الجسم الطبي اللبناني… جنود مجهولون في معارك “كورونا”* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

توقعت منظمة الصحة العالمية، يوم الثلاثاء 24 مارس (آذار) أن يشهد العالم ارتفاعاً كبيراً في الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا (كوفيد – 19) الذي أصاب أكثر من 338 ألف شخص حتى الآن. وكشفت عن أن آخر إحصاءات توثّق الحالات المؤكدة للوباء في العالم حتى يوم الثلاثاء، تشير إلى إصابة 372757 ألف شخص ووفاة 16231، وذلك بالتزامن مع وصول الفيروس إلى 194 دولة في العالم.

وأكدت المنظمة أن لا وجود لأي لقاحات لـ COVID-19 في الوقت الحالي، كما أنها لا توزّع أي منها.

مصير الطواقم الطبية

أعداد المصابين المتزايدة تطرح تساؤلات حول مصير الأشخاص الأكثر قرباً من هؤلاء المصابين، الذين قد يكونون معرضين لخطر الإصابة بشكل مستمر، وهم الطواقم الطبية من أطباء معالجين وممرضين.

وكانت شاشات التلفزيون العالمية عرضت معاناة هؤلاء اليومية، واضطّرارهم لتحمل ساعات طويلة جداً من العمل، تتجاوز أحياناً كثيرة الـ 12 ساعة، كما أنهم يرتدون الكمامات والأقنعة والقفازات لمدة طويلة جداً، ما يتسبب لهم بتشوهات وجروح وتقرحات. فهم يخرجون من بيوتهم، ولا يعلمون إن كانوا سيعودون إلى عائلاتهم سالمين.

“اندبندنت عربية” تواصلت مع عاملين في مستشفى رفيق الحريري الجامعي للاطلاع على تفاصيل معاناتهم ودواماتهم والتغييرات التي طرأت على طريقة عملهم، منذ بدء انتشار الفيروس في لبنان. فشرح محمد بولاد، اختصاصي طب الطوارئ في المستشفى، كيفية التعامل مع المريض منذ وصوله إلى المركز الصحي حتى شفائه، قائلاً إنّهم انقسموا إلى قسمين، “قسم خاص بكورونا، عُزل تماماً عن القسم الآخر عبر استحداث أبواب وجدران جديدة لقطع المستشفى إلى نصفين”.

تقسيم فرع الطوارئ

وتحدث عن كيفية استقبال المصابين، قائلاً “يصل المصاب إلى قسم الطوارئ، حيث هناك طبيب وممرضون مسؤولون عن الفرز. يتواصلون مع المريض مع الحفاظ على المسافة الآمنة المحددة، بمتر ونصف المتر إلى مترين. ومن ثم، يوجهون أسئلة معينة، (إذا كان آتياً من منطقة موبوءة أو تواصل مع أحد المصابين)، كي يقرروا على ضوء الإجابات إجراء فحص الـ PCR من عدمه”.

وأضاف “الطوارئ أيضاً منقسم إلى قسمين، قسم للمصابين الذين لديهم عوارض كورونا، وقسم للذين ليست لديهم أية عوارض، منعاً للاختلاط. ومن ثم يخضع المريض للـ PCR أو CT Scan  لمنطقة الرئتين، بعدها يُرسل المريض إلى قسم العزل في انتظار نتائج الفحوص. أما إذا جاءت النتائج سلبية، ولا يزال المريض يشعر بعوارض كورونا، فينتظرون لـ 48 ساعة قبل إعادة الفحص مرة أخرى.

أقسام الكورونا في المستشفى منقسمة أيضاً إلى طبقات معزولة، فهناك طابق خاص للأشخاص الذين جاءت نتائج فحصوهم إيجابية، وآخر للذين لم تُحدد حالتهم بعد. كما هناك أقسام لمرضى الحالات الحرجة، وقسم لأشخاص وضعهم الصحي متوسط الخطورة.

وبحسب بولاد، فإن الأمور معقدة وتستلزم عملاً كثيراً، وهذا ما يرهق العاملين في هذا القطاع. ويوضح أنهم يتحملون تعباً وإرهاقاً هائلَيْن، إذ يستقبلون يومياً في قسم الطورائ بحدود 150 إلى 200 شخص، وأحياناً يزيد العدد على ذلك”.

تكلفة العلاج

وبما أنّ أعداد المصابين في تصاعد يومي، طُلب منا العودة إلى تقارير وزارة الصحة، التي تحدّد مرضى كورونا على جميع الأراضي اللبنانية، حيث توجد مستشفيات أخرى تستقبل حالات أيضاً. في هذا الإطار، قال بولاد “في المقابل، هناك أشخاص يتماثلون للشفاء يومياً، ومنهم من لم يُشفَ بشكل تام، لكن العوراض تكون قد زالت عنهم، فليس هناك ما يستدعي بقاءهم في المستشفى، لذا هم يتابعون الحجر الصحي في منازلهم”.

وعن جنسيات المصابين، أوضح أن غالبيتهم من الجنسية اللبنانية، لكن هناك أيضاً عدداً ما زال قليلاً من الجالية السورية. وعن المعلومات التي وردت إلى الإعلام في ما يتعلّق بنقل بعض معدات المستشفى إلى مستشفيات خاصة، أجاب أن هذا الموضوع ليس ضمن اختصاصه كطبيب، بل من اختصاص الإدارة، مع أنه يستبعد ذلك، باعتبار أن مستشفى رفيق الحريري هو الأكثر طلباً لهذه الأجهزة.

