فايننشال تايمز: الفيروس يهدد بارتداد وضع المرأة العاملة إلى عقد الخمسينيات
النشرة الدولية –
بعد أشهر من العمل الشاق ورعاية طفلين في سن المدرسة، اختصرت مديرة مالية في دبلن طموحاتها في بند واحد: “مجرد البقاء”.
وكتبت ردا على نداء على صفحات “فاينانشيال تايمز” تطلب فيها من النساء تبادل الخبرات، حول كيفية تأثير الحياة الوبائية في تقدمهن المهني، مشيرة إلى التجربة الحاصلة بأنها: “كانت هذه أصعب فترة لي كأم عاملة”.
الدفع في اتجاهين بين العمل والمنزل يتفاقم بسبب عدم وجود جليسات أطفال وعاملة النظافة. تصف الشعور بعدم الدعم من قبل كبار الزملاء الذين لديهم شريك مقيم في المنزل. وتقول: “كلمة ’الفهم‘ ليست جزءا من التمويل، فالسياسات كلها موجودة، ومكتوبة بشكل جميل”، إلا أن الواقع أنه: “يجب إنجاز العمل وعلى المستوى نفسه من دون نقاش”. يعاني زوجها بعض الضغوط نفسها، ولكن عندما يشارك أطفالهما في مكالمة بالفيديو، فإن الأمر يعد رائعا.
الانتحار الوظيفي
ليست هناك فرصة أن تفعل الشيء نفسه “الانتحار الوظيفي”. عندما نعوض ما فاتنا بعد ذلك بأسابيع قليلة، تقول إن الأمور قد “هدأت” – لكنها لا تزال تشعر بأنها في وضع ضعيف.
تجربتها التي تتردد لدى نساء أخريات تقتصر كثيرا على مكان العمل الشامل الذي يقول كثير من أصحاب العمل فيه، إنهم يطمحون لأن يصبحوا عليه.
قبل الوباء استفادت النساء من الجهود طويلة الأمد لزيادة تمثيلهن في المستويات المتوسطة والعليا.
تشير الإحصاءات والبحوث التجريبية منذ الآن إلى أن النساء يتضررن بشكل غير متناسب من التداعيات الاقتصادية للوباء. القطاعات التي تستخدم أعدادا كبيرة من النساء تأثرت بشكل سيئ، ولا سيما الضيافة والترفيه التي شكلت 7.7 مليون وظيفة من أصل 20.5 مليون وظيفة فقدت في الولايات المتحدة في نيسان (أبريل) الماضي، عندما تسبب الوباء في أكبرالخسائر في التوظيف، وفقا لبيانات من المكتب الأمريكي لإحصاءات العمل.
تقول أليسون زيمرمان، المديرة التنفيذية في “كاتاليست أوروبا” وهي منظمة غير ربحية تدافع عن النساء في العمل، إن الوباء “يضخم عدم المساواة”.
توصل بحث للمنظمة في الولايات المتحدة إلى أن واحدة من كل ثلاث وظائف تشغلها النساء تعد ضرورية، وهي نسبة أعلى من الرجال، كما أن النساء الملونات هن المجموعة الأكثر احتمالية لشغل وظيفة أساسية.
غالبا ما تكون هذه الوظائف منخفضة الأجر ومن دون أجر للإجازات المرضية. تعترف إحدى النساء العاملات في مجال التمويل بالشعور بالانغماس في القلق بشأن حياتها المهنية، عندما تأخذ الطعام إلى آباء وأمهات في فصل ابنها، فقدوا وظائفهم. على أن مخاوفها ومخاوف الآخرين تعد حادة لأنها تفكر في مستقبل يصبح فيه الطموح والخطط المهنية خيالا.
الرجل إلى الأمام .. المرأة على العكس
على حد تعبير عامل آخر في مجال الخدمات المالية: قد يكون عالم ما بعد كوفيد عالما “نعود فيه إلى الخمسينيات حيث هناك أم ترعى الأطفال وأب يعمل ويعيل العائلة”. يخشى كثير من الناس من الآثار الجديدة مع استمرار الأزمة.
على الرغم من تأثير احتجاجات “حياة السود مهمة” وتصريحات الشركات الداعمة للتنوع والشمول، فقد تؤدي الضغوط المالية إلى تهميش هذه البرامج.
ومع إعادة توزيع الفرق للتعامل استجابة لتغيرات السوق، يتم إشغال الوظائف المؤقتة من دون شفافية.
يلاحظ أحد الرجال “انحيازا ثقافيا نحو رؤية القيادة في الأزمات، على أنها تتطلب الصفات الذكورية. كلام فارغ بالطبع، ولكن هناك تحيزا في العمل يغذي هذا التصور”.
والآن بعد أن عاد بعض العمال إلى المكاتب، هناك مخاوف من وجود قوة عاملة من طبقتين، حيث من المرجح أن يبقى الذين لديهم واجبات منزلية، مصداقا للقول الشائع: “البعيد عن الأنظار، بعيد عن البال”.
تعترف كريستيانا رايلي، الرئيسة التنفيذية لـ”دويتشه بنك” التي وجدت نفسها بمفردها مع طفلين في سن المدرسة خارج نيويورك، بينما كان زوجها في ألمانيا ينتظر إلى أن ينتهي حظر السفر جراء الوباء، بأن الأمر مثير للقلق.
وتقول: “سنكون واضحين للغاية طوال هذه الفترة من العودة التدريجية أنه لا يوجد فرق بين شخص في المكتب أو خارج المكتب – إنهم قادرون على قدم المساواة على القيام بعملهم وأن يكونوا جزءا من الفريق” مضيفة أنها تؤكد للموظفين شعار “العائلة أولا” عبر إدارتها العليا، حيث يتعامل الموظفون مع “وضع غير عادي للغاية، ومن المحتمل أن يكون مرهقا للغاية” كذلك.
يرى المتفائلون هذه الفترة على أنها تشجع الرجال على تولي حصة أكبر من المهام المنزلية والمطالبة بسياسات عمل مستنيرة.
أظهر استطلاع أجرته شركة تحليلات سلوكية هذا الشهر أن 60 في المائة من الرجال يوافقون بشدة، على أن العمل عن بعد سيحسن قدرة النساء على الارتقاء إلى مستويات أعلى ضمن الأعمال في المستقبل.
هذا الرأي المتفائل لا يشاركه النشطاء الذين رأوا كيف تظهر آثار الوباء في أماكن العمل. تقول جولي بريرلي من مجموعة ناشطة تدافع عن حقوق الحوامل، إنهن قلقات بشأن سلامتهن في العمل: “إنهن يعرفن أن لديهن حقوقا قانونية، لكنهن خائفات جدا على نحو يمنعهن من استخدام هذه الحقوق، على اعتبار أن سوق العمل مخادعة إلى حد كبير”.
وتضيف أن الحماية المعززة للمرأة التي تقيها من الاستغناء عن خدماتها خلال إجازة الأمومة، لا تمتد إلى الفترة التي تكون فيها حاملا، أو عندما تعود من إجازة الأمومة. ويخشى النشطاء أن تكون النساء الحوامل والأمهات الجدد على رأس قائمة من يفقدون الوظائف.
أم لطفلين تعمل في قطاع الطاقة في لندن تشعر بالقلق من أنه “على خلفية تجميد عدد الموظفين واضطرارهم إلى إعادة تبرير كل دور، تتخذ النساء خطوة إلى الوراء. سأضطر للضغط والقتال للحصول على تغطية للنساء في إجازة أمومة، لدرجة تجعلني أحجم عن الرغبة في توظيف مزيد من النساء في سن الإنجاب – وهذا أمر مؤلم حين أقوله بصوت عال”.
هناك أم لطفلين تعمل في الأمن السيبراني تم الاستغناء عن خدماتها، بينما تم الاحتفاظ بأقرانها من الذكور. وتضيف: “يركز بحثي عن العمل الآن على الفرص الأكثر بعدا وأقل سفرا والتضحية بمسؤوليات العمل. إن توقعاتي أقل، بيد أني أرجو صعود السلم مرة أخرى”.
أثر إغلاق المدارس على المدى الطويل
إغلاق المدارس التي أثرت وفقا لليونسكو في 1.5 مليار طفل في جميع أنحاء العالم، أدى إلى حدوث انقسامات حادة داخل القوى العاملة.
توصل معهد الدراسات المالية إلى أن الأمهات في بريطانيا يجمعن “العمل بأجر مع أنشطة أخرى – رعاية الأطفال دائما – خلال 47 في المائة من ساعات عملهن، مقارنة بـ30 في المائة من ساعات عمل الآباء”.
أو على حد تعبير إحدى العاملات تعمل في لندن: “عندما نعمل كلانا، فإن العبء يقع علي عادة، عندما يتعلق الأمر بالتعليم المنزلي الذي أديره إلى جانب عملي”. تقول لوريلي، وهي عاملة في شركة للخدمات المالية مقرها نيويورك، ولديها طفل عمره ستة أعوام وآخر عمره ثلاثة أعوام: في الأوقات العادية كنت مع زوجي نحافظ على “توازن دقيق لرعاية الأطفال بدوام كامل، بعد البرامج المدرسية، والجليسات والأبوة المشتركة”.
الآن يتناوبان على 12 ساعة في اليوم من اجتماعات العمل والمكالمات ومهام الصف الأول والفنون والحرف اليدوية، وتواريخ اللعب الافتراضية ونوبات الغضب.
وتقول: “هذا أمر لا يمكن إدارته على الإطلاق لتقديم حتى جزء صغير من منتج العمل الذي اعتدت عليه. لا يمكنني قضاء أي وقت في القراءة أو التفكير أو التخطيط. إنه يجعلني أتساءل عن مهاراتي وعلاقاتي ودوري في الفريق. أنا قلقة ومرهقة ومشوشة ومشتتة”.
تقول امرأة أخرى إن كثيرا من صديقاتها قررن أن أنماط الحياة مزدوجة الدخل في مدينة نيويورك ليست مستدامة. عندما ينتهي الوباء سينتقلون إلى ولاياتهم الأصلية، حيث سيعمل أحدهما (غالبا الرجل) على أن يتولى – تتولى على الأرجح – الآخر مهام الواجبات العائلية. تشعر الوحدات العائلية غير التقليدية بالعبء بشكل أكبر.
تقول سيرا هولاند، المؤسس المشارك لشركة استشارات للاستراتيجية والابتكار: “كانت المحادثة حول الآباء العاملين أثناء الإغلاق تركز عادة على’الانقسام بين الجنسين‘ في المنزل – الأمر الذي يمثل تحديا في حد ذاته للآباء المنفردين والأزواج على حد سواء”.
تقول آرلي هوتشيلد، مؤلفة كتاب “التحول الثاني” الرائد في 1989 الذي ألقى الضوء على الحمل المنزلي للنساء العاملات: “في حين أن عددا أكبر بكثير من الرجال المتزوجين يتشاركون في التحول الثاني الآن أكثر مما فعلوا في 1989، إلا أن عددا أكبر بكثير من الرجال الآن لا يعيشون مع أمهات أطفالهم – أي أن لدينا ارتفاعا في الأمهات العازبات اللاتي يتحملن العبء الكامل لأطفال في المدارس المغلقة الآن”.
لوريلي ترى أن معظم الزملاء لا يمكنهم التعاطف مع أحد الوالدين الذي يرعى الأطفال الصغار أثناء العمل بدوام كامل: “الفجوة التي كانت موجودة أصلا أثرت في تجربتي في مكان العمل، وهي تتوسع الآن”.
هي قلقة من أن هذا سيحسب ضدها في التقييمات المهنية. “أحتاج إلى أخذ هذه الإجازة تماما، وفي عالم أكثر عدالة سيتم تقديمها لي، وستتم إعادة ضبط دوري عندما ينحسر الخطر. أشعر منذ الآن بأني أعاقب وأني غير مرئية عندما يشكو زملائي من الملل، ويطالبون بالعمل كالمعتاد – فقط عن بعد”.
