من أي فئات اجتماعية يأتي المتظاهرون في لبنان؟* سوسن مهنا
النشرة الدولية –
كسرت التظاهرات اللبنانية الإطار العام للثورات والانتفاضات من حيث الفئات والطبقات والتوجهات والمشارب المختلفة. ذلك أن من يخرج إلى الشارع للتظاهر عموماً هي الفئة الشبابية، أو من هو ضد النظام الحاكم، أو الفقراء والمعوزون. لكن الانتفاضة اللبنانية جمعت الفقراء والميسورين، من يناصر أحزاب السلطة ومن يخاصمها، الشباب والشيوخ النساء والرجال.
ووصفت هذه التظاهرات من قبل مراقبين بأنها الأولى من نوعها في تاريخ لبنان الحديث، من حيث كثافة المشاركين والانتشار الجغرافي ولامركزية التحركات، والكل موحد تحت عنوان واحد هو تغيير النظام وإسقاط الحكومة ورموز السلطة.
“اندبندنت عربية” سألت بعض المطلعين والمراقبين والمحللين عن رأيهم، ومشاهدتهم كمشاركين في التظاهرات.
فئات غير حزبية
أسعد بشارة، كاتب ومحلل سياسي، يقول “بالتأكيد أن الغالبية الساحقة من الذين تظاهروا ينتمون إلى الفئات غير الحزبية، وإن كانوا من البيئات القريبة من الأحزاب الحاكمة. فقدان الأمل بالطبقة السياسية دفع الناس إلى النزول بهذه الكثافة وأرادوا أن يوجهوا رسالة بأن السلطة أثبتت فشلها وآن الأوان لتشكيل سلطة جديدة. الشباب الذين كانوا ينضوون تحت سقف الأحزاب الخمسة الحاكمة، صُدموا وشعروا بأن هناك خطراً وجودياً يتهددهم، فعبّروا بغضب لاستعادة الدولة من خاطفيها”.
ويشير بشارة إلى أن “هذا الجيل الشاب الذي يشكل غالبية المتظاهرين، أسقط المحرمات والمتاريس الطائفية، فرأينا في البيئة المسيحية سقوط فكرة الأقليات. وفي البيئة الشيعية، سقطت معادلة لا صوت يعلو على صوت المعركة، وسقطت الأصنام. والبيئة السنية أرسلت رسالة حبّية حضارية إلى الرئيس سعد الحريري بأنها تعارض هذه السلطة. أما في البيئة الدرزية فإن وليد جنبلاط يعاني في إقناع جمهوره بالبقاء في الحكومة، لأن هذه البيئة تنظر إلى فكرة الدولة باعتبارها الضامن الوحيد، وهي تضغط باتجاه الانسحاب”.
ثورة بلا عنوان سياسي
سامي نادر، مدير مركز المشرق للشؤون الإستراتيجية، يقول إن “هذه التظاهرات انطلقت تحت عنوان ثورة اقتصادية اجتماعية، فلا يوجد أي عنوان سياسي لها. الناس يريدون حقوقهم، لقد اكتشفوا أن نظام المحاصصة جاء على حسابهم. فأتت هذه الصحوة التي قادت إلى التحرر من القيود الطائفية والحزبية نحو المطالبة بالحقوق الاقتصادية”.
هل يمكن أن تستغل السلطة هذه التظاهرات؟
يجيب أبي نادر، “إلى الآن، لا يوجد أي تأثير للسلطة أو أحزابها أو حتى أي ناطق باسمها. وهذا دليل على أن الناس اكتشفوا خداع هذه السلطة”.
رولاند أبي نجم، مستشار وخبير في الأمن السيبراني، يعمل في دولة الكويت، يقول “إنها المرة الأولى التي نرى فيها هذه التظاهرات في لبنان، خصوصاً أنه لا توجد أحزاب داعية. المشاركون من كل الطبقات الاجتماعية، وقد نجد نسبة كبيرة من الناس الذين نزلوا من الطبقة المعوزة وأجورهم 600 ألف ليرة لبنانية (400 دولار أميركي) أي دون الحد الأدنى. هؤلاء لا يستطيعون حتى أن يسجلوا أولادهم في المدرسة”.
ويضيف “الفئة الثانية هي فئة الشباب العاطلين من العمل. هناك فئة كبيرة أيضاً من الشباب خريجي الجامعات، المثقفين، الذين نراهم يناقشون الورقة الإصلاحية التي طرحت من قبل رئيس الحكومة وغيرها من المسائل. واللافت هي التظاهرات التي نفذت في الخارج، والتي ضمت فئة من رجال الأعمال والاقتصاد، الميسوري الحال الذين في أوروبا وأميركا وأفريقيا، لأن الانتماء الوطني لهذه الفئات كبير وهي بالتأكيد تريد العودة إلى لبنان”.
واصف الحركة، محامٍ وناشط سياسي، يقول إن “هذه التظاهرات نوعية ليس لحشدها هذه الأعداد الهائلة من الناس فحسب، بل في تأثيرها، حيث أن المتظاهرين يناقشون الحكومة في ورقتها الإصلاحية، مما يجبر الحكومة على تعديل طروحاتها وفق مزاج المتظاهرين. كما أن التظاهرات تنتشر على كامل الأراضي اللبنانية، حيث نسمع بتظاهرات في مناطق كانت عصية على التعبير عن وجعها”.
ماذا يريد الناس من التظاهرات؟
يجيب الحركة “يريدون تغيير النظام الحاكم، فالسلطة هي انعكاس لواقع المجتمع، والتغيير هو الخروج من التقاليد البالية والأصنام، الناس في المناطق تجرأوا على كسر الأصنام والمحظورات، إضافة إلى أن السلطة مأزومة ولا تعرف كيف ترد”.
ويشير الحركة إلى أن “الوجع وحّد الناس الذين عبروا عن موقف سياسي، حيث أنهم لم يعتبروا أن سعد الحريري أو محمد شقير أو فلان من السياسيين هو المسؤول الوحيد عن مشاكلهم، بل اعتبروا أن هناك منظومة حاكمة مسؤولة عن تدمير البلد”.
ويقول الحركة إن “ما هو لافت في التظاهرات هو العنصر الشبابي، فهم نبض الشارع. صحيح أنهم يتحركون من دون خبرة أو تنظيم، لكن الاندفاع هو من يصنع التغيير، يجب صقل تجربتهم وأن يتحول خطابهم السياسي إلى رؤية سياسية. الناس تخطوا الأحزاب وفاجأوا الكل”.
الشارع
أما في الشارع، فعنوان واحد: الجوع والمعاناة و”كلن يعني كلن”.
دوللي، (44 سنة) وهي ربة منزل، تقول “أولاً أنا هنا لأنني شبعت قهراً ومعاناة. عندي ثلاثة أولاد واضطررت في هذه السنة الدراسية إلى نقلهم من مدرسة خاصة إلى رسمية، لأنني لم أستطع تسديد أقساط السنة الماضية”.
وتقول دوللي إن السلطة أرادت “السيطرة علينا عبر الخطاب الطائفي كي تخيفنا من جارنا المسلم”. وتضيف “أشارك في التظاهرات للمرة الأولى، وبجانبي المسلم، ولم أرَ غير التضامن مع مطالبي”.
سليم، (38 سنة) من منطقة جبيل، يقول “عليهم أن يردوا الأموال المنهوبة. لست متعلماً، لكن كان على سعد الحريري أن يستقيل، لكنه لم ينتبه أن الناس موجوعون”.
عايدة، (47 سنة) وهي مهندسة ديكور، أصرت على أن تقول إنها درزية، “ولكني لست هنا بسبب طائفتي أو ديني، أنا هنا لأنني لبنانية، أطالب بإلغاء هذا النظام الطائفي وتغيير كل الطاقم الموجود، وفرض الإقامة الجبرية على المسؤولين الحاليين حتى يعيدوا الأموال المنهوبة مع فائدتها”.
وتوضح عايدة “عندي ثلاث بنات، ودخلنا أقل من ألف دولار في الشهر، وكنت قد نقلت بناتي من مدرسة خاصة إلى رسمية بسبب الغلاء، وبسبب الزيادات غير المنطقية في الأقساط”.
نقلاً عن “اندبندنت عربية”