نواب تونس اصطفوا بطابور خطابي… اتهامات غير مسبوقة لرئيس البرلمان راشد الغنوشي
النشرة الدولية –
أيا كانت نتيجة جلسة الأمس بخصوص مساءلة رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، فإن الجلسة حققت بالنسبة إلى خصومه أهدافا أكبر من مجرد سحب الثقة وتحولت إلى ما يشبه المحاكمة العلنية لشخصه، سواء تعلق الأمر بارتباطاته الخارجية، أو بفشله في إدارة جلسة حوار برلمانية ومحاولة إجبار النواب على التزام آلية وضعها لإدارة الجلسة، ما بدا وكأنه شيخ يجبر مريديه على قبول أوامره وفق دكتاتورية رجل الدين وليس رئيسا لبرلمان قوي ومتعدد.
واصطف نواب تونسيون في طابور خطابي ليوجهوا اتهامات غير مسبوقة لزعيم النهضة لم تتمكن بطانة الغنوشي، من نواب حركة النهضة أو من المتحالفين معها في البرلمان، من منعها.
وبعد أن كانت الاتهامات تصدر عن زعماء لتيارات وأحزاب تونسية، مثل رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، إلا أن الهجوم بدا شاملا واستقطب تشكيلات وشخصيات سياسية في البرلمان ظلت صامتة منذ وصول الغنوشي إلى رئاسة البرلمان العام الماضي.
محمد كريم كريفة: الغنوشي تآمر مع نواب كتلته لإرباك الجلسة
واعتبر محمد كريم كريفة، عن الحزب الدستوري الحر، في تصريح لـ”العرب” أن الجلسة قدمت صورة سيئة عن الغنوشي، إذ فضلا عن ارتباكه وعجزه عن مواجهة حجج خصومه، فإن رئيس البرلمان سعى إلى تأخير انطلاق الجلسة بساعة، وهو “تأخر متعمد وممنهج لتعطيل مسار الجلسة ومضمونها”.
واعتبرت عبير موسى أن “هناك تمطيطا متعمدا” و”سياسة ممنهجة تعتمد الإرباك” من أجل تعطيل الجلسة العامة، ووجهت خطابها إلى الغنوشي متهمة إياه بالوقوف وراء ذلك. وقالت إنها تسعى للحصول على دعم 73 نائبا “من أجل التخلص من أشرارك (شرورك)”.
وأغرق الغنوشي الجلسة في تدخلات ترتيبية شكلية وأوعز إلى نواب كتلته وكتلة ائتلاف الكرامة بقتل الوقت بشأن نقاشات حول محتوى الجلسة وطلب فترة راحة، ما جعل الجلسة تتأخر، وهو ما لاحظه نواب من كتل شريكة في التحالف الحكومي مع حركة النهضة.
وقال كريفة “كانت هناك محاولات لتعطيل الجلسة فقد كان من المفروض بعد تقديم اللائحة المرور إلى المساءلة. لكن كتلة النهضة وحليفها ائتلاف الكرامة سعيا إلى الالتفاف عليها وعدم تمريرها”.
ويبدو أن الأمر أكبر من ارتباك أداء الغنوشي في مواجهة خطاب واضح وقاطع من كتلة الدستوري الحر والكثير من النواب الذين نسوا خلافاتهم مع عبير موسي والتقوا على أرضية مطالبة الغنوشي بالتزام تقاليد عمل المؤسسات في تونس، وعدم السطو على مهام رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة.
ولاحظ متابعون للجلسة أن الغنوشي بدا ضعيفا ومرتبكا في التعاطي مع المداخلات، وهو ما يعكس ضعفا في الثقافة القانونية للرجل بشأن الفصول المنظمة لعمل البرلمان ولجانه المختلفة، ما اضطر نوابا من كتلته في أكثر من مرة إلى التدخل والإجابة عن تساؤلات قُدّمت للغنوشي وتلافى الإجابة عنها.
عراك لقتل الوقت والتشويش
يضاف إلى ذلك غياب تقاليد إدارة الحوار بشكل هادئ ودون مقاطعة، وهي آلية يبدو أن الغنوشي لم يتعود عليها في مؤسسات النهضة رغم الخطاب الذي يروج له النهضاويون عن الديمقراطية الداخلية.
ويرى المتابعون أن الغنوشي يتلقى الصدمات في البرلمان بشكل دائم، حيث يتعامل معه النواب كسياسي عادي، وليس كما يريد هو وأتباعه بأن يتم التعامل معه بتقدير مبالغ فيه والسمع والطاعة كما يجري في مفاصل التنظيم ذي الخلفية الإخوانية.
وقالت سامية عبو، عن الكتلة الديمقراطية الشريك في التحالف الحكومي، في مداخلتها وهي تتحدث للغنوشي إنك تتصرف كرجل دين حاكم بأمره وليس كرجل دولة مدنية يفترض أن يكون ديمقراطيا، وأنك فشلت في أن تتحول إلى رجل دولة، ما اعتبره المتابعون دليلا إضافيا على توتر العلاقة بين مكونات التحالف الحاكم.
ولجأ الغنوشي في الكثير من الجلسات البرلمانية إلى التغيب خوفا من الإحراج الذي يطاله في مداخلات نواب عرفوا بنقدهم القوي لأداء حركة النهضة ورئيسها وتشابكات علاقاتها الداخلية مع الدولة العميقة ومنظومة الفساد، وفي الخارج مع المحور القطري التركي، الذي يمس بمصالح تونس ويربك دبلوماسيتها القائمة على الحياد.
ونصح النائب فيصل التبيني، في تصريح لـ”العرب”، راشد الغنوشي بأن “يذهب في حال سبيله” بعد أن اختلطت عليه الأمور و”لم يعد باستطاعته القيام بمهامه نظرا لكبر سنه”، مشيرا إلى أن “الغنوشي لم يعد يقدر على التفريق في أدائه بين رئاسة حركة النهضة ورئاسة البرلمان”، في إشارة إلى القيادة التسلطية داخل النهضة التي يرفضها نواب البرلمان ويهاجمونها باستمرار.
وحث التبيني رئيس البرلمان على الاستقالة وفسح المجال أمام قيادات أخرى من حزبه، لافتا إلى أن بقاءه في رئاسة النهضة يلاقي رفضا كبيرا داخلها، وكان وراء استقالة أبرز قياداتها مثل عبدالفتاح مورو.
ويعتقد على نطاق واسع أن الغنوشي بعد هذه الجلسة لن يكون كما قبلها، وأن هدفه في المستقبل سيكون تجنب أي زيارة أو تصريح قد يدفعان إلى إثارة جدل جديد ضده في البرلمان والمشهد السياسي، وأن هذا الانكماش سيكون مقدمة لتراجع تأثير الغنوشي سواء في المشهد السياسي أو داخل النهضة، حيث استفادت المعارضة الداخلية له من الضغوط التي مورست عليه في الفترة الأخيرة.