزوجك أحد!

استفسرت أمي عن هذا التعليق الذي بدا لي غريباً بعض الشيء . فما هي العلاقة بين الزواج وبين ما أكتبه في السياسة والجنس والحب فأخبرتني أن جرأتي ستكلفني الكثير والكثير وسط مجتمع لا يزال يحارب النساء.

فأجبتها بأنني أكتب للكتابة نفسها، لا أكتب لهذا المجتمع، دونت وكتبت وها أنا أتخلى عن حلم الكتابة من أجل الكتابة غدوت أكتب من أجل الحرية.

نعم الحرية، قالت سعاد الصباح منذ أكثر من ثلاثين سنة: لكني خنت قوانين الأنثى واخترت مواجهة الكلمات! من وضع هذه القوانين يا سعاد؟ ومن جعلنا خونة كلما صرخنا بكلمة لا؟

يوم أمس احتفالات بعيد المرأة في وطني الشهير بحقوق النساء، وطني الأخضر الذي يتحول هذه الأيام لسوق عكاظ يتسابق فيه الساسة وحكام البلاد بأرق العبارات عن حقوق النساء وعن المنجز الوطني في دعم حقوق المرأة، كرنفال بصوت ذكوري يتحدث عني وأنا شاهرة سلاحي ضد مجتمع ينزعج من كلماتي في السياسة وفي الشأن العام.

يوم أمس، حملتني الذكريات إلى الضاحية الجنوبية بتونس قبل خمس سنوات، يوم اتصلت بي أمي هاتفياً لتعلن كلماتي وما أنشره على صفحتي قائلة: «جبتلي العار بكلامك»! مقفلة سماعة الهاتف في وجهي، كنت حينها جالسة في مقهى رفقة نرجيلتي وكوب شاي وجهاز آيباد أقرأ كتاباً لفرج فودة.

توقفت عن تصفح الكتاب وتخيلت وجه أمي الذي أنهكه ما أنشره من كلمات وتدوينات  بات أهلي يعتبرونها محل عار ومصدر خجل. ولاسيما تلك التدوينة التي نشرت فيها عن تعرضي للتحرش من قبل أحد الشباب وشرحت كيف نجوت بصعوبة من ملاحقاته لي حين كنت في طريقي إلى بيتنا ليلاً.

كان لكلماتي صدى كبير وسط مجتمع فيسبوك، فمسألة التحرش لا تزال من المواضيع المسكوت عنها في إعلامنا وقلَّ ما تحدثت النساء في منطقتنا بجرأة عن تجربتهن مع تلك الظاهرة الوحشية. وحين نشرت عن ذلك الأمر في أغسطس 2014، انهالت على صفحتي التعليقات كحبات المطر بين مناصر ولاعن للمجتمع الذكوري وبين من يدعون لتفعيل قانون يحمي النساء وتنظيم حملات ضد هذه الظاهرة التي باتت تهدد حياتنا.

وفي خضم ذلك التفاعل، كان البعض يسأل: لماذا عدت متأخرة إلى البيت؟ وماذا كنت أرتدي حين عاكسني ذلك الشاب الذي تحدثت عنه، بالإضافة لمن أصبحت تقدم لي دروساً في الأخلاق وكيف نحيا باحترام في مجتمعنا المسلم، وفي الأثناء كانت والدتي الطيبة تحاول إقناعي بالتوقف عن التدوين وبأن ألجم قلمي الذي أصبح مصدر قلق لها ولا تجد نفسها قادرة على الدفاع عني ولا عن تحمل مسؤولية ما أكتب.

كانت أمي تحثني على ترك التدوين عن قضايا النساء والدين والمجتمع وتنصحني بأن أحيا كباقي بنات الضاحية الجنوبية؛ أتوجه للسباحة عند الصباح وأشرب الشاي بأحد مقاهي الكورنيش وأجد لي زوجاً يهديني باقة ياسمين عند محطة القطار ويدعوني لحضور عرض مسرحي مساء يوم السبت.

لم أكن أعير أي اهتمام لنصائحها ولمقترحاتها ولم أكن أهتم بأسئلة أخي بل كنت أقف في صالون بيتنا بكل شجاعة أمام أمي وأقول: الخط داه خطي والكلمة دي ليا، غطي الورق غطي بالدمع يا عينيا! وأشدو بخطبة عصماء عن حقوق المرأة والثورة والسياسة ويتحول صالون بيتنا لساحة القصبة وأجد أمي البسيطة تومىء برأسها وتبتسم وكأنها على علم بأن قهر المجتمع زائل وبأن ما أحمله من عزيمة قادر على مواجهة الرقابة والعادات والأعراف.

مرت سنوات على  تلك الحادثة وها أنا في بلاد الصين أرافق دفتري وكاميرا التصوير وقلمي وأكتب وأواجه كل من يصادر حق الكلمات، فكلما تعرضت لمظلمة وجدت نفسي أحارب مرتين، الأولى لرفع الظلم والثانية من أجل الكلمات كما جاء على لسان السيد المسيح «في البدء كانت الكلمة».

مها الجويني كاتبة تونسية تدرس في الصين

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى