” لن تسرقوا وطني”* سيليا قرضاب حماده
النشرة الدولية –
أنا التي لا أكره أشخاص بل أفعال، أشعر أنني لا أحب أفعّالكم جميعا لأنها أساءت الى وطني ولي ولسواي.
جميعكم لا تعني فقط الطبقة السياسية الحاكمة الفاسدة . فهذه الطبقة باختلاف درجات فسادها وتنوعه ما هي الا عينة من بعض شعب غارق في الفساد ، وأعلم أنني لم أكتشف البارود وسعيدة انني لم أفعل، لكن لا بد قبل المطالبة بالاصلاح وقلب الطاولات على رأس الوطن وأهله، من اعادة الحساب.
فتلك الطبقة التي ترجمون ماهي إلا: عينة من فئة من الناس تدفع الرشوة لتسرع معاملاتها على حساب من ينتظرون طويلا في دوائر حكومية او خاصة، والذي يعترضون عادة هم الذين ليس معهم ما يكفي ليشتركوا معهم بالفساد.
عينة من فئة من الناس لا تقف على اشارة سير الا على مضض ، تشبه سائق يطلق بوق سيارته ازعاجا بسبب عجوز يعبر الشارع على مهل ، أخره عن مشواره لمجّ أركيلة في المقهى مع الأصحاب.
عينة من فئة تبتسم لجيرانها في العلن وبعيدا عن عيونهم وآذانهم تنعتهم بالكفار.
عينة من فئة من الشعب لا تعرف الفرق بين الربح المشروع والجشع بدأ بالمحلات الصغيرة في القرى الى اكبر الأسواق والمحلات .
عينة من فئة لا يضيرها ان تطعم الناس أغذية غير صحية وملوثة مطبوخة بماء غير نظيف في مطاعم فخمة تتباهى بديكورها وجلساتها أو مطاعم شعبية ومقاهي تطعم متوسطي الحال ، مقابل ثروات في حساباتها الخاصة .
عينة من فئة من الشعب كسبت ثرواتها من ضوء الكهرباء وفئة مستفيدة من خدمات المولدات وان على مضض ، فمن يستطيع ان يدفع الفواتير لا يهمه من لا يستطيع ان يدفع، فليسهر على ضوء الشموع او ينام باكرا لا فرق مثلما كانت الناس تفعل قبل مئة عام.
عينة من فئة لا يهمها أن تصل الماء الى خزانات الجيران او الناس طالما هي وأراضيها تحتكر نعمة السماء.
عينة من فئة باعت صوتها في صناديق الاقتراع بأبخس الأثمان أو بوعد وظيفة توصل أحد أبنائها الى بر الأمان غير آبهين بسواهم، أو خوفا من انتصار فئة على فئة او مذهب على مذهب ، ثم تقول أن زعيمها وحده من أهل الفساد.
عينة من فئة تغرق نفسها بالديون لتقلد مستوى عيش سواها ثم تلوم الدولة والخدمات، وتحسد مال من يشقى ليل نهار.
عينة من شعب ينفض سجادته، او خادمته تقوم بالمهمة عنه، على سطح الجيران في زمن المكانس الكهربائية، ويشطف شرفة بيته وزجاجه فوق شرفات ونوافذ الجيران.
عينة من فئة تغسل محلاتها وتكنسها الى الشارع العام وليقع من يقع من المارة، ولتسود شوارع المارة التي نتظر البلديات أمطار السماء لتغسلها.
عينة ممن يلوثون الهواء بدخان مازوت الحافلات الصغيرة او الكميونات والسيارات بحجة انهم يقلون الفقير أو يعملون لأجله وهم يجنون الآلاف من الدولارات
عينئة من فئة تستغل الفقير والضعيف لتزيد ثروتها.
عينة من فئة من رجال يستقوون على نساء أو أطفال بحجة تفويض من السماء
عينة من جمعيات مدنية وخيرية تجمع المال باسم الفقراء لتعطيهم من القبع ربع كما يقولون ، اي الفتات.
