لماذا تُخطِئ المدعية العامة لـ “المحكمة الجنائية الدولية” بشأن “اتفاقيات أوسلو”؟* دينس روس
النشرة الدولية –
تتطلب بعض القضايا الانتباه حتى في خضم تفشي وباء “كوفيد-19” وتجدّد المساعي لتغيير طريقة تعامل الشرطة الأميركية مع ذوي البشرة الملونة. وإحدى هذه القضايا هي احتمال قيام “المحكمة الجنائية الدولية” بإقحام نفسها قريبا في الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. وإذا كان الأمر كذلك، فقد يشكّل هذا سابقة مؤسفة تتمثل بمنح أطراف النزاعات التاريخية دافعا لكسب النفوذ وتسجيل النقاط ضد بعضهم البعض في المحكمة بدلا من حل خلافاتهم عن طريق التفاوض.
في ديسمبر الماضي، أعلنت المدعية العامة لـ “المحكمة الجنائية الدولية” فاتو بنسودا عن نيّتها فتح تحقيق جنائي في جرائم الحرب الإسرائيلية المزعومة، بحجة أن المحكمة تملك اختصاصا جنائيا على قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، باعتبارها أراضي “دولة فلسطين”. ومع ذلك، فقبل أن تباشر بهذه الخطوة، طلبت من إحدى “الدوائر التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية” التصديق على حجتها التي طرحتها في وثيقة طويلة أقرّت بتعقيد القضية والجدل.
ويعتمد الموقف الذي اتخذه “مكتب المدعية العامة” (“المكتب”) بشأن الاختصاص القضائي [للمحكمة] جزئيا على تفسيراته لـ “اتفاقيات أوسلو” وعملية السلام الإسرائيلية ـ الفلسطينية بشكل عام. وبعد أن عملتُ كمفاوض أميركي رئيسي فيما يتعلق بالسلام في الشرق الأوسط وكمشارك أو وسيط في محادثات أوسلو وغيرها من المناقشات الإسرائيلية ـ الفلسطينية في الفترة بين 1993 و2001، فإنني على دراية عميقة بالتاريخ الداخلي للاتفاقيات موضوع البحث ومضمونها. واستجابة لدعوة وجهتها “الدائرة التمهيدية للمحكمة”، شعرتُ بأنني مضطر لتقديم موجز كشخص غير مشترك في النزاع ولكنه تطوّعَ لتقديم شهادة في القضية تشرح أن “مكتب المدعية العامة” قد أساء تفسير شروط (أحكام) ومعنى هذه الاتفاقيات من عدة نواحٍ.
يعتمد الموقف الذي اتخذه “مكتب المدعية العامة” (“المكتب”) بشأن الاختصاص القضائي [للمحكمة] جزئيا على تفسيراته لـ “اتفاقيات أوسلو” وعملية السلام الإسرائيلية ـ الفلسطينية بشكل عام
كان أملي هو إقناع “المكتب” بتصحيح أخطائه، لكن ذلك لم يتحقق. وفي الواقع، أكّد رد “مكتب المدعية العامة” بتاريخ 30 أبريل على المذكرات المعارِضة بعضا من أكثر حججه المضللة، محاولا إعادة تعريف “اتفاقيات أوسلو” في بعض المجالات ومجرد تجاهلها في مجالات أخرى.
وأصبحتْ هذه المشكلة أكثر أهمية في ضوء طلب التوضيح غير الاعتيادي الذي تقدمت به “الدائرة التمهيدية” فيما يتعلق بتصريح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في 19 مايو، الذي أعلن فيه أن السلطة الفلسطينية “تبرّأت” من اتفاقياتها السابقة مع الحكومات الإسرائيلية والأميركية. ويبدو أن القضاة يدركون أهمية “اتفاقيات أوسلو” في القضية القانونية المعروضة أمامهم؛ وعلى هذا النحو، أعتقد أنه حان الوقت لوضع الأمور في نصابها.
ما تُخطِئه المدعية العامة
يؤكد “مكتب المدعية العامة” أن هدف “اتفاقيات أوسلو” هو “وضع حق الفلسطينيين في تقرير المصير موضع التنفيذ”. ومن وجهة نظر المدعية العامة فإن هذا الحق ـ وخطايا إسرائيل في منع تحقيقه بالكامل ـ يفوقان [أهمية] واقع عدم استيفاء الفلسطينيين للمعايير المحددة لإقامة الدولة بموجب القانون الدولي، أي السيطرة الفعالة على منطقة محددة جيدا. ووفقا لهذه الحجة، يجب معاملة الفلسطينيين كدولة لها الحق في منح “المحكمة الجنائية الدولية” الصلاحية القضائية نيابة عنها.
وتقوم هذه الحجة على الفرضية بأن “الهدف والقصد” من “اتفاقيات أوسلو” كان تقرير المصير، على حد تعبير “مكتب المدعية العامة”. لكن هذا غير دقيق. فقد كان للاتفاقيات عدة أهداف متساوية في الأهمية، بما فيها الأمن الإسرائيلي، والتعايش السلمي، والتثقيف من أجل السلام، وتطوير الحكم الفلسطيني الفعال. ولا يمكن تطبيق حق تقرير المصير بالكامل بما يتعدى إطار ترتيبات “اتفاقيات أوسلو” المؤقتة للحكم الذاتي، ما لم يتم تحقيق هذه الأهداف الأخرى. ومع ذلك، يتجاهل “مكتب المدعية العامة” هذه الشروط المسبقة، ويتعامل مع تقرير المصير للفلسطينيين على أنه غاية في حد ذاته، وهدف يمنح بالضرورة حق الدولة.
ومن المفارقات أن “مكتب المدعية العامة” يقرّ بأن هذين المفهومين ـ تقرير المصير والحق في إقامة دولة ـ مختلفين من الناحية القانونية، حتى عندما يتجاهل واقع كَوْن الاتفاقيات تترك صراحة هذه المسألة للتفاوض من قبل الطرفين. وعندما يشير إلى أحد الأحكام الرئيسية المتعلق بالأهمية القانونية لـ “اتفاقيات أوسلو” ـ وهو عدم اعتبار أي من الطرفين، بحكم إبرامه هذه [الاتفاقيات]، قد تخلى عن أيٍّ من حقوقه أو مطالباته أو مواقفه القائمة” أو تنازل عنها ـ فإن “مكتب المدعية العامة” يفسّر هذا الحكم بشكل لافت للنظر على أنه ينطبق على المواقف الفلسطينية وحدها وليس على مطالبات إسرائيل القائمة منذ مدة طويلة.
والأسوأ من ذلك هو أن “مكتب المدعية العامة” لا يأتِ حتى على ذكر دور الإرهاب والرفض الفلسطينيَيْن في منع قيام الدولة، مما يُوجِد مأخذ قانوني للمخالفات الإسرائيلية فقط. كنتُ من أشد المنتقدين للأعمال الإسرائيلية التي لا تتفق مع روح الاتفاقيات، وخاصة سياسة الاستيطان التي تتبعها البلاد. لكن أي تحليل يعطي وزنا لخطأ يرتكبه جانب واحد فقط يُفسَّر على أنه ذو دوافع سياسية بدلا من مصداقية قانونية.
ولا يَذكر “مكتب المدعية العامة” في أي من نشراته أن قيادة السلطة الفلسطينية إما رفضت أو تجاهلت عروضا مختلفة كانت لتسمح بقيام دولة فلسطينية ذات مصداقية، بدءا من أطر خطة كلينتون في ديسمبر 2000 إلى اقتراح أولمرت في أغسطس 2008 ومبادئ أوباما في مارس 2014. وفي كل حالة، لم يطرح الفلسطينيون حتى مقترحات مضادة.
غير أن “مكتب المدعية العامة” يتغاضى عن هذا الجزء من الاتفاق التاريخي، بما في ذلك الخسائر الفظيعة التي أحدثتها الانتفاضة الثانية. ويكتب عوضا عن ذلك أن “العملية توقفت بعد مارس 2000” ـ وهذا خبر جديد لنا جميعا نحن الذين شاركنا في المفاوضات بعد هذا التاريخ، من “كامب ديفيد” إلى عملية أنابوليس إلى جهود وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري.
ثم يواصل “مكتب المدعية العامة” التأكيد على أنه “بصرف النظر عن أي عملية سياسية غير مكتملة ومستمرة، يتضح من “الاتفاقات” أنه كان من المقرر أن تتولى السلطة الفلسطينية السيطرة على معظم أراضي الضفة الغربية، باستثناء القدس الشرقية وقطاع غزة، مع تعديلات تجعلها ملائمة للمستوطنات والحدود”.
