صدى النّكبة اللبنانيّة في الخليج* حمزة عليان

النشرة الدولية –

هزّتني مقالة الزميل جهاد الخازن بعنوان: “انتهى القطاع المصرفي اللبناني” في صحيفة “النهار”، وهو على جرأته بادر بتقديم البديل بأنّ على اللبنانيين أن يتعاملوا عبر فروع مصارف أميركية وأوروبية عوضاً عن الكيانات الموجودة.

أصحاب الخبرة في هذا القطاع، ومنهم السفير اللبناني السابق في الكويت الدكتور خضر حلوة، يؤيدهذا الطرح،إذجاهر به من قبل أمام قيادات سياسية ومصرفية.

آخرون يفضلون عملية الدمج وتقليص عدد البنوك الحالية إلى النصف مع إعادة الهيكلة، كما يراها جيل من الشباب اللبناني المغترب، وهؤلاء خسروا ما أودعوه من أموال بالدولارات ذهبت بمقامرات سياسية على حساب غالبية المودعين.

والبعض يذهب إلى نقطة أبعد من تصفية بنوك أو دمجها، والقائمة على إصلاح مؤسسة القضاء وإصدار تشريعات من شأنها تفعيل الرقابة، وهذه الأزمة من وجهة نظرهم قد تكون فرصة ذهبية لإعادة هيكلة الإقتصاد اللبناني وتحويله من اقتصاد خدمات إلى اقتصاد منتج في قطاعات مثل التكنولوجيا والتحول الرقمي.

لكن مع كل هذا لا بأس من الحوار على من يقف خلف الهرم الأكبر، وهو من يرأس ويحكم “مصرف لبنان المركزي” منذ العام 1993، وتم التجديد له لخمس ولايات متتالية واستثنائية وفي ظروف غير طبيعية مرّ بها لبنان.

في شهر نيسان عام 2011 كان للحاكم مطالعة بشأن الليرة والدولار؛ وعبر صحيفة “النهار”، أرى الآن ضرورة قراءتها بعيون الحاضر وبما آلت إليه الأوضاع من سوء ونكبات.

وبسؤاله أن اللبنانيين يخشون على الليرة؟ أجاب: “الليرة ثابتة وتستند أساساً إلى الثقة وإلى إمكانات المركزي المتوافرة، إذ تفوق ميزانيته الـ30 مليار دولار،ولدينا الإمكانات للاستقرار لآجال طويلة… وعليه لا مخاطر على الليرة والفوائد بين 6 و7% وهي تبقى جاذبة مقارنة بالفائدة على الدولار محلياً أو في الدول التي يتعامل معها اللبنانيون”.

باعتقادي المتواضع وفق تلك القراءة، وهي على سبيل المثال وليس الحصر، لأن “أرشيف الحاكم” يحتاج إلى أشهر لمراجعته.

أرى أن عمود الخيمة سقط، والثقة التي بنى عليها القطاع المصرفي مجده انتهت إلى غير رجعة.

كانت لي حوارات مع عدد من أبناء الكويت والخليج، أي من أصحاب المال والاستثمارات في ظل ما شهده القطاع من “سرقة العصر” لأموال المودعين.

أول ما تسمعه منهم: كيف لنا أن نضمن بعد أو نؤمّن على أموالنا، لأن ما حصل معنا أفقدنا الثقة بالبنوك اللبنانية!

هذا السقوط المدوي للمصارف انسحب على اللبنانيين العاملين في بلدان الخليج العربي والذين تقدر تحويلاتهم السنوية بحوالى 8 مليارات دولار!اليوم تبخرت هذه الأموال ولم يعد يصل منها إلا الفتات وبالنذر اليسير بعد أن فقدوا الأمل وصاروا يبحثون عن البدائل التي تكسبهم الثقة والطمأنينة لمدخراتهم.

تلك التحويلات كانت تنعش الكثير من القطاعات وأولها المصارف، باعتبارها (أي التحويلات) تشكل مصدراً رئيسياً في إيصال الدولار “العملة الصعبة” إلى لبنان ذات الاقتصاد المدولر.

لبنان تعرض إلى هزات سابقة، بل إلىسقطات، وفي كل مرة كان يصحو ويعيد البناء ليطفئ الحرائق كما طائر الفينيق،بدءأ من أزمة بنك أنتراعام1966 إلى الحرب الأهلية وتوابعها عام 1975، مروراً بالحروب والمواجهات التي انعكست على الوضع المالي والاقتصادي.

الآن وقعت “النكبة الكبرى” التي هزّت كيان الليرة ومستقبلها، ولم تعد الترقيعات وأوامر الصرف تجدي نفعاً، صارت كمن يُعطىلمن توقف قلبه عن ضخ الدم، حبة أسبرين مهدئة!

نحن مقبلون على تغييرات جذرية، والمسألة لم تعد ترفاً سياسياً أو أزمة عابرة.

 

السؤال: متى يبدأ هذا التغيير وكيف؟ هل نراهن على “ثورات شعبية” مقبلة أم أننا لن نصحو إلا لحظة وقوع الزلزال المدمر؟!

الحاجة إلى التغيير مسألة لم تعد تقبل التأجيل، فهذا البلد وُجد للحياة وليس للموت، فلنبحث عن “صيغة جديدة” تحمل في داخلها عوامل البقاء والاستمرار، صيغة تتوافر فيها وإلى حد كبير “عدالة اجتماعية” و”حقوق متساوية” افتقدناها على مدى عقود منذ ميثاق 1943 واتفاق الطائف الذي لم يطبق إلا بصورة انتقائية.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى