حادثة “الرينغ” كسرت صورة “حزب الله” أمام اللبنانيين* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

منذ انطلاق الانتفاضة اللبنانية لم يعدم “حزب الله” وحركة “أمل” وسيلة للانقضاض عليها في محاولة لإفشالها. لكن ما حدث ليل الأحد الاثنين 24 و25 نوفمبر (تشرين الثاني) من هجوم لمناصري الثنائية الشيعية على المتظاهرين في “جسر الرينغ” وشارعي “مونو” و”مار مخايل” في منطقة الأشرفية شرق بيروت، حيث استفاق سكان تلك المنطقة على أعمال تكسير وتحطيم لسياراتهم وواجهات المحلات التجارية والمطاعم وسرقة محتوياتها، إضافة إلى ترويع الناس في بيوتهم عبر طرق أبواب المنازل، كما قاموا بحرق الخيم في ساحتي رياض الصلح والشهداء، فاق كل تصور. والمثير للاستهجان كان أن تحركات هؤلاء المناصرين ترافقت مع هتافات “شيعة شيعة شيعة”، في إشارة لتأكيد هويتهم إضافة للشعارات التي تركوها على الجدران، بأسلوب همجي لتشويه هذه المنطقة الجميلة والهادئة من العاصمة بيروت.

“القمصان السود”

تعددت التحليلات في محاولة لتفسير هذا الهجوم، علماً أن هذه التحركات كانت تنقل عبر البث المباشر وشاهدها معظم الشعب اللبناني، لكن الأهم أنها أعادت الذاكرة إلى أحداث السابع من مايو (أيار) من العام 2008 عندما قامت الجهة نفسها بالهجوم على بيروت وبعض مناطق الجبل، وحادثة “القمصان السود” عام 2011، أحداث يفتخر بها “حزب الله” ويستحضرها في كل مناسبة، فهل سيضيف حادثة “جسر الرينغ” إليها”.

“لن تكفي كلمة أسف”

“اندبندنت عربية” سألت بعض الناس العاديين، كيف ستؤثر هذه الحادثة في صورة الثنائية الشيعية؟

طالب 37 سنة، من الجنوب، يقول “أنا من جيل نشأ على الاعتزاز والفخر بالمقاومة منذ التسعينيات، وبعد ورقة التفاهم مع “التيار الوطني الحر” عام 2006 كنت أدخل الى جامعتي في إحدى المناطق القريبة من حادثة “الرينغ” مرفوع الرأس مفتخراً، واعتذر عن هذا التعبير بانتمائي إلى الطائفة الشيعية. لكن بعد “الهجمة” على بيروت وما عرف بحوادث أيار بقيت فترة طويلة لا أتوجه إلى المنطقة الشرقية من بيروت، علماً أن لي أصدقاء كثراً هناك. ومن بعد حادثة “القمصان السود” عاهدت نفسي ألا أرتدي الأسود مطلقاً في حال توجهي إلى شارع الحمراء أو منطقة الأشرفية، الآن بعد هذه الحادثة (حادثة الرينغ)، كيف سأفسر لأصدقائي، كيف سأدافع عن المقاومة وصورة “السيد”، بماذا سأبرر تحطيم ممتلكات وأرزاق الناس، لن تكفي كلمة أسف”.

“أخجلني وأحزنني كثيراً”

علي 30 سنة، من الجنوب، يقول “أنا أنزل للتظاهرات، صحيح إنني أعيش في المشرفية (الضاحية الجنوبية لبيروت) لكن أقصد صور مدينتي كي أتظاهر مع أصدقائي، وما حدث على “الرينغ” وفي “مونو” أخجلني وأحزنني كثيراً، ما ذنب الناس لتحطّم سياراتهم، وما ذنب تلك المنطقة كي تشوّه جدرانها علماً أنني أحبها جداً وأستمتع بأخذ صور السيلفي في تلك المنطقة لأنها تشبه المدن الأوروبية، وسأقول شيئاً ربما يقال للمرة الأولى، أحد معارفي وهو من مناصري الحزب (حزب الله)، قال لي مرة “إنني أحسدهم على طريقة عيشهم وعلى نظافة منطقتهم، أتمنى لو أحطمها وأشوه جدرانها”.

وتوجهنا بالسؤال نفسه إلى مصدر شيعي متابع لحركة الانتفاضة، يقول “حزب الله وحركة أمل أرادا من وراء تحركهم الأخير القول إنهما من يسيطر على العاصمة بيروت وإنه في استطاعتهما الوصول إلى أي منطقة ولا محظورات أمامهما حتى لو تخطوا ما كان يعرف بخطوط التماس أيام الحرب، المشهد عملياً أرجع لذاكرة الناس أحداث الحرب الأليمة”.