تقول إليز نيل، نائبة رئيس حاضنة الأعمال الجديدة في شركة فيرايزون، إنه يجب على الشركات أن تناقش مقدما “كيف تعدل مراجعات منتصف العام، لتأخذ بعين الاعتبار الإنتاجية المعطلة بسبب مسؤوليات الأبوة”.
تقول الأكاديمية الأمريكية جوان وليامز، المديرة المؤسسة لمركز قانون الحياة والعمل في جامعة كاليفورنيا في هاستينجز، إنه إذا ما دعت أماكن العمل الناس إلى العودة قبل أن تصبح رعاية الأطفال جاهزة: “فسيكون ذلك محركا هائلا لزيادة عدم المساواة بين الجنسين. يمكن أن يكون لذلك تأثير سلبي في آفاق توظيف المرأة”.
أحد الحلول أن تكون هناك سياسة موحدة للعمل من المنزل، مثل تلك التي تم الإعلان عنها على شركة تويتر، التي ستسمح بالعمل الدائم من المنزل، أو شركة جوجل التي تسمح للموظفين بالبقاء في المنزل حتى نهاية العام، كي لا تضطر النساء إلى تقديم حجة لصالح البقاء بعيدا عن المكتب.
هل هناك اتجاه صعودي؟
توصل البحث الذي أجراه المكتب الوطني الأمريكي للبحوث الاقتصادية إلى أسباب للتفاؤل، تشير إلى أن “الشركات تتبنى بسرعة ترتيبات عمل مرنة، من المرجح أن تستمر. هناك أيضا كثير من الآباء الذين يتعين عليهم الآن تحمل المسؤولية الأساسية لرعاية الأطفال، ما قد يؤدي إلى تآكل المعايير الاجتماعية التي تؤدي حاليا إلى توزيع غير متوازن لتقسيم العمل في المنزل ورعاية الأطفال”.
توافق البروفيسورة وليامز على أن: “ما أعاق العمل عن بعد لعقود هو الفشل في الخيال الذي تمت معالجته في غضون عشرة أيام. كنا نعلم أن ذلك ممكن تماما، لكن الأمر تطلب حدوث وباء ليجربه الناس”. البعض يرى أن التجربة إيجابية.
تقول مديرة التعليم في شركة للخدمات المالية إنه قبل الوباء: “كان زوجي يسافر كثيرا ووقع كثير من رعاية الأطفال على عاتقي. هناك مزيد من الوعي بما يلزم لرعاية المنزل”.
اقترح أحد الآباء أن الوباء عمل، مؤقتا على الأقل، على تفكيك بعض المعوقات الثقافية التي تحول دون تقدم المرأة في المكتب مثل ليالي السمر في”نادي الأولاد” والأنشطة الرياضية وسفريات الأعمال التي قد ترفضها مقدمة الرعاية الأولية.
تقول سيندي رامبرسود، نائبة الرئيس الأول لدى شركة بيرسون في بريطانيا، إن هذه الفترة فتحت نقاشات حول النساء والعمل في شبكاتها، بما في ذلك مجموعة تنفيذية، مكنت المديرين من “رؤية مزيد من الجانب الإنساني للناس – يتحدثون عن حياتهم ويسمح لهم ببناء العلاقات بطريقة مختلفة”.
جين فان زيل، الرئيسة التنفيذية لجمعية العائلات العاملة الخيرية البريطانية، تشعر بالتفاؤل من دعم بعض أصحاب العمل للآباء ومقدمي الرعاية خلال الأزمة.
وتستشهد بالإجازة المدفوعة من شركة تجزئة لأي موظف غير قادر على العمل، بسبب تحديات رعاية الأطفال أو العيش مع أشخاص ضعفاء، إضافة إلى حملة شركة قانونية لجمع الأفكار لإشغال وتعليم الأطفال الصغار.
وتقول بلهجة تتسم بالأمل: “لا عودة إلى العمل كالمعتاد بعد كوفيد – 19. من المهم أن يبدأ أصحاب العمل في تحديد أولويات العمل المرن إذا كانوا يريدون أن يكونوا متينين في المستقبل”.