“القيصر” الأميركي يحيي أمجاد داعش* فهد الخيطان
النشرة الدولية –
بعد أيام يدخل نظام العقوبات الأميركية على سورية حيز التطبيق، ضمن ما بات يعرف باسم “قانون قيصر” الذي أقره الكونغرس وصادق عليه الرئيس الأميركي.
القانون لا مثيل له في التاريخ الاستعماري، ويفرض عقوبات اقتصادية على الحكومة السورية والقوى الداعمة لها، خاصة روسيا وإيران، و”كل شخص أو جهة، أو دولة تتعامل معه”. والعقوبات كما وصفتها تقارير إعلامية غربية تمثل الحد الأعلى ما دون التدخل العسكري المباشر الذي تعرض له النظام السوري وكل سورية في المحصلة.
ومع اقتراب موعد تطبيق القانون “القيصري” شهدت الليرة السورية انهيارا غير مسبوق في سعر الصرف، ما يعني زيادة كبيرة في التضخم، وارتفاعا جنونيا للأسعار على المستهلكين السوريين، الذين طحنتهم سنوات الحرب الطويلة.
القانون يحاكي في نصوصه منطوق العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة من قبل على العراق. كان الهدف المعلن في ذلك الحين معاقبة نظام صدام حسين، وتجفيف موارده المالية، لكن في طريقها لتحقيق هذا الهدف العبثي، أخذت العقوبات الشعب العراقي كله إلى الحضيض، فانهارت مؤسسات الدولة، وعمّت المجاعة عموم العراق، ودفع الملايين من الأطفال والنساء الثمن من حياتهم وكرامتهم.
وأسس نظام العقوبات هذا لعراق ما بعد الغزو، حيث تبدى بلدا محطّما ومنقسما على نفسه، يعيش حربا طائفية حصدت أرواح الألوف. وقدمت العراق على طبق من ذهب للجماعات الإرهابية، التي شيّدت دولة لها على الأرض العراقية وتمددت نحو سورية، ولم يتمكن العالم من القضاء عليها إلا بعد حرب استمرت لسنوات، دفع العراقيون والسوريون ثمنها من دمائهم وشبابهم.
في سورية سيحدث سيناريو مشابه وربما أشد إيلاما، فالعقوبات تمنع أي دولة من المشاركة في مشاريع إعادة الإعمار، وهذا يعني إبقاء مدن سورية مدمّرة، وإطالة أمد أزمة اللاجئين التي يعاني منها ملايين السوريين والدول المستضيفة.
شركات القطاع الخاص في عموم الدول بما فيها روسيا ستتردد قبل الإقدام على الاستثمار في سورية، وقد شهدنا ردة فعل شركات أوروبية عملاقة قررت الانسحاب فورا من إيران بعد فرض نظام عقوبات صارم عليها من قبل الإدارة الأميركية. حتى أن شركات صينية حذت حذو نظيراتها الأوروبية.
ربما يتصرف القطاع الخاص في دول جوار مثل الأردن ولبنان على نفس الشاكلة، فسيفُ العقوبات المسلط على رقابها، يجعلها مترددة جدا في دخول مغامرة محفوفة بالمخاطر. الحكومة اللبنانية مثلا بدأت رسميا بدراسة القانون وآثاره على العلاقات الاقتصادية مع سورية.
المؤسسات المصرفية العربية على وجه التحديد لن تضع نفسها تحت طائلة العقوبات لما لذلك من تداعيات خطيرة على تعاملاتها مع البنوك العالمية.
والمرجح أن التشريع الأميركي سيقوض الجهود الدبلوماسية والسياسية الرامية لعودة سورية لمؤسسات الجامعة العربية. وقد نشهد في الأشهر المقبلة تراجعا في التبادلات التجارية بين سورية والدول العربية.
والأخطر من ذلك أن القانون، يهدد فرص الحل السياسي للأزمة السورية، ويضعها تحت رحمة المواقف الأميركية التي منح القانون صلاحية تقدير مدى استجابة النظام السوري لمتطلباتها.
كل ما سيفعله هذا التشريع البغيض هو إطالة أمد الأزمة السورية، وتعميق معاناة الشعب السوري، وتكريس الفوضى والإرهاب. بعد كل ذلك لا تستغربوا إذا ما شاهدتهم رايات “داعش” تحلّق في سماء المنطقة من جديد، هذا إذا ما أخذنا في الاعتبار أيضا القرارات الأميركية الكارثية بمنح إسرائيل الضوء الأخضر لضم الأراضي الفلسطينية المحتلة والقضاء على حلم الدولة الفلسطينية المستقلة.
عن جريدة “الغد” الأردنية