عينة من فئات تنتمي الى طائفة او جهة سياسية تشحذ المال م الخارج ومن سفارات لمشاريع وهمية ولمساعدات وهمية لا يرى منها الناس شيئا
عينة من فئة من الناس يوجهها بعض اعلام سطحي سخيف همه التمويل لا التثقيف
عينة من فئة من اعلاميين على لائحة الرواتب الشهرية لبعض جهات سياسية يشعلون حلقاتهم باثارة الفتن واطلاق الاشاعات
عينة من فئة تبيع أقلامها وضميرها حتى للشيطان مقابل حفنة من المال
عينة من طبقة مثقفة تفهم الثقافة والابداع على انها تطبيل وتزمير وعلاقات عامة تشهر من تشاء
عينة من اصحاب مدارس يجنون الثروات من بيع العلم الرخيص الذ ي يضر العقول أكثر مما ينميها وعينة من اهل يفضلون هكذا مستوى على ان يتخرج اولادهم من مدرسة رسمية
عينة ممن يملكون شهادات طبية ويمارسون الطب على هامش المسؤولية ويتعاملون مع المرضى كزبائن بعد أن تبنوا قسم ابقراط.
عينة ممن لا يحفظون الأدوية مبردة كما يجب ليوفرون الكهرباء وممن لا يهمهم بيع أدوية فاسدة طالما راس مالهم ينتعش في المصارف.
عينة من فئة تتاجر بالصحة النفسية والجسدية للشباب بالترويج وبيع المخدرات على أنواعها وتزيد من مالها التي تظنه نظيفا بعد التبييض.
عينة ممن لا يدفعون ما يستحق عليهم للدولة من فواتير كهرباء او ماء وهم من حيث يدرون او لايدرون يسرقون مال سواهم من ابناء الوطن
عينة ممن وجدوا الطرق الملتوية للتخابر بالمجان عن طريق سنترالات الدولة
ممن لا يدفعون جمارك وغيرهم يجب ان يدفع.
ممن يستقوون على سواهم باحزابهم او زعمائهم على الطرقات و الأفراد والمؤسسات
عينة من فئة من شعب تستقوي بالخارج على سواها وتعيب على غير فئات انتمائها للخارج ولا أحد يسأل أين الوطن ولمن الولاء؟
عينة من شعب لا يرى فساد زعيمه بل زعيم سواه وينسى التاريخ والأحداث ومن جر البلاد من الأساس الى الويلات.
تكاد اللائحة لا تنتهي … وانا لم أتطرق الى المشاريع الكبرى والأموال التي تخص الدولة او الناس فهذه لديها ما يكفي من أصوات لفتح الملفات او للنكايات.
أكاد أكرهكم أنتم الذين كان بايديكم التأسيس لدولة يتساوى فيها المواطن امام القانون بعيدا عن محاصصاتكم ومناطقكم ومذاهبكم وانتماءتكم وولااءتكم وثرواتكم.
أنتم الذين كان بايديكم التأسيس لدولة تعلي شان المواطن وترفع مستوى المعيشة والخدمات. لدولة تضم ابناءها لا تشردهم على ابواب سفارات العالم والمطارات.
أتعلمون ما جعلني أكتب هذا المقال اليوم ؟ وقد كتبت الكثيرمنه وما يشبهه قبل سنوات في قصائد ومقالات!
انه صوت فيروز يرنم هذه الكلمات:
“خذني على تلاتها الحلوين خذني على الأرض اللي ربتنا ..خذني ازرعني بارض لبنان”
هذه الكلمات التي تثيرتصفيق وودموع اي مهاجر او مهجر خارج لبنان، وما زالت تبكيني رغم سنين الغربة الطوال . فحملت قلبي على قلمي لأقول لكم :
لن تسرقوا منا حتى الحلم ببلد جميل آمن، مهما شوهتم صورته واغرقتم طرقاته بنفايات واستقويتم بعضا على بعض بمال او عضلات!
سيلعنكم كل ما هو جميل في هذه الحياة او بعدها ان تماديتم أو استهترتم أكثر وسيكرهكم حتى الهواء.
فافعلوا ما شئتم أو ما استطتعم بصحوة ضمير أو غياب او قتال أو حوار او عتا ب أو ثورة بعضكم على بعض.
لن تسرقوا مني صوت فيروز والحنين ولا “صوت نهورة عم تنده الغياب”
لن تسرقوا وطن الحب والأحباب.
لن تسرقوا مني وطني
المقال نُشر في جريدة “النهار” اللبنانية عام ٢٠١٥