اتفاقيات المساعدات الأخيرة توفر فرصة لدعم المرأة في الأردن* أليسون جاكوبس أندرسون
النشرة الدولية –
في الخامس من مايو، وقّعت الولايات المتحدة والأردن ثلاث اتفاقيات تنص على تمويل التنمية في الأردن بقيمة 340 مليون دولار تحت إشراف “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” (“الوكالة الأميركية”). ويُخصص جزء كبير من هذه المساعدات للمشاريع التي تهدف إلى زيادة الرخاء الاقتصادي والاعتماد على الذات، مع التركيز بشكل خاص على المرأة والسياسات الاجتماعية بين الجنسين.
وفي الوقت نفسه، تقوم بعثة “الوكالة الأميركية” في الأردن حاليا بصياغة “استراتيجية جديدة للتعاون الإنمائي القطري” للفترة 2020 ـ 2025 والتي ستركز بالمثل على التنمية الاقتصادية والمرأة.
وركزت البرامج السابقة التي نفّذتها “الوكالة الأميركية” في الأردن على المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، وخاصة الأعمال التجارية المنزلية، كوسيلة لدعم دخول المرأة في سوق العمل. ولكن بالرغم من حسنات هذه المقاربة، إلا أن تأثيرها العام كان غير كاف. ولمساعدة النساء على الانخراط بشكل أكثر فاعلية في بناء الأردن كدولة مستقرة ومزدهرة وناجحة، يجب على “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” إعادة التركيز على البرامج التي تتصدى للأفكار النمطية القائمة على نوع الجنس، وتحسين سوق العمل في القطاع الخاص، وإصلاح البيئة القانونية للمرأة، وزيادة الخدمات الاجتماعية.
توفر المساعدات التنموية التي تقدمها الولايات المتحدة للأردن دعما ضروريا جدا لحليف مهم، حيث يستمر في مواجهة اقتصاد راكد وتداعيات الصراعات الإقليمية. فاقتصاد السياحة، وأسواق التصدير، والاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة الهاشمية تأثرت جميعها من أعمال العنف المستمرة في سوريا والعراق، ومن العدد الكبير من اللاجئين الذين لا يزالون في المخيمات والمدن الأردنية. ونتيجة لذلك، تواجه البلاد معدلات مرتفعة من البطالة والعمالة الناقصة إلى جانب نمو الوظائف الذي يقترب من الصفر في القطاع الخاص.
ويمكن أن يكون للمساعدات التنموية الأميركية تأثير كبير على هذه التحديات من خلال دعم المرأة الأردنية. فالمملكة الهاشمية تحتل حاليا بالإجمال المرتبة 138 من أصل 153 في تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين الذي يصدر سنويا عن “المنتدى الاقتصادي العالمي”.
عندما تشارك المرأة اقتصاديا، غالبا ما تكون أكثر مشاركة سياسيا، مما يساهم في بناء مجتمع أكثر شمولا وديمقراطية
ويبلغ معدل محو الأمية لدى النساء فيها 97 في المئة وهو الأعلى في الشرق الأوسط، لكن التحصيل العلمي لم يترجَم إلى مشاركة اقتصادية وفرص اقتصادية للنساء ـ وعلى هذا الصعيد احتل الأردن المرتبة الكئيبة 145، متجاوزا فقط المغرب، وإيران، والمملكة العربية السعودية والهند، وباكستان، واليمن، وسوريا، والعراق. وبالمثل، احتل المرتبة 113 في التمكين السياسي للمرأة. وخلص التقرير إلى أن الأردن قد يحتاج إلى قرن من الزمن لإغلاق هذه الفجوات بين الجنسين بمعدل التقدم الحالي.
وتُعتبر المساواة بين الجنسين هدفا مهما في حد ذاته لأنه يمنح المرأة الارتياح الشخصي في تنمية إمكاناتها البشرية واستقلالها المالي. ومع ذلك، يجب السعي إلى تحقيق هذا الهدف أيضا بسبب دوره في تحسين أرباح الدولة الصافية. فإشراك المرأة يمكن أن يساعد في تسريع وتيرة النمو الاقتصادي وتعزيز اقتصاد أقل عرضة للأزمات. على سبيل المثال، قد يؤدي إغلاق الفجوة بين الجنسين في سوق العمل في الأردن إلى زيادة “الناتج المحلي الإجمالي” بأكثر من 20 في المئة.
كما أن الفوائد الاجتماعية الأوسع ضرورية هي الأخرى. ويساعد تمكين النساء اقتصاديا على تقدُّم أسرهن ومجتمعاتهن المحلية، حيث تميل معدلات الخصوبة بينهن إلى الانخفاض، ويكون أطفالهن أكثر صحة ويبقون في المدرسة لفترة أطول، ولا تتزوج بناتهن في أعمال صغيرة.
وعندما تشارك المرأة اقتصاديا، غالبا ما تكون أكثر مشاركة سياسيا، مما يساهم في بناء مجتمع أكثر شمولا وديمقراطية. ويمكن لأصواتهن أن تكون مفيدة في المطالبة بإيجاد مدارس أفضل، وخدمات اجتماعية معززة، ونتائج صحية محسنة، فضلا عن إنشاء مجتمعات أكثر قوة تكون أكثر مرونة في مواجهة التطرف.
ونظرا لهذه الفوائد، يجب أن تكون المساعدات التنموية الأميركية قائمة على هدف استراتيجي موجّه نحو دعم دخول المرأة إلى القوى العاملة. وسعى “مشروع دعم المؤسسات المحلية” في الأردن الذي أكملته “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” مؤخرا إلى معالجة هذه الفرص من خلال تعزيز المشاريع التجارية المنزلية والمؤسسات الصغيرة والمتناهية الصغر الأخرى التي تملكها النساء.
وقد وجد التقييم الذي أجري للبرنامج في أغسطس 2019 أن هذه المقاربة المتعلقة بالمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر تتمتع بالعديد من الفوائد غير الملموسة، من بينها تعزيز تقدير الذات لدى النساء وجعل فكرة عمل المرأة بحد ذاته أمرا طبيعيا.
ومع ذلك، تبقى المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر مجرد جزء من الحل. وعلى الرغم من أن هذه البرامج تجذب المانحين بسبب فوائدها الفورية على الأشخاص المعنيين، إلا أن تأثيرها ضئيل فيما يتعلق بإيجاد وظائف جديدة مزدهرة ومضاعفة عددها أو التغلب على الحواجز الهيكلية أمام النساء المشاركات في القوى العاملة خارج المنزل.
وتم التطرق بالتفصيل إلى هذه العوائق في تقرير “البنك الدولي” الصادر في يونيو 2018، مثل القيود القانونية، والبنية التحتية الصعبة للنقل، والافتقار إلى الوظائف المقبولة، وقلة الوصول إلى مرافق رعاية الأطفال، والمعايير المجتمعية التي ترسم المرأة بصورة ربّة المنزل ومقدّمة الرعاية، مما يؤدي إلى افتقارها إلى الوقت كلما وجدت عملا خارج المنزل.
كيفية إعادة التفكير في مساعدات التنمية الأميركية
للتغلب على العوائق المستمرة التي تحول دون مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية في الأردن، يجب على “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” أن تعطي الأولوية للإصلاحات التالية عند صياغة مشاريعها القادمة:
ـ محاربة الأفكار النمطية القائمة على نوع الجنس من خلال التعليم والتوعية حول المساواة بين الجنسين. ويشمل ذلك إلقاء نظرة فاحصة على التحيز الجنسي في المناهج الدراسية في الأردن وتوفير الفرص للفتيات لاستكشاف فرص العمل غير التقليدية. بإمكان “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” أن تدعم أيضا حملات الدعوى التي تسلط الضوء على دور المرأة المهم في الاقتصاد وتتحدى التوقعات التقليدية لأدوارها في المنزل.
ـ تحسين سوق العمل من خلال زيادة النمو والقدرة التنافسية في القطاع الخاص، الأمر الذي يمكن أن يستقطب المزيد من النساء إلى القوى العاملة. وتحقيقا لهذه الغاية، ينبغي أن تركز “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” على مساعدة الحكومة الأردنية على تحسين بيئة الأعمال التجارية، وتطوير أسواق التصدير الخاصة بها، وخلق المزيد من الحوافز للاستثمار الأجنبي المباشر، ودعم المحافظات المحلية في جذب الشركات إلى الأجزاء الأقل تطورا في البلاد.
قد يؤدي إغلاق الفجوة بين الجنسين في سوق العمل في الأردن إلى زيادة “الناتج المحلي الإجمالي” بأكثر من 20 في المئة
ومثل هذه الجهود لن تكون سهلة، وقد لا تسفر عن نتائج جوهرية على الفور، خاصة بالنظر إلى التحديات الاقتصادية المحتملة على المدى الطويل الناجمة عن جائحة فيروس كورونا. ومع ذلك، تدرك عمان الحاجة إلى إصلاح اقتصادها، كما هو موضح في خطط نموها الأخيرة، وبإمكان “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” دعم هذه الأجندة من خلال تقديم مساعدة فنية طويلة الأجل.
ـ تشجيع الإصلاح القانوني من خلال إسداء المشورة للمملكة الأردنية بإلغاء القوانين والأنظمة التي تقيّد قدرة المرأة على دخول المضمار الاقتصادي أو اتخاذ القرارات فيه. وفي الوقت الحالي، لا يُضمن للمرأة الأردنية وضعا متساويا بموجب القانون، بما في ذلك قوانين العمل، وتواجهن قيودا قائمة على أساس نوع الجنس فيما يتعلق باختيار المهنة وساعات العمل.
ـ زيادة الخدمات الاجتماعية كالنقل العام وخدمات الرعاية النهارية. وتتركز الوظائف في المملكة بشكل كبير في عمان والمدن الكبيرة الأخرى، وغالبا ما تؤدي البنية التحتية للنقل غير الملائمة أو غير الآمنة إلى إعاقة النساء. وبالمثل، فإن إمكانية الاستفادة من الرعاية النهارية صعبة وغالبا ما تكون مكلفة. وتستطيع “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” دعم تطوير هذه الخدمات الحيوية وتنفيذها.
وإجمالا، إن تهيئة الظروف الضرورية للازدهار الاقتصادي والمشاركة الواسعة للمرأة في الحياة الاقتصادية يستغرق وقتا. إن التزام “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” على المدى الطويل تجاه الأردن جدير بالثناء وينبغي الحفاظ عليه، ولكن يجب إجراء التعديلات الاستراتيجية اللازمة لتعزيز تأثيره إلى أقصى حد.