كورونا يدفع الرجال لاكتشاف بيوتهم* لمياء المقدم
النشرة الدولية –
يجلس الرجال، هذه الأيام، في البيوت بسبب الحجر المفروض على الجميع لتفادي انتشار فايروس كورونا. وهو أمر جلل لو تعلمون، فجلوس الرجال في البيوت لأيام طويلة وربما لأسابيع ليس بالأمر الهين عليهم ولا على زوجاتهم وأبنائهم.
بعض الرجال لم يتعودوا الجلوس في البيت على الإطلاق، وبمجرد أن يفتحوا أعينهم يرتدون ملابسهم ويخرجون للعمل، ومنه إلى المقاهي والأسواق وحلقات الأصدقاء ولا يعودون إلا ساعة النوم. هؤلاء لا يعرفون في الغالب شيئا عن البيت أو الأطفال أو حياة الأسرة، ولا بد أن وجودهم الآن في البيت لفترات طويلة يسبب لهم مشاكل لا حد لها.
هناك فئة أخرى من الرجال الذين يحبون أن يكونوا في البيوت في أوقات محددة فقط ولوقت قصير، بعد الانتهاء من العمل مثلا، عندما يعودون ليرتاحوا لساعات قليلة قبل أن يخرجوا مجددا للسهر أو لقضاء شؤونهم الخاصة.
أما الفئة الثالثة فهم الرجال الذين تعودوا بطبعهم البقاء في البيت لفترات طويلة، يقطعها فقط خروجهم إلى المساجد لقضاء فريضة الصلاة وحضور حلقات الذكر أو للذهاب لزيارة شخص ما. بعض هؤلاء يعيش في البيت ولكنه لا يرى أصحابه ولا يشعر بهم، فهو وإن كان موجودا بينهم إلا أنه يهيم في ملكوته الخاص.
ولا ننسى طبعا، الرجال الضيوف، وهم الذين يعيشون داخل بيوتهم بمنطق الضيف، يأتون ويذهبون وكأنهم عابرون، ولولا وجود مفاتيح في أيديهم لاعتقدنا أنهم ليسوا من أصحاب البيت.
ولكم أن تتخيلوا أن هؤلاء جميعهم يجلسون في البيت الآن محشورين بين الأطفال والنساء، يستمعون إلى قصص النساء وحكاياتهن الطويلة، ويتابعون مشاجرات الأطفال ونزاعاتهم التي لا تنتهي على جهاز التحكم، والثلاجة ومساحة الكنبة، ويرون، لأول مرة ربما، ما يحدث داخل البيت من تفاصيل دقيقة، والعلاقات التي تحكمه، وموازين القوى بين الأفراد، والتجاذبات والفراغات.
بعضهم سيفزع بالتأكيد لهول التجربة، وسيجد نفسه حائرا بين أن يدخل طرفا فيما يحدث أو ينأى بنفسه عن كل ذلك، كما تعود أن يفعل، حتى يظل ذلك البعيد المهاب، الذي يحسب لتدخله ألف حساب.
آخرون قد يكتشفون أسرهم لأول مرة، وسيتعرفون على بناتهم من بين بنات الجيران، سيميزونهن من طريقة كلامهن، حديثهن، مشاكلهن، ماذا يفعلن وكيف كبرن بتلك السرعة المدهشة. وداخل بيوت كثيرة سيكون في كل منها أب يكتشف مصادفة أبوته، وزوج تعود له صفته، وابن يرى أمه العجوز ويسمع صوتها لأول مرة رغم أنه يعيش معها منذ أعوام طويلة.
بقاء الرجال في البيوت صعب، دعونا نتفق على ذلك، إلا أنه، رغم صعوبته، لا يصل إلى مستوى الأزمة التي وضعت فيها النساء جميعهن. فالزوجات رغم تذمرهن الدائم من خروج الرجال المتواصل من البيت إلا أنهن يفقدن توازنهن تماما في حضورهم الدائم وقد يصل بهن الأمر إلى عدم القدرة على القيام بأي شؤون منزلية أو تربوية في وجود الرجال.
تدخل المرأة في حيرة بين هل تستمر في القيام بما كانت تقوم به كل يوم أم تعدل من نظامها بما يتناسب وحضور الرجل؟ هل تعاتب الأولاد وتنهرهم وتفك نزاعاتهم أم تترك المهمة، مؤقتا، لسيد البيت الموجود معهم الآن؟ هل تتحدث مع أخواتها وجاراتها وصديقاتها بالساعات في الهاتف كما تفعل كل يوم أم تولي اهتمامها ووقتها للرجل الجالس قبالتها؟
وكما أن هناك رجالا لا يطيقون البقاء في البيت، هناك نساء أيضا لا يطقن وجود الرجل في البيت، ولا يضحكن أو يتحدثن أو يرقصن أو يطبخن أو يتنفسن إلا بعد أن يستدير الرجل إلى الخارج موليا ظهره لهن.
وطبعا لا بد أن تجربة كهذه ستترك أثرها على كل الأطراف، بين من يتقبلها ويتعلم منها ويتدارك أخطاءه، وبين من سيشعر بهول وثقل الأمر فيزيده سوءا بافتعال المشاجرات والمشاحنات والاحتكاك بمن حوله وتحويل البيت إلى ساحة قتال مستمرة.
وفي اعتقادي إنها تجربة مهمة لكل الأسرة، رغم قسوتها ربما، فالرجال مطالبون بإبداء الكثير من الصبر والتفهم والتسامح، وبدخول المطابخ وغرف الأولاد والنساء مطالبات بفتح الطريق أمامهم وتشجيعهم واحتضانهم داخل البيت. ولعلها فرصة لنا جميعا لنتقارب ونتعارف وننفتح على بعضنا ونكون على سجيتنا دون زيف أو ادعاء. إنها فرصة للصداقة والدفء والمحبة واكتشاف بيوتنا، فلنستغلها جيدا.