الإيمان بمجيء “المهدي” قد يكون كارثة على تركيا* إرغون باباهان
النشرة الدولية –
السياسة التركية الجديدة ليست محكومة فقط بالحسابات الاقتصادية أو بالقراءات السياسية للواقع الداخلي والخارجي، بل هي محكومة أيضا بجملة من المعتقدات الدينية والمرويات التاريخية. ولعل عودة الحديث في تركيا عن المهدي المنتظر لا تصنف فقط من قبيل الأوهام والأساطير، بل يتوجب النظر إليها على أساس أنها عقلية إسلامية تسود الآن في تركيا وتطورت إلى مرتبة التأثير في السياسة الخارجية.
قال عدنان تانيفيردي، كبير المستشارين العسكريين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومؤسس شركة سادات شبه العسكرية التي ترعاها الحكومة التركية، الأسبوع الماضي إن شركته تمهد الطريق لوصول المهدي، الشخصية الدينية التي طال انتظارها، والتي يقول بعض المسلمين إنه سيأتي لنشر الإسلام الصحيح.
إذا وضعنا ذلك إلى جانب سياسة أردوغان التوسعية في ليبيا بعد سنوات من العمليات العسكرية في سوريا، فسنجد أن تعليقات تانيفيردي تكشف عن المعتقدات الدينية التي تقوم عليها سياسة تركيا الخارجية القائمة على الجيش. لقد وُضعت تركيا في أيدي أولئك الذين تعتبر صحتهم العقلية وحكمهم موضع تساؤل وقد دخلت في طريق خطير.
في هذا السياق قال غوكهان باجيك الكاتب في موقع أحوال تركية، إن مفهوم المهدي لم يكن متجذراً في الأصل في الإسلام، ولكنه نشأ في القرن الثاني عشر من خلال أحاديث مثيرة للجدل منسوبة إلى النبي محمد. ويقول هذا الاعتقاد إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدّد لها دينها، وسيكون آخر هؤلاء المجددين هو المهدي. ويُعتقد أنه المخلّص للإسلام الذي سيظهر قبل يوم القيامة ويحقق العدالة في العالم.
ووفقاً لهذه الأحاديث، فإن أتباع المهدي متفوقون مثله. وللحصول على الهبات الممنوحة للمهدي وأتباعه، ولإثبات أن زعيمهم هو المهدي الذي طال انتظاره، اختلقت الجماعات الإسلامية العشرات من الأحاديث على مر التاريخ. وقال البعض إن المهدي سيظهر في العاصمة السورية دمشق. في حين قال آخرون إنه سيظهر في إسطنبول بتركيا، أو المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.
ويقول تانيفيردي، الجنرال المتقاعد، إن تركيا تستعد لظهور المهدي. ووفقاً لهذا الخطاب، يُنظر إلى أردوغان إما على أنه المهدي، أو على أنه أحد تلاميذه.
والخطاب بشأن المهدي ليس حصرياً لدى أنصار أردوغان في تركيا. فأعضاء حركة فتح الله غولن الدينية، الذين واجهوا الاتهام بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في العام 2016، ينظرون إليه على أنه المهدي، وكان هناك اعتقاد بأن الداعية الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقراً له سيعود من المنفى الاختياري إلى تركيا للاضطلاع بهذا الدور.
الإيمان بظهور المهدي لا يختلف في معظم الحالات عن المعتقدات الدينية الأخرى غير الضارة. يثير بيان تانيفيردي احتمالاً خطيراً يتمثل في أن السياسة الخارجية التركية أصبحت منفصلة عن العقل ويتم تحديدها وفقاً للمعتقدات الدينية لمجموعة من المتعصبين.
قد يكون هذا الإيمان بظهور المهدي هو الذي يدفع تركيا إلى مغامرة عسكرية في ليبيا، وليس فقط رؤية الحكومة للمصلحة الوطنية. فقد وافق البرلمان التركي على اقتراح يسمح للحكومة بإرسال قوات إلى ليبيا. وستتولى على الأرجح الوحدات العسكرية المراد إرسالها أمر المرتزقة الجهاديين الذين يتقاضى كل منهم راتبا شهريا يبلغ 2000 دولار والذين تم اختيارهم من الجماعات الإسلامية في سوريا.
ستخوض تركيا حرباً من خلال جيش يتكون من متشددين جهاديين تم تصنيفهم كإرهابيين من قبل دول عديدة بما في ذلك روسيا، التي أخذت صف الجيش الوطني الليبي، خصم تركيا في ليبيا. يبدو هذا التحول لا يُصدق بالنسبة إلى بلد حلم بأن يصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي قبل عشر سنوات.
ثمة خطر كبير على باب تركيا. إذا طال أمد الحرب في ليبيا، فإن العمل السياسي من قبل خصوم أنقرة في المنطقة قد يؤدي إلى إضافة تركيا إلى قائمة الدول الراعية للإرهاب، لاسيما إذا كان وكلاؤها العسكريون يتحملون مسؤولية الهجمات الإرهابية في الغرب.
يُظهر لنا التاريخ النتائج القاتلة لهذه المشاريع المجنونة. فقط إذا نظرنا إلى سياسات أنور باشا المغامرة والتوسعية خلال السنوات الأولى من القرن السابق في المنطقة فإنها تكفي لفهم التكاليف التي تنطوي عليها مثل تلك المشاريع.
كان أنور باشا، وهو عضو قيادي في جمعية الاتحاد والترقي والحكومة العثمانية بين 1913 و1918، من عموم الإسلاميين. وبسبب القرارات القائمة على معتقداته الدينية، فقد عشرات الآلاف من الجنود العثمانيين أرواحهم في حملة القوقاز ضد الروس بين عامي 1914 و1915. ثم فقد أنور باشا حياته في حربه لإقامة إمبراطورية إسلامية في آسيا.
يبدو أن أردوغان وحزبه يسعيان لتحقيق أحلام أنور باشا، إذ أنهما غير راضيين عن النهج السلمي للسياسة الخارجية الذي تبناه مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك.
هذه هي العقلية الإسلامية التي تسود الآن في تركيا. يدرك الإسلاميون أنه لا يمكن سد الفجوة في مستوى التنمية بين العالم الإسلامي والحضارة الغربية. لذلك يبدو أنهم علّقوا آمالهم على مهدي سيظهر ويضع نهاية لمشاكلهم. وهذا الوضع مبعث قلق بالغ لتركيا.