ما سر نجاح التطبيقات الفائقة في الأسواق الناشئة دون المتقدمة؟
النشرة الدولية –
من خلال استهداف كل عميل على حدة باعتباره سوقاً واحداً، تنجح التطبيقات الفائقة في إنشاء نموذج أعمال قادر على تغيير الحياة في الأسواق الناشئة، مثلما حدث في الصين، التي بات من الصعب فيها على مستخدم الجوال الذكي العادي تخيل يومه دون هذه التطبيقات.
هذه التطبيقات واسعة الانتشار في الصين تقدم مجموعة من الخدمات تحت مظلة واحدة، بداية من مراسلات الأصدقاء، أو طلب توصيل الطعام، أو حجز سيارات الأجرة، أو التسوق، أو الخدمات المصرفية عبر الإنترنت.
على سبيل المثال، حاز “وي شات” على لقب “ملك التطبيقات الفائقة” بعدما أضاف خاصية الدفع الإلكتروني في عام 2013، وألحقها بمجموعة من الخصائص بشكل تدريجي، بما في ذلك الألعاب والنشر، ويستخدم التطبيق المملوك لشركة “تنسنت” أكثر من مليار شخص لمرة واحدة شهريًا على الأقل.
وتتزايد شعبية هذه التطبيقات بفعل زيادة الاعتماد على الإنترنت، حيث ارتفع عدد مستخدمي شبكة المعلومات الدولية إلى 51% من سكان العالم، أي ما يعادل 3.8 مليار شخص، ارتفاعًا من 49%، أو ما يعادل 3.6 مليار دولار في 2017.
لا عجب في أن نموذج أعمال التطبيقات الفائقة يتم تبنيه بشكل متزايد من قبل شركات “اليونيكورن” في الأسواق الناشئة الأخرى، ففي جنوب شرق آسيا تتنافس كل من “جراب” السنغافورية و”جوجيك” الإندونيسية على محاكاة هيمنة “وي شات” في الصين عبر قائمة متزايدة من الخدمات.
خدمة المراسلة “لاين” التي ولدت خلال كارثة تسونامي في اليابان عام 2011 وأصبحت الآن أكثر شعبية في أسواق مثل تايوان وتايلاند، تنسخ تجربة “وي شات” من خلال إضافة خدمات توصيل الطعام وسيارات الأجرة وخدمات الدفع.
في أمريكا الجنوبية، تنافس كل من “آي فود” البرازيلية و”رابي” الكولومبية للحصول على لقب الأفضل والأنشط، ومنذ عام 2018 حصلت كل منهما على تمويل يتراوح بين 500 مليون و1.5 مليار دولار، بفضل الإمكانات الواعدة التي تبشر بتحولهما إلى تطبيقات فائقة.
في الأسواق المتقدمة، مثل الولايات المتحدة وأوروبا، فإن التطبيقات الفائقة لا زالت غائبة بشكل واضح، ومن غير المرجح أن تحدث فرقًا كبيرًا كما فعلت في دول العالم النامي.
في الواقع، على مدار العشرين سنة الماضية، كان النموذج القادم من وادي السليكون هو تطبيق الغرض الواحد، بمعنى أنه يركز على تقديم غرض أو خدمة واحدة واضحة وسهلة الاستخدام، ورغم أن هذه التطبيقات صممت للتوسع على المستوى العالمي، لكن كان ذلك دون تغيير عميق في خدماتها.
ظهور التطبيقات الفائقة بدا واضحًا أنه انطلق من الصين خلال الأعوام الخمسة الماضية، وفي حين أنه استفاد كثيرًا من تزايد استخدام الإنترنت والجوالات الذكية، فقد استفاد أيضًا من نمو الطبقة المتوسطة الحضرية والتعداد السكاني الهائل عمومًا.
في الاقتصادات المتقدمة، وصل الإنترنت قبل الجوالات الذكية والتطبيقات المرتبطة به، ثم مع انتقال المستخدمين من الحواسيب الشخصية إلى الهواتف المحمولة المتطورة، سرعان ما تحولت كبرى الشركات مثل “جوجل” و”فيسبوك” إلى الاهتمام بالجوالات، فتركت مجالًا صغيرًا للشركات الناشئة.
العكس تمامًا هو ما حدث في الاقتصادات الناشئة، إذ تعني الزيادة السريعة في استخدام الجوالات الذكية وإنترنت الهاتف المحمول، أن ملايين المستهلكين الجدد أصبحوا على اتصال بشبكة المعلومات للمرة الأولى.
بطبيعة الحال، فإن الشركات التي يمكنها تزويد هؤلاء المستخدمين الجدد بإمكانية الوصول إلى السلع والخدمات عبر قنواتها المباشرة، ستحصل على قيمة وحصة أكبر، كما أن القوة الشرائية المنخفضة نسبيًا في الأسواق الناشئة تعد أحد أسباب نجاح التطبيقات الناشئة.
في الهند على سبيل المثال، يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي نحو ألفي دولار بالقيمة الاسمية، مقارنة بـ60 ألف دولار في الولايات المتحدة، ونظرًا لانخفاض الإنفاق، سيكون من الصعب أن تحقق خدمة واحدة عائدات كافية أو ترسخ قواعد التطبيق ضد المنافسة.
في لغة الاستراتيجية، يكون “السوق الهائل” هو سوق البضائع التي يتم إنتاجها على نطاق واسع وتخدم عددًا كبيرًا من العملاء، لكن في العالم الرقمي للتطبيقات الفائقة، يمكن أن يكون كل عميل “سوقا هائلا” لأنه الشخص المستهدف لمجموعة من الخدمات والمنتجات، وهنا يسمى “السوق الهائل الواحد”.
لبناء هذا السوق، تحتاج التطبيقات الفائقة إلى جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات الرقمية عن عملائها، واستخدامها في إنشاء ما يعرف بـ”التوأم الرقمي” الذي يمكن التطبيقات من تقديم قيمة أكبر في شكل خدمات معدة خصيصًا للعملاء، وبالتالي تحمي نفسها من تحول العملاء إلى منصات أخرى.
بمجرد نجاح التطبيق الفائق في بناء سوقه الهائل الواحد، فإنه لا يزيد من قيمته مدى الحياة بالإضافة إلى ولاء العملاء فحسب، بل يبني خندقًا قويًا حول أعماله الأساسية، مما يقلل من الناحية النظرية ضغوط المنافسة.
تخلق التطبيقات الفائقة نظامًا بيئيًا خاصًا، يحتكر وقت المستخدم ويغنيه عن اللجوء لمجموعة متنوعة من التطبيقات، وبفضل ذلك، فإن نموذج أعمالها آخذ في النمو في الأسواق الناشئة، علمًا بأن الشركات المشغلة لها تستهدف التوسع الأفقي والسيطرة الجغرافية في نطاق محدد.
من بين العوامل الرئيسية لنجاح هذه التطبيقات، تبنيها رواية قوية تشجع المستهلك على استخدامها، وتوفيرها وسائل دفع سهلة بالإضافة إلى برامج لضمان ولاء العملاء، وأيضًا تقديمها خدمات تكميلية أخرى.