وفي ما خص تكلفة علاج مريض كورونا، أكد أنها مكلفة، لكن وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية تتحملان أعباء العلاج كافة، الذي يبدأ من فحص الـ PCR والسكانر، إلى عدد الليالي التي يقضيها المريض داخل المستشفى، والأدوية التي ممكن أن يتناولها، وقد تتطور حالته ما يستدعي نقله إلى غرفة العناية الفائقة، مع جهاز تنفس اصطناعي.

ودعا بولاد المواطنين إلى عدم الخوف أو الهلع، معتبراً أنّ اتباع الوقاية وإرشادات وزارة الصحة، الوسيلة الوحيدة للحماية من الإصابة بالفيروس، لأنّ الخوف والقلق طبياً يخفضان الجهاز المناعي للإنسان.أما عن وقايته الشخصية بعد نهاره الطويل، فشرح أنه فور وصوله إلى المنزل، يخلع ثيابه خارج الغرفة ويستحم قبل أي تواصل مع أفراد العائلة. كما أنه يتخذ الاحتياطات كافة، إذ لا تقبيل ولا مصافحة أو عناق، “علينا أن نخفف من العواطف حالياً، لأننا نخاف على أهلنا أكثر من خوفنا على أنفسنا”.

خوف من التقاط العدوى

أما إبراهيم قضماني، مشرف تمريض سريري في قسم كورونا، في مستشفى رفيق الحريري، فقال إنّهم يتعرضون لضغوط كثيرة بسبب الخوف من التقاط العدوى ونقلها إلى أهلهم، “نحجر أنفسنا داخل منازلنا، وأحياناً نُحرم من رؤية أهلنا بسبب ساعات العمل الطويلة. عدا عن تعرّضنا لضغوط من المحيط الخارجي، خصوصاً في ما يتصل بطريقة التنقل والوصول إلى مراكز عملنا، لأن سائقي سيارات الأجرة والمواصلات العامة، يتخوفون من أن ننقل العدوى إليهم، ما يدفعنا إلى استعمال سيارتنا الخاصة، ومن لا يملك سيارة، يذهب برفقة زميله كي يتمكن من الوصول على الدوام”.

وعن سبل الوقاية التي يتّبعها الممرضون، أوضح “بسبب خوفنا على أهلنا، نتّخذ أعلى درجات الحذر، نستحم في المستشفى قبل مغادرتنا، ونرسل ثيابنا إلى التعقيم. كما أن ثوب المستشفى، يُستعمل مرة واحدة. وثيابنا الشخصية التي نذهب بها إلى البيت، نخلعها قبل دخولنا إلى الغرف، ونضعها داخل أكياس خاصة، وتُغسل لوحدها. وعند وصولنا إلى المنزل، نستحم ثانيةً كوسيلة احتياط كي لا ننقل العدوى”.

لا نستطيع التقيّد بالمسافة المحددة

فاطمة مازح، ممرضة في قسم العناية الفائقة لمرضى كورونا، أم لطفلين، أصبحت مناوبتها خمسة ليالي في الأسبوع، بعدما كانت تداوم ثلاث ليال فقط. قالت إنّ كل المرضى في هذا القسم وضعهم الصحي خطير أو حساس جداً، ما يستدعي وضعهم على آلات التنفس الاصطناعي، مشيرةً إلى أنّ المرضى يصلون وهم يعانون أعراض خطيرة وضيق في التنفس والتهاب في الرئة وسعال، كما تظهر صور الأشعة وضعهم السيئ، إذ تكون الرئتان بالكاد تعملان.

وتحدثت مازح عن المعاناة والصدمات التي تشهدها خلال مناوبتها، حين يصل البعض وهم في حالة جيدة، لكن حالتهم تتدهور سريعاً وبشكل دراماتيكي، وأحياناً خلال أيام، ما يستدعي وضعهم على أجهزة التنفس الاصطناعي. وهي شهدت على ثلاث وفيات “ما يجعلها في حالة ذهول”. وأضافت “الحالات الحرجة تستدعي عناية مستمرة، لذلك قد نزور المريض 15 مرة في كل مناوبة، ما يجعلنا معرضين أكثر للإصابة بالعدوى لأننا نقترب من المصاب بحدود 30 سنتيمتراً، ولا نستطيع التقيّد بالمسافة المحدّدة من قبل منظمة الصحة العالمية، كما أننا الأكثر عرضة لتلقي إفرازاتهم”.

“كورونا متنقلة”

وعن الحيطة والوقاية، قالت مازح “نحافظ على أعلى درجات الحيطة والحذر، من حيث استعمال معدات الحماية الشخصية، ولكن “ما يقلقنا أننا وبسبب وضع البلد، قد نعاني من نقص بهذه المعدات قريباً”. ومن أسباب المعاناة أيضاً، اتصالات أقارب المريض، “فقد أُحرج من كيفية إيصال الخبر، إذا كان المريض في وضع سيئ، وهذا ما يجعلني في حالة ضغط متواصل”.

وكما كل العاملين في المستشفى، تعاني من صعوبة المواصلات، إذ يقوم زوجها (يعمل في مستشفى أيضاً)، بإيصالها. أما عن سيارات الأجرة، فتقول “أحياناً يستغلون الوضع ويطلبون تسعيرة مضاعفة، عدا عن أن بعض السائقين ينظرون إلينا، وكأننا كورونا متنقلة. حتى إنه في بداية الأزمة، كان بعض الركاب، يرفض الجلوس إلى جانبنا، وآخرون يترجلون من السيارة”.

نقلاً عن “اندبندنت عربية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button