يتابع المصدر “من الواضح أن ما يزعج “حزب الله” فعلياً هو قطع الطرقات، لذا كان السيد نصرالله قد خصص فقرة في أحد خطاباته للحديث عن إقفال الطرقات”، وقال “نعم نحن أغلقنا الطرقات لتحقيق مطالب، ويمكن في يوم من الأيام في المستقبل أن نقوم بإغلاق طرقات لتحقيق مطالب محقّة”، بما معناه أنهم الجهة الوحيدة التي تستطيع أن تقفل طريقاً، وأن مطالبهم هي المحقّة فقط، وكان حدد للمتظاهرين الأماكن المسموح بها للتظاهر”، وهذا لا يعني أن تخرجوا من الساحات والميادين، لا، أبداً، ابقوا في الساحات والميادين”، إذاً، الانتفاضة أتعبت “حزب الله” بامتلاكها سلاح العصيان وقطع الطرقات.

لكن “حزب الله” ليس بحاجة لاستعراض قوته، لماذا يحاول مواجهة الانتفاضة؟

يقول المصدر “الحزب يعاني من الحصار الدولي عبر العقوبات، ومن تمرد رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري إذا صحّ القول، موقف الحريري وصلابته هما ما يحير الثنائية الشيعية، لم يتوقعوا الاستقالة ولا أن يرفض الحريري التكليف مرة جديدة، اعتبروا أن استقالته مناورة سياسية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، أن الحزب الذي يتمتع بقوة ومنظومة عسكرية، واستطاع أن يقف بوجه إسرائيل، ها هو ينكسر أمام الناس، هو يعتدي عليهم وهم بقوا ينادون “سلمية سلمية”، صورة المقاوم تحولت إلى “بلطجي”، إنها المرة الأولى التي لا يخيف فيها “حزب الله” الشارع، صورته انكسرت ولن يقدر على ترميمها لفترة طويلة هذا إن استطاع، يعني أن حادثة السابع من مايو، و”القمصان السود” التي فرضت معادلات سياسية حينها لن تحصل مجدداً.

لكن ما تأثير هذا في صورة الطائفة الشيعية؟

يقول المصدر “ورقة التفاهم مع “التيار الوطني الحر” عام 2006، سمحت للفرد الشيعي أن يدخل إلى المناطق المسيحية بحرية وبفخر نوعاً ما، هذا المواطن كان بأعين المسيحيين خصوصاً واللبنانيين بمختلف طوائفهم، “مقاوماً”، ووقف بوجه الإسرائيلي باللحم الحي أحياناً. لكن هذه المعادلة بدأت تترنح بالأحداث التي تلت، من السابع من مايو إلى “القمصان السود”، وبدأ الناس يخشون من سيطرة الحزب على البلد، وأصبحوا يتعاملون مع وجوده بحذر، وكلنا نذكر قبيل انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) بفترة قصيرة، كان الناس يتحدثون عن الحزب بخوف، إذاً، صورة الحزب يعتدي على المتظاهرين سوف تبقى راسخة، والأهم أن الناس كسروا حاجز الخوف من “البلطجية”، وعلى صعيد الطائفة الشيعية، قد تعيدها هذه الحادثة إلى عزلتها السابقة من جديد، ما يشير إلى أن الحزب لا يستطيع إدارة أموره بالسياسة، ما يملكه هو قوة عضلاته التي اكتسبها بامتلاكه السلاح”.

هل من الممكن أن يحاول قمع الانتفاضة بقوة السلاح؟

يشير المصدر إلى أن “حادثة “الرينغ” أفرزت واقعاً جديداً، عدا عن انكسار صورة الحزب أمام الشعب اللبناني، تداول النشطاء على وسائل التواصل صورة للجيش وهو يعطي ظهره للمتظاهرين تحت شعار “الجيش بيعرف لمين بيرم ظهره”، ما يعني أن الثنائية الشيعية أصبحت بمواجهة الدولة والسلطات الأمنية، التي يمثلها الجيش اللبناني، والدولة التي ينادون بها هي دولة لا يوجد فيها قانون ولا احترام للشرعية، ومستقبلاً إذا قاموا بتوجيه سلاحهم إلى الداخل يكونون كمن يقدم على الانتحار. الملفت أنه لم يصدر عن “التيار الوطني الحر” أو أي من حلفائهم تعليق أو استنكار لما حصل”.

“مسيرة ورود”

وعصر السبت 30 نوفمبر، تجمع عدد من الأمهات والنساء على جسر “الرينغ” باتجاه الخندق الغميق كخطوة مصالحة بين المنطقتين، وحملن لافتات تعبر عن وجع المواطن، ووزعن الورود البيضاء عربون سلام.

نقلاً عن اندبندنت عربية

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى