استمرار العلاقة مع زوج سادي استنزاف لتضحية الزوجة* لمياء المقدم

النشرة الدولية –

تعاني الكثير من الزوجات من سوء معاملة الزوج التي قد تتجاوز كل الحدود، إلا أنهن غير قادرات على وضع حد لهذه المعاملات واتخاذ قرار يمنحهن حياة آمنة بعيدا عن زوج تنم كل تصرفاته عن مشاعر سلبية بعيدة كل البعد عن الحب والألفة والثقة التي تعتبر من أبسط مقومات الحياة الزوجية.

تقول إنه يكذب عليها في كل كبيرة وصغيرة، وإنه يُخفي عنها كل التفاصيل المتعلقة بعمله أو اتصالاته أو خططه. تقول إنه يفتش حقائبها، جيوبها، ملابسها، وخزانتها، وإنه يراقب هاتفها الجوّال وحسابها الفيسبوكي ومرات يخترق صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي. وتقول إنه يسرق بطاقتها البنكية من محفظتها ليدخل إلى حسابها البنكي ويراقب مصاريفها، وإذا اكتشف أن لديها بعض المال، يتوقف عن المشاركة في مصروف البيت وفي أي مصاريف أخرى وينتزع منها مبالغ ينفقها على أهله وأقاربه.

كما تقول إنه يخيفها ويهددها بأنه سينشر عنها أكاذيب وافتراءات إذا ما اعترضت أو اشتكت، وإنه يسجّل لها مكالمات ويهدّدها باستعمالها ضدها. وتقول إنه يشتمها ويضربها ويلفّق لها الاتهامات، وإنه يتحدث عنها بالسوء مع كل البشر وإنه يضغط عليها بكل الوسائل النفسية والجسدية من أجل إخضاعها والسيطرة عليها.. وتقول إنها تحبه ولا تستطيع تركه!

هذا ملخص لرسالة وصلتني على الإيميل لسيدة في مقتبل العمر، تطلب المساعدة.

وطبعا أعلمتها أنه ليس بوسعي تقديم مساعدة مختصة، وأنّ أقصى ما أستطيع أن أقدمه لها هو نصيحة مبنية على تجاربي وخبرتي البسيطة في الحياة ليس أكثر. ونصيحتي باختصار أن تطرح على نفسها سؤالا مهما وتحاول الإجابة عليه: لماذا تبقى مع رجل يفعل معها كل هذا؟ ما هو المعادل القوي والاحتياج الذي توفره لها علاقة كهذه، الأمر الذي يجعلها لا تستغني عنها.

 لكل شعور دوره ووقته، فإذا لم يصرف في الوقت والاتجاه الصحيحين تحدّثنا عن خلل ما، ولهذا لا يجب أن نقابل من يضربنا ويشتمنا ويسيء إلينا بالحب، وإنما بالكراهية والنبذ

 

مؤكد أن هذه السيدة تشعر بالأمان رغم كل ما ذكرته، ولولا شعورها بالأمان لما بقيت، فطبيعة الإنسان لا تقبل البقاء في وضع يهدد مصيره أو حياته، من أين يأتي الأمان في مثل هذه الحالة؟ وهل هو أمان حقيقي أم مزيّف؟ هل يمكن أن نوفر هذا الأمان لأنفسنا؟

ورغم أنني في مثل هذه الحالات أفضّل أن يتجه الشخص إلى مساعد مختص يكشف لديه الجوانب المخفية من القصة ويساعده على فهم شخصيته بشكل أفضل، إلا أنني أستطيع أن أستنتج بشيء من الحذر أن هذه السيدة تعاني من خلل ما، ليس بالضرورة مرضيا، وإنما قد يكون ناتجا عن تربية خاطئة أو عن شيء تعرّضت له في طفولتها، أو تربّت على تصوّر خاطئ عن العلاقات، أو أنها خائفة من شيء ما.

في بعض الحالات نحن نكرر النموذج الأسري الذي تربينا عليه في طفولتنا، لأنه النموذج الآمن بالنسبة لنا رغم كل ما بِه من مساوئ، وأمنه يتأتى من معرفتنا به وتعوّدنا عليه وليس من طبيعته الآمنة، فنشعر بالدفء داخله، تماما كالرحم الذي يشعرنا بالدفء والأمان رغم ضيقه وظلمته.

العلاقات الزوجية الفاشلة تنطلق من هنا العلاقات الزوجية الفاشلة تنطلق من هنا

في حالات أخرى يكون للضغوط الاجتماعية والأسرية دور في جعلنا نتقبّل ما لا يمكن تقبّله، أي أننا نختار بين أمرين كلاهما أسوأ من الآخر، غير أنه لا يمكن أن نتحدث عن حب في هذه الحالة وإنما عن قبول بالأمر الواقع.

ومرات نجد لدى شخص يعاملنا بعنف وقسوة الوضع الأنسب لأننا نعتقد أننا نستحق العقاب على شيء فعلناه أو لم نفعله. شعور بالذنب ربما يدفعنا باتجاه القبول بهذه المعاملة، وكأننا ندفع ثمن شيء ما، هو وجودنا نفسه أحيانا، كأن نعتقد أننا لا نستحق حياتنا، لسبب من الأسباب، مثل موت الأم أثناء الولادة أو مرضها أثناء الحمل بنا أو أن يروي لنا الأهل أننا كنّا غلطة لم يخططوا لها، وهو ما يحدث كثيرا في مجتمعاتنا.

وأيا كانت الأسباب، إلا أن المؤكد هو أنه لا بد من طلب المساعدة من المختصّين في مثل هذه الحالات المعقّدة، لأن الاستمرار في مثل هذه العلاقات مدمر ومستنزف، وأن الاستسلام أو حتى التلذذ بسادية جلادنا وخضوعنا له في شكل الاستمرار في حبه، ليس طبيعيا.

رد الفعل الطبيعي على الإهانة والتحقير والتعنيف هو الرفض والكراهية. ورغم أن كثيرين يتعففون من الكراهية ويترفعون عنها حفاظا على دواخلهم من التشوّه، إلا أن الكراهية مطلوبة في مثل هذه الحالات، ولولا الحاجة إليها لما وجدت ضمن قائمة مشاعرنا من خوف وغضب وألم وحقد وحب وغير ذلك. لكل شعور دوره ووقته، فإذا لم يصرف في الوقت والاتجاه الصحيحين تَحدّثنا عن خلل ما، ولهذا لا يجب أن نقابل من يضربنا ويشتمنا ويسيء إلينا بالحب، وإنما بالكراهية والنبذ، ولا يجب أن نجد له المبررات ونتخيّل أننا نضحي إذا صبرنا عليه، مستمدّين شعورا بالامتلاء من فكرة التضحية نفسها، لأن التضحية في مثل هذه الحالات تتحوّل إلى جلد للنفس، وبدلا من جلاد واحد يصبح هناك جلادان؛ أنفسنا ومن جار عليها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى