جمال الثورة في بريتال والفاكهة.. وقبح الفتنة “الصفراء”* لوسي بارسخيان

النشرة الدولية –

يتوجس اللبنانيون عموماً، من قدرة أمين عام حزب الله على “عزل” بيئته عن أي حراك يحمل شعارات وطنية جامعة، ووضع جمهوره في كل مرة، بموقع المواجهة مع كل من يخالفه.. فهناك في هذه البيئة، من هو حاضر دائماً، لتذكير كل من يحاول تنشق جرعة حرية، “بتضحية السيد بأغلى ما لديه” التي لم تحوّل فقط شهادة ابنه قاعدة لتضحية آلاف العائلات الأخرى بشبابها، وإنما مطالبة بتقديم “الولاء الدائم” لكل ما ينطق به، واستعداداً لأن يتحول جمهوره وقوداً، يحرق به كل من ينطق بعكس “كلمته”.

بريتال ووجوهها المتبدلة

وعليه، ليس سهلاً أن يكون أحدهم شيعياً معارضاً للنهج المفروض في بيئة حزب الله. ذلك يعرضه لشتى أنواع الاضطهاد، وصولا إلى كيل الاتهامات التي تجعله منبوذاً، في محيطه العائلي والاجتماعي.

“بريتال” البعلبكية، لا يذكرها اللبنانيون عموماً إلا كعاصية، تسهل جغرافيتها على احتضان الخارجين على القانون. وهذا صحيح إلى حد ما، إلا أن “وصم” البلدة عموماً بتهم الإتجار بالمخدرات، وتعاطيها، وسرقة السيارات وتهريبها إلى سوريا، له أيضاً خلفيات سياسية تضاهي الخلفيات الجغرافية والإجتماعية، وتضع حزب الله وبيئته في موقع المروّج الأول لهذه الصورة عن بريتال، منذ احتضنت البلدة “ثورة الجياع” وقائدها أمين عام حزب الله السابق صبحي الطفيلي، وحتى الانتخابات البلدية الأخيرة التي شهدتها البلدة قبل نحو ثلاثة أعوام.

حوصرت بريتال إنمائياً ومعيشياً، واجتماعياً لسنوات، بسبب توجهاتها السياسية، ونجح من حاصروها بـتكريس “صورتها” السيئة التي تبناها معظم اللبنانيين، في خطف نفَسها كلياً، بعدما وُضع كل أهلها بموقع المتهم إلى أن تثبت براءته. فصاروا بصمْتهم يتجنبون محاكمة المجتمع لهم، إلى أن ترسّخت في أذهان اللبنانيين الصفات التي أسقطت عليهم، وتحوّلت مع طول الحصار إلى جزء من حقيقتها.

ولكن هذه الـ”بريتال” نجحت في استعادة بعض “صوتها” عند إنطلاقة “الثورة” مجدداً، وخرج من بين أهلها من يصرخ على مفرق البلدة المؤدي إلى بعلبك، “كلن يعني كلن”.. حتى أطل الأمين العام لحزب الله مساء الجمعة على شاشة التلفزيون، بمهمة “عزل” جديدة لجمهوره.

اضطهاد الكتروني

كما الكثيرين من أبناء الطائفة الشيعية، شعر “البريتاليون” أنهم تعروا مجدداً من “حصانة الوحدة” التي وفرها لهم المجتمع، فسارع الكثيرون تجنباً لمحاكمة بيئتهم، إلى حذف كل مواقفهم السابقة التي تجرؤوا على إعلانها على صفحات الفايسبوك، ليغالي البعض حتى في إظهار الولاء إلى حد التسلط على من يخالفون رأي أمين عام حزب الله، وهو ما انعكس توترات عديدة في الشارع البعلبكي، أُخمدت أيضا بقوة الأمر الواقع التي تتحكم بهذه المنطقة.

مشهدان شديدا التناقض في البلدة، يمكن التوقف عندهما على صفحات التواصل الاجتماعي منذ انطلاقة “ثورة اللبنانيين”.

في المشهد الأول شاب يصرخ من عمق حنجرته، “نحن أهل بريتال لا نجرؤ على الخروج من حدود بلدتنا، بعدما أُلصقت بنا تهم سرقة سيارات، تصلنا بالأساس من الجنوب”، قائلاً “عيب عليكم، نحن نطالب بالحرية لبريتال وشبابها”.

أما في المشهد الثاني، بعد أيام، سيارات ترفع رايات حزب الله، إثر كلمة الأمين العام مساء الجمعة، وتطلق أبواقها في شوارع البلدة وأزقتها، وكأنها تحاول أن تخفي ذلك الصوت الذي حاول أن يُسمع مجدداً في البلدة.

إحدى الصفحات الإلكترونية أضاءت على المشهدين، مع تعليقات رافقت هذا الانقلاب القياسي بالمشهد خلال أيام، فكتبت بتعليق أول تقول” “الله الشاهد على ما أقول، طرابلس هي كربلاء وأهلها الحسينيون، وبعلبك هي الكوفة وأهلها المتخاذلون، مبارك عليكم يزيدكم يا أهل بعلبك”. لتضيف بتعليق آخر “حيرتونا يا أهل بريتال، بتدعوا على المظاهرات، وبترجعوا بتنزلوا ضدها”. وفيما كان التعليق قد ختم بعبارة “لنشوف هالرقعة الصفرا شو حا تفيدكم”، في إشارة إلى رايات حزب الله التي غزت موكب السيارات المؤيدة لخطاب نصرالله بالبلدة، لوحظ بعد ساعات حذف العبارة الأخيرة مجدداً، مع إبقاء التعليقات التي توجهت إلى كاتبها باللوم، والدعوات إلى حذف ما نشر. يتوجه أحد التعليقات على المنشور الأول إلى مدير الصفحة بالقول “بحطلك صورة أشرف ريفي أو أبو بكر البغدادي لترتاح نفسيتك”.

 

ولم يكن هذا “التخوين” الترهيبي، حكراً على المجموعات الإلكترونية، فعلى صفحات التواصل الاجتماعي “الفردية” عشرات الشبان الذين تحرروا من محاولات الهيمنة على صوتهم منذ سنوات، وباتوا ناشطين محركين لزملائهم من مختلف الطوائف في قيادة التحركات الشعبية بوجه “دكتاتورية” زعماء الطوائف “كلهم”. ومع أن بعض هؤلاء نجحوا في تحقيق كيانات أخرى، جعلتهم أكثر اندماجاً بالمجتمعات التي اختاروها لأنفسهم، ما زالت تلاحقهم محاولات الاضطهاد على منابرهم الخاصة. فيكفي أن ينطق أحدهم برأي، حتى تنهال عليه الشتائم، والتحذيرات المبطنة، ومحاولات التخوين، لا لسبب، وإنما فقط لأن لديهم رأياً آخر، غير الرأي الذي يراد به عزل “البيئة الشيعية” في كيانات متنافرة مع الكيانات اللبنانية الأخرى.

وسط هذا الجو الذي يصعّب على الشيعي المعارض أن يكون ابن بيئته، لا يمكن توقع مساحة حرية أكبر لمن يعارضون حزب الله في الأيديولوجيا الدينية كما في السياسة.

ثوار الهرمل في ساحة الفاكهة

وفي هذا الإطار يمكن وضع الحوادث التي شهدتها بلدة “الفاكهة” التي تشكل مع الجديدة منطقة سنية- مسيحية مختلطةـ

نجح أهالي “الفاكهة” في أيام “الثورة” التسعة الأولى، بالإنضمام إلى الحراك الشعبي المتمثل بإقفال الطرقات الرئيسية في مختلف المناطق اللبنانية، مع إبقاء المنافذ الجانبية مفتوحة. فلم يسجل حتى بعد ظهر الجمعة، أي احتكاك بين الشبان الذين شاركوا بهذا الحراك، والمحيط الشيعي الذي يلفها، إلى أن نطق الأمين العام لحزب الله بكلمته، فزود جمهوره بجرعة معنويات مضخمة، سمحت لهم بالاعتداء على جيرانهم، ضرباً وتحطيماً للسيارات، محاولين فتح الطريق بالقوة. إلا أن شباب الحراك ثبتوا بموقعهم، وكاد الأمر يتطور “دموياً” بين الطرفين، لولا تدخل العقلاء، ورافضي الأساليب الميليشياوية في علاقة الجيران ببعضهم البعض، وحينها ارتفعت هتافات “ثوار الهرمل في ساحة الفاكهة لتؤكد التضامن التام مع ثوارها، وثوار النبطية، وجب جنين وعرسال وآخر بقعة في لبنان، ممن لم يرهبهم أي أصبع من أصابع التحذير التي رفعت بوجه الثورة منذ انطلاقتها.

عن موقع المدن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى