“المرأة بين العلم والمطبخ”* سيليا قرضاب حماده
النشرة الدولية –
في الماضي كان تعليم الفتاة يقتصر على اعدادها لتكون زوجة جيدة مطيعة . حتى في الدول التي سبقتنا باشواط، كان التدبير المنزلي والخياطة جزء من المواد التعليمية للفتيات فقط.
حين وصلت صف البكالوريا، كانت صديقات امي يقلن لها حين نزور القرية في الصيف، “لشو بعدك عم تعلميها ابو كاتو او ظابط بيتمنوها” على اساس ابوكاتو يعني المحامي كان رتبة عالية زمان وكذلك الظابط بالجيش .
طبعا كنت اضحك ولا أبالي، لان لا هذا ولا ذاك في بالي. كنت أريد أن اتعلم، واهلي وباصرار مني دعموني واكملت دراستي الجامعية .
القصة ليست هنا.
القصة ان التعليم صار مهمة سهلة على الفتاة وصار من ضمن قناعات الاهل بشكل عام، ما عدا في بعض المناطق من بلدنا او البلدان التي لا زالت تعتنق المبدا القديم ؛
لشو العلم للبنت؟ آخرتها بالمطبخ!
القصة او العلة في العقول الذكورية، التي رغم التعليم والمراكز العالية، لا زالت تعتنق مبدا “اخرتها بالمطبخ” وتعتقد ايضا ان الاعمال المنزلية من واجبات المراة، اضافة الى المطبخ وجلي الصحون .
عقول ذكورية يحملها ازواج يظنون ان كل ما يتعلق بالتنظيف يقلل من قيمة الرجل الزوج! حتى الرجل الذي يحب زوجته يظن ان الاعمال ذاتها تحط من قيمته وتزيد من قيمتها او لا تؤثر عليها، لانه في قرارة نفسه لا يستطيع ان يتخلص من مورثات التقاليد والمجتمع، أو لانه ربما يظن انه اكثر اهمية منها بما انه ذكر فقط، دون حاجة لذكر الفارق الفيزولوجي.
ربما سيقول احدكم ان معظم النساء هذه الايام لديهن خادمات او مساعدات منزليات، وتعلمون ان ذلك ليس مقياسا دقيقا .
شخصيا طيلة حياتي الزوجية كان عندي مساعدة لمدة سنة واحدة فقط واضطررنا حينها لاستخدامها حين كنا لا نزال نقيم في الرياض لان احد معارف زوجي كان عندهم عدة خادمات ويريدون الاستغناء عن احداها. وعوضا عن اعادتها الى بلادها اقترح عليه ان نستخدمها لمدة عام لقاء راتب، لانه قد دفع تكاليف التاشيرة. كان ذلك عندما كان اولادي الكبار في اولى سنوات المراهقة ولم اتكل عليها خلال ذلك العام باي شيء يتعلق باولادي او بالطبخ.
طبعا توفر لي لبعض الوقت مساعدات يعملن بدوام جزئي خلال النهار.
فلدي رايي الخاص بموضوع المساعدات المنزليات ولست هنا لاتحدث عن ذلك الان.
رغم ان ذات المنهج التعليمي للفتيات كان متبعا في الغرب، الا ان الفارق صار كبيرا جدا بيننا وبينهم في التطور باتجاه النظرة الدونية الى تلك الاعمال ولصقها بالنساء او بالاصح الاناث وكان تلك الاعمال مذكورة في الكتب السماوية انها من نصيب المرأة.
من بلاد الغرب انطلقت ثورة النساء على عدم المساواة بالاجور بعد الثورة الصناعية. وانطلق مفهوم تحرير المراة مما فرضته سابقا المجتمعات الذكورية.
وعندنا عملت النساء في بيوتهن بدون أجر، دون حتى اعتراف باعتبار اعمال المنزل والطبخ كعمل بل كواجب، ولو استمر اكثر من اثنا عشر ساعة في اليوم.
◦ عندهم تحررت عقول الرجال من ذكورية القرار وتحررت المرأة فكرا وجسدا الى حد كبير.
◦ عندنا لا يزال نسبة كبيرة من الرجال يعتقدون ان اشباع معدة الرجل، اضافة الى رغباته، من مسؤولية الزوجة وحدها دون حتى التفكير براحتها الجسدية او بما يرضيها هي.
◦ عندنا لا يزال هناك من يعتقد ان جسد الانثى ملك للزوج وقبل ذلك ملك العائلة والقبيلة. وان حدث ما يخل بهذه النظرة اليها، ضمن الاطار الذي رسمه لها او ضمن اطار ملكيته، فقد يؤذيها جسديا أو لفظيا او حتى يقتلها تحت شعار صيانة الشرف الرفيع.
◦ حتى لا يتم تحليل كلماتي بطريقة خاطئة، لست احرّض هنا النساء على ازواجهن، ولا ادعو كذلك الى الحرية الجنسية تحت سقف الزواج. فما يقرره كل زوجين في حياتهما الخاصة هو من شأنهما وحدهما طالما لا يتعارض مع المبادئ الاخلاقية العامة للمجتمعات. ولا ادعو ايضا الامهات الى عدم الطبخ لعائلاتهن – فانا بالطبع لست من مناصرات الاكل السريع ولا اعتماد الطعام من خارج البيت الا حيث تدعو الضرورة – خاصة اذا كان الرجال ليسوا في وارد المساعدة في المطبخ.
◦ لكن ادعو الى تحرير بعض العقول من تلك الموروثات بشكل كلي وفي شتى الاتجاهات. ولا اكترث لمن يبدون او يعبرون عن التحرر شكليا او كتابة او شعرًا، وهم واقعيا اسوا من تلك العينة التي ذكرت اعلاه .
✓ لا يمكن للمرء أن يتحرر فعليا الا اذا تحرر فكريا أولا. والتحرر الفكري يشمل المراة ايضا وليس فقط الرجل . فعلى المراة كسر ذلك الاطار الموروث في تفكيرها ايضا، لتساعد الرجل، او تجبره، على تغيير سلوكه، وان كانت ستعاني قليلا او كثيرا من بعض خدوش او جروح.
شاعرة وكاتبة لبنانية