باراك يكشف عن الحقيقة من وراء كواليس انسحاب الاحتلال الاسرائيلي من لبنان
النشرة الدولية –
نشرت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية فجر اليوم، مقابلة أجرتها مع إيهود باراك، رئيس الحكومة الإسرائيلي السابق، تحدث فيها عما عنونته الصحيفة بـ”الحقيقة من وراء كواليس الانسحاب من لبنان”، على أن تنشر الأسبوع المقبل الجزء الثاني من المقابلة، وهو بعنوان “كل الحقيقة عن مؤتمر كامب دافيد”.
هنا نصّ المقابلة:
خطوتان استراتيجيتان كبيرتان بادر إليهما إيهود باراك قبل 20 سنة، في فترة امتدت سنة وتسعة أشهر كان خلالها رئيساً للحكومة: الأولى، خروج الجيش الإسرائيلي من لبنان بعد 18 سنة. الثانية، محاولة التوصل إلى اتفاقٍ دائم مع الفلسطينيين وإنهاء النزاع عبر مؤتمر “كامب دافيد”.
في العقدين الذين انقضيا، صدر ما لا يُحصى من التحليلات والكتاب والمقالات بكافة اللغات عن هذين الحدثين، لكن أبداً لم يوصفا بهذا التفصيل من زاوية رؤية رئيس الحكومة حينها، والذي من دونه لا يمكن فهمهما وتقديرهما كما يجب.
إيهود باراك استجاب لطلب المقابلة، ووافق على الحديث لساعاتٍ طويلة، والإجابة على كل الأسئلة، وأن يعرض تحليلاً معمقاً للمسارين، خطوة تلو خطوة، من الفكرة إلى التنفيذ.
وعليه، نبدأ، في الجزء الأول: إخلاء الجيش الإسرائيلي من لبنان، الذي خرج إلى حيز التنفيذ في أيار/مايو 2000، كما قلنا قبل 20 سنة.
في الأسبوع المقبل سننشر الحديث الثاني مع باراك، عن مؤتمر “كامب دافيد”، الذي عُقد في تموز/يوليو من ذاك العام، ثم تفجّرت الانتفاضة الثانية.
لماذا لم ينسحب الجيش الإسرائيلي إلى الحدود العملية مع انتهاء عملية سلامة الجليل (اجتياح 1982)، أو باسمها العسكري “صنوبرة كبيرة”، بعد أن خرج من بيروت في أيلول/سبتمبر 1982، وأُعلن رسمياً عن انتهاء الحرب؟
باراك: فيما خص “صنوبرة كبيرة” التي ذكرت، وزير الأمن آرييل شارون كان لديه خيال استراتيجي متعدد الطبقات لم يناقشوه بوضوح.
سمعتُ عن ذلك من أحد رجاله بحضوره قبل الحرب واعتقدتُ أنني أنا فقط أعرف هذا. يوماً روى لي محرر “هذا العالم”، أوري أفنيري، أنه هو أيضاً سمع عن ذلك من شارون، وكتب عن ذلك في أسبوعيته.
الفكرة كانت استخدام ذرائع أن “الإرهاب الفلسطيني” تمكّن من أجل الانقضاض عليهم في جنوب لبنان، وتحويل هذا إلى وسيلة للوصول إلى ارتباط مع المسيحيين في بيروت، وتمليك عائلة الجميّل وطرد منظمة التحرير من لبنان كلياً.
الفرضية كانت أنهم سيضطرون للعودة إلى الأردن، وبخلاف ما حصل في أيلول/سبتمبر 1970، تعلموا دروساً وسيُسقطون السلطة الهاشمية. وعندها يأتي مخلص إلى صهيون [عبارة توراتية شائعة]: في الأردن ستقوم دولة فلسطينية ويتم إيجاد حل للنزاع.
فهمتُ أن هذه ليست صنوبرة كبيرة بل صنوبرة عملاقة. لم نصل إلى هذا، علقنا في صنوبرة كبيرة. بعد الحرب زعم بعض الوزراء المعدودين أنه خلال المعارك، بعد أن اتسعت “سلامة الجليل” إلى “صنوبرة كبيرة”، إرييل شارون ضللهم. هذا غير صحيح. شارون كان رجلاً ذكياً جداً، وعرض عليهم كل الخطوات على الخريطة، وتحدث للبروتوكول بالتفصيل وبكثرة. هم لم يفهموا أو اختاروا ألا يفهموا.
ثلاثة أسابيع بعد أن أصبح بشير الجميل رئيس لبنان، قُتل، وحل مكانه أخاه أمين، والكتائب المسيحية ذبحت الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا.
الجيش الإسرائيلي انسحب من بيروت إلى جبال الشوف. بعدها بسنة انسحب مرة أخرى إلى خط نهر الأوّلي، وتموضع هناك لغاية الانسحاب التالي.
في تلك الفترة حل إسحاق شامير مكان مناحِم بيغن في رئاسة الحكومة، وموشِه أرنس واسحاق رابين حلّا مكان إرييل شارون في وزارة الأمن.
فانتازيا شارون لم تتحقق، لكننا كنا عالقين في لبنان مع خسائر ودون جدوى عملية ومسؤولين عن كل ما يجري في المناطق الخاضعة لسيطرتنا.
لم يكن هناك انسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من لبنان لأنه كان هناك ارتياع في الحلبة السياسية من عملٍ جريء وواسع النطاق، الذي يمكن أن يفشل وعندها سيتهموك. لأنه لاحقاً ستقع تطورات سلبية، والمنتقدون سيجدون دائماً صلة بينها وبين الخطوة الجريئة.
لذا، للسياسيين نزعة للعمل بخطواتٍ صغيرة من أجل تقليص الخطر في كل خطوة. الأمر يشبه شخصاً يخطط لتقصير ذنب كلبه لاعتباراتٍ صحية أو جمالية، لكنه لا يقصه بضربة واحدة، بل قطعة قطعة. وهذا أسوأ شيء في كل العوالم – حسب قول فولتير في رواية “كانديد”.
خط بَرليف جديد
في سنة 1985، عندما كنتَ رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، مرة أخرى انسحب الجيش الإسرائيلي، لكن هذه المرة ليس إلى الحدود الدولية بل إلى الحزام الأمني القريب من الحدود، الذي لم يكن بإمكانه حماية مستوطنات الشمال من الكاتيوشا، بل فقط من سلاحٍ خفيف.
باراك: وزير الأمن إسحاق رابين، رئيس الأركان موشِه ليفي، قائد المنطقة الشمالية أوري أور، وكذلك أنا، لم نجد حينها معنى للبقاء عند خط الأوّلي. سئل السؤال إلى أين نخرج. كانت هناك نقاشات كثيرة والقرار تناهى إلى ما سبق وعُرف في فترة “جيش لبنان الجنوبي” بعد عملية الليطاني في سنة 1978.
مرة أخرى قرروا إنشاء “جيش لبنان الجنوبي” إلى الجنوب من الليطاني، بقيادة الجنرال المسيحي أنطوان لحد، مع أسلحة أثقل وهيمنة مسيحية، في حزامٍ مشابه للذي نشأ بعد عملية الليطاني قبل ذلك بسبع سنوات.
في سنة 1985 كنتُ المعارض الوحيد في مستوى الأركان للخطوة. شعرتُ بأني أُحسن فهم الديناميكا التي ستنشأ، لأن نظرائي لم يختبروا عن قرب حرب الاستنزاف في سيناء التي اختبرتها كرجل وحدة الأركان الخاصة، السييرت متكال، وقائد سرية دبابات في قناة السويس.
كان من الواضح لي أنهم يبنون “خط بَر ليف” جديد، نتائجه ستكون شبيهة بالثمن الباهظ لخط بَر ليف في القناة. خلال وقتٍ قصير سنجد أنفسنا متورطين في تصعيدٍ مستمر، نحامي عن قوافل إمداد ومواقع، وعن جنودنا، من دون أن نساهم بذلك لأمن إسرائيل. من حينها أردت منع هذا الخطأ، قبل 15 سنة من نجاحي في المهمة.
حاولت إقناع قائد المنطقة الشمالية أوري أور، الذي كنت أعرفه من أيام الشباب. لم يقتنع. ذهبتُ إلى رئيس الأركان موشِه ليفي، وهو أيضاً لم أنجح في إقناعه. ذهبت إلى رابين وهو الآخر لم يقتنع. قال إنها حكومة وحدة، والأمر معقّد – هناك الكثير من الحساسية. كرئيس “أمان”، كنت أُطلع رئيس الحكومة شامير مرة في الشهر. طرحت الموضوع في المناسبة نفسها، وهو أيضاً لم أُقنعه.
وبقي الجيش الإسرائيلي في لبنان عندما أصبحت أيضاً رئيساً للأركان!
باراك: في غالبية ولايتي كرئيسٍ للأركان، رابين كان رئيس الحكومة ووزير الأمن. عندما توجّه إلى الانتخابات، تعهد بتحقيق اختراق خلال سنة، إما مع الفلسطينيين وإما مع السوريين.
سُلم أولوياته كان: أولاً السوريين ثم الفلسطينيين. لقد قدّر أنه إذا توصّلنا إلى تسوية مع السوريين، لبنان هو “منتَج ثانوي” وقوة مساومة الفلسطينيين ستضعُف بصورة دراماتيكية.
سوريا استخدمت لبنان كي تسبب نزيفاً لإسرائيل. لقد فعّلوا الفلسطينيين من لبنان وبعد 1982 “المنظمتين الشيعيتين”، (حركة) أمل ثم بعدها حزب الله. اعتقدنا أنه إذا تقدّمنا أولاً لصنع تسوية مع الفلسطينيين، فإن السوريين سيجهدون لنسفها، وفي كل الأحوال موقف مساومتهم لن يضعف.
أنا أب “الوديعة” التي أودعناها بيد الأميركيين في المحادثات مع السوريين.
في المؤسسة الأمنية وفي الجيش الإسرائيلي كانت هناك معارضة واسعة جداً للخروج من لبنان. التغلب عليها كان يصبح أصعب فأصعب كلما تبين أن التسوية مع سوريا لن تتحقق على ما يبدو في السنة التالية، وسنضطر للخروج من لبنان دون اتفاق، إذا أمكن بدعم قرار من مجلس الأمن الدولي.
التحدّي في تنفيذ خطوة كهذه هو أنها إذا طُلب منّا القيام بها من دون اتفاق فسوف تكون هناك أهمية عليا لتنفيذها بمباغتة كاملة. سواء من ناحية فرص نجاحها، أو من ناحية توفير خسائر. لكن حقيقةً لم نستطع معرفة ما إذا سننجح في التوصل إلى تسوية. طالما تجري مفاوضات، ليس من الصحيح التوضيح علناً أننا سنخرج من دون اتفاق.
أولاً، هذا سيمكّن حزب الله والسوريين من محاولة إحباط الخطوة عندما تنضج. ثانياً، هذا يمكن أن يعقّد، بل وحتى يُفشل، المفاوضات.
في مطلع آب/أغسطس 1999 أمر رئيس الأركان، شاؤول موفاز، تبعاً لتوجيهاتي، بالعمل على خطة تحت اسم “أفق جديد” تتناول مدماكين مركزيين: الأول، الخروج من المنطقة الأمنية من دون اتفاق على خلفية تصعيد وأزمة في المفاوضات، الثاني، خروج من لبنان على ضوء اتفاق مع سوريا ولبنان.
في منتصف تشرين أول/أكتوبر 1999، عُرضت علي خطة “أفق جديد” وفي الختام أمرت بإعدادها تحت فرضية أن الخروج من لبنان سيُنفّذ لغاية تموز/يوليو 2000. في نفس ذلك اليوم عُدت وأوضحت لموفاز أننا سنبذل جهداً أعلى للتوصل إلى تسوية، وإذا لم تكن هناك تسوية، سنسعى للخروج بمباغتة كاملة.
لم يكن من السهل على بعض الوزراء إقرار خطوة الانسحاب. كان هناك أيضاً من أسمعوا تقديرات مختلفة وخشوا من أن القتال مع حزب الله ليس فقط لن يهدأ، بل وسيتعاظم وسيتصاعد إلى داخل إسرائيل. لم أقبل هذه التقديرات.
في 22 آذار/مارس أقرّيت خطة الخروج من لبنان من دون اتفاق، التي تغير اسمها إلى “غسق الصباح”، وحددت أن تنفّذ تحت قرار مجلس الأمن 425.
موفاز درس موضوع تنفيذ القرار وأوصى بالتنسيق مع قائد المنطقة الشمالية بالبدء بإخلاءٍ تدريجي للأعتدة الثقيلة من 13 موقعاً للجيش الإسرائيلي في لبنان. صادقت على التوصية.
(عن اجتماع كلينتون – الأسد في جنيف)
عندما سقط الخيار السوري، كان من الواضح لنا أننا نتجه إلى خروجٍ أحادي الجانب. في أعقاب محادثة في مطلع آذار/مارس بين داني ياتوم، مساعدي المؤهل، وبين أوري لوبراني وروفكا آرليخ، وافقت على إرساء خطوة الانسحاب]على قرار مجلس الأمن 425.
“جيش لبنان الجنوبي” قطع معنا طريقاً طويلة ومؤلمة. في المنطقة الأمنية كان هناك أكثر من 30 موقعاً لجيش لبنان الجنوبي و13 موقعاً للجيش الإسرائيلي.
الوقت الصحيح للتفكير في مستقبل العلاقات كان في سنة 1985، عندما انسحبنا من الأوّلي. اقترحتُ حينها عدم إقامة “جيش” بل 4 مجموعات “حرس مدني” وفق التركيبة الطائفية في كل قطاع.
كانت في لبنان حينها 52 ميليشيا من كل الأنواع، وقلت: “تعالوا نضيف 4 أخرى. سنساعدها سراً. لن نقوم بأنشطة دائمة داخل لبنان، لكن ندخل مع قوة توغل في حال وعندما يتطلب الأمر عملية. جميل، لكن الآن، كان الأمر قد قضي”.
“جيش لبنان الجنوبي” في أيار/مايو 2000 كانت لديه قدرات معينة وأسلحة ثقيلة، لكن تقريباً لم يقدّر أحد أنهم سيتمكنون من الصمود لمدة ما إذا خرج الجيش الإسرائيلي من الساحة. الواقع بالنسبة لهم تعقّد من اللحظة التي قررنا فيها الخروج وفق القرار 425.
قرار مجلس الأمن حيوي من أجل منح شرعية دولية للخروج، وقرار كهذا سيحدّ كثيراً من شرعية عمل حزب الله ضد إسرائيل. من جهة أخرى، مجلس الأمن لن يعترف بخروج إسرائيل إذا لم يكن إلى الحدود الدولية وإذا لم يتم حلّ “جيش لبنان الجنوبي”.
في مطلع أيار/مايو، جرت بتشجيعٍ منّا، محاولة تحقيق عفو لبناني واسع عن عناصر “جيش لبنان الجنوبي” الذين عملوا معنا. الطلب رُفض. بناءً لطلب لوبراني، اجتمعت في مطلع أيار/مايو بالجنرال لحد.. لم أكذب عليه بكلمة، لكني لم أستطع مشاركته بكل خططنا. اختار السفر إلى باريس. لم نتوقف من أجله. بتقديري، الجنرال لحد شعر بما يوشك أن يحصل واختار ألا يكون هنا في تلك الأيام.
في 18 أيار/مايو، وصلتني عن طريق رئيس الأركان، توصية المنطقة الشمالية بتقديم الخروج إلى الأيام القريبة، لأن الوضع في موقعين سُلّما لـ”جيش لبنان الجنوبي” يتقوّض.
لم يكن بالإمكان تقديم الإخلاء فوراً، لأن رسم الحدود على الأرض لم يكن قد انطلق بعد، سكرتير الأمم المتحدة لم يكن قد سلّم تقريره إلى مجلس الأمن. ومجلسنا الوزاري المصغر لم يكن قد أقرّ الخروج.
في يوم السبت، 20 أيار/مايو، عناصر جيش لبنان الجنوبي تركوا موقع القنيطرة. في يوم الأحد، 21 أيار/مايو، أُقيمت جنازة في قرية القنيطرة وجاءت إليها مسيرة كبيرة نسبياً من قرية الغندورية، خارج المنطقة الأمنية، وفيها مسلحين من حزب الله.
مع انتهاء الجنازة لاحظوا، وربما علموا سلفاً، أن موقع “جيش لبنان الجنوبي” في القنيطرة متروك، ودخلوا إليه.
وهكذا بدأ الانهيار. خلال 5 إلى 6 ساعات، ساروا نحو الطيبة، ومسيرات أخرى دخلت من خارج المنطقة الأمنية إلى تلال القنيطرة.
وهكذا، مساء ذلك اليوم، 21 أيار/مايو، أيضاً موقع الطيبة، الذي كان قد سُلّم قبلها بأسبوع لـ”جيش لبنان الجنوبي”، تُرك.
وخلال النهار سيطر عليه عناصر حزب الله ورفعوا أعلامهم عليه.
اللواء الغربي في “جيش لبنان الجنوبي” كان في خضم عملية انهيار.
في 22 آذار/مارس نقل إلي سكرتيري العسكري غادي آيزنكوت، طلباً من موفاز لعلنا نلتقي على الحدود اللبنانية. توجهت إلى الشمال لحدثٍ آخر واستجبت طبعاً.
عندما وصلنا إلى هناك قال لي موفاز: “ما خشيت منه يحصل أمام أعيننا.”.. عندما بدأ ضابط الاستخبارات يصف صورة الوضع على الأرض، كان من الواضح لي فوراً أن أمامنا انهيار، على الأقل لواء، لـ”جيش لبنان الجنوبي”، وسيكون علينا الخروج بأسرع ما يمكن. إذا أمكن الليلة، وليس بعد 3 أسابيع ولا 6 أسابيع.
سألت: “هل قدّرتم وضعاً كهذا؟”، فقالوا: “لم نفكّر، لا أحد اعتقد أن هذا سيحصل بهذه السرعة. وعملياً، من دون أي قتال”.
سألت: “ماذا ستحتاجون إذا أردتم العودة إلى موقع الطيبة؟”.
قالوا: “الدخول مع لوائين”.
كان من الواضح لي أننا إذا أعدنا احتلال الطيبة فسوف يكون هناك صراع شامل مع حزب الله. هذا سيُلغي الخروج أم أنه سيكون تحت النار.
على ضوء مؤشرات تفكك بقية ألوية “جيش لبنان الجنوبي”، توصية كل الحاضرين كانت بأنه يجب الخروج بأسرع ما يمكن. كما قلت، هذا كان واضحاً لي أيضاً. كما علمت أنه خلال ساعاتٍ معدودة سيصل كتاب من السكرتير العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن يؤكد أن إسرائيل تعود إلى الحدود التي سيبدأ مسّاحو الأمم المتحدة برسمها خلال أيام. هذا سيمنحنا الختم الشرعي الذي سنحتاجه في المستقبل. شرعية الخروج وفق القرار 425. بقيت فقط مسألة مصادقة المجلس الوزاري المصغر.
حزب الله
لماذا لم تصفِّ حزب الله في حربٍ استمرت عدة سنوات، أيضاً عندما كنتَ رئيساً للأركان؟
باراك: لم يكن بالإمكان تصفية حزب الله. إنها حركة مقاومة أصيلة موجودة داخل القرى بغطاءٍ مدني. ليس لديك أي سبيل لتصفيتها من دون الدخول عميقاً إلى لبنان، إلى صور وصيدا، والبقاء هناك. هذا أيضاً سبق وجرّبناه، ولم ننجح على وجه التحديد.
بين كل منتقدي الخروج، لم أجد من يريدون العودة إلى لبنان، حتى لو وعدوهم بأن الدخول سيكون دون أي مصاب. يمكن توجيه ضربة قوية لكن ليس التصفية. يمكن في ظروفٍ معينة تصفية “جهاز إرهاب” في أرضٍ تخضع لسيطرتك الكاملة.
من المناسب أن نتذكر أننا لم ننجح في أن نصفّي كلياً أيضاً “خلايا الإرهاب” التي تنمو وسط السكان الفلسطينيين في يهودا والسامرة الضفة. لا أعتقد ـنه كانت هناك إمكانية عملية لتصفية حزب الله.
كثيرون في إسرائيل يزعمون أن الخروج من لبنان قوّى حزب الله وهو اليوم أكثر تهديداً بكثير.
باراك: السنوات الست الأولى منذ الخروج من لبنان ولغاية حرب لبنان الثانية، كانت الأكثر هدوءاً في العقدين اللذين سبقا الخروج وأدّت إلى ازدهارٍ كبير في الشمال. منذ الخروج، حزب الله صار أقوى، لكن قليلاً جداً.
عدد الصواريخ بحوزة حزب الله كبر من 7 آلاف إلى 14 ألف. لكن المدايات لم تتغير، والنمو كان حوالي 1000 في السنة.
النمو الهائل حصل في السنوات 2006 إلى 2019 وأوصل ترسانة الصواريخ إلى 140 ألفاً وبمدايات تغطّي تقريباً كل “إسرائيل”. وتيرة النمو المتوسطة تغير من ألف في السنة، في السنوات التي تلت الخروج من لبنان، إلى 10 آلاف في السنة، في السنوات التي تلت حرب لبنان الثانية.
وأكثر من هذا، تعاظم حزب الله كقوة مقاتلة يجري من سنة 2011، في الأساس عن طريق خوض المعارك في سوريا. ليس في قتالٍ معنا في لبنان، أذكر أنه بعد عدة سنوات، عبواتهم الصخرية لم تختلف عن عبوات الجيش الإسرائيلي لجهة مستوى التمويه.
نشأت منافسة أدمغة مع حزب الله… لو كنا بقينا في لبنان، وعززنا هناك بفرقة نظامية وأكثر، كنا سنجد صعوبة في شن عملية “السور الواقي” بنجاعة. سواء لنقص القوة النظامية، أو لأنه عندما نكون داخل لبنان، في احتكاكٍ مباشر ويومي مع حزب الله، خطر اشتعال جبهة ثانية بصورة كاملة مع حزب الله هو أعلى بكثير، وهذا آخر أمرٍ كنا نحتاجه.