وهنا أيضا تُعتبر هذه المعلومة غير دقيقة ومتوافقة مع الحجة غير المتوازنة للمدعية العامة بأن “اتفاقيات أوسلو” ملزمة لطرف واحد هو إسرائيل. وكان الهدف من الالتزامات الفلسطينية المفصّلة في “الاتفاقات” أن تكون مقاييس مرجعية حاسمة تثبت استعداد السلطة الفلسطينية لتحمل المزيد من الحقوق والمسؤوليات وقدرتها على القيام بذلك. وتنص الاتفاقية صراحة على أن أي عملية إسرائيلية لنقل المزيد من الأراضي والصلاحيات مشروطة بالتقدم الفلسطيني نحو ضمان الأمن، ومكافحة الإرهاب، ومنع التحريض. ولم يتم الوفاء بهذه الالتزامات والعديد غيرها بشكل كافٍ.
وحتى إذا كانت افتراضات “مكتب المدعية العامة” بشأن أهداف “اتفاقيات أوسلو” قائمة على أسس جيدة، إلا أنه لا يوجد غموض حول ما تنص عليه الاتفاقات بشأن أهم الأسس المنطقية للمدعية العامة ـ وهو بأنه بإمكان تفويض الاختصاص الجنائي إلى “المحكمة الجنائية الدولية”.
وتنص الاتفاقية بشكلٍ لا لبس فيه على أن الاختصاص الجنائي الفلسطيني خاضعٌ للقيود، وأنه لا يشمل السلطة (أو الولاية) القضائية على الإسرائيليين، وأن أي سلطة قضائية لم يتم تحويلها صراحة إلى الفلسطينيين تكون بيد إسرائيل. وليس هناك أي اقتراح في الاتفاقات أو المفاوضات التي واكبت التوصل إليها، الذي يؤيد التمييز المعقد لـ “مكتب المدعية العامة” بين الولاية القضائية لـ “الهيئة الكاملة” وولاية “الإنفاذ”. كما لم يسعى الفلسطينيون يوما إلى المطالبة بهذا النوع من الولاية القضائية على الإسرائيليين أو ممارستهم له في العقود التي أعقبت “اتفاقيات أوسلو”.
[والواقع] أن السجل التاريخي للمرحلة التي سبقت “اتفاقيات أوسلو” واضح بنفس القدر في هذا الشأن. وبخلاف ما يبدو أن “مكتب المدعية العامة” قد توصّل إليه، بين سنوات الحكم الأردني في الضفة الغربية والسيطرة الإسرائيلية بعد حرب عام 1967، لم تكن هناك فترة تدخُّل كانت فيها “الولاية القضائية للهيئة الكاملة” (أو “الصلاحية الكاملة”) تقع على عاتق الشعب الفلسطيني. ولم يعرب الطرفان نفسهما أبدا عن مثل هذا الفهم للوضع، كما أن الاتفاقات التي وقعاها تعكس هذه الحقيقة بشكل لا لبس فيه. وكان واضحا في ذلك الوقت أن أي صلاحيات تمتع بها الفلسطينيون كانت نتيجة للاتفاقات نفسها وأنهم استمدوا سلطتهم منها.إن حجج “مكتب المدعية العامة” غير مترابطة بصورة مقلقة مع أحكام “اتفاقيات أوسلو”، وفَهْم الأطراف لها، والواقع على الأرض
ويسعى “مكتب المدعية العامة” جاهدا أيضا للتلميح إلى أن النزاع على الأراضي هو مجرد “خلاف على الحدود”، وذلك لدعم الحجة القائلة بأن الحدود غير المتنازع عليها ليست ضرورية لممارسة صلاحية “المحكمة الجنائية الدولية”. ومع ذلك، وكما توضح الاتفاقات، تشكّل معالجة وضع الأراضي ككل إحدى القضايا الجوهرية التي يجب مناقشتها في المفاوضات بشأن الوضع الدائم، حيث سيحاول الطرفان حل مطالباتهما الراسخة والمتنافسة بالسيادة.
وكانت مواضيع المستوطنات والأمن والمواقع العسكرية على قائمة القضايا التي سيتم التفاوض حولها في هذه المرحلة النهائية، وفي غضون ذلك احتفظ الطرفان على وجه التحديد بمطالباتهما الإقليمية المتنافسة. ويوضح هذا التسلسل فهمهما بأن المفاوضات لم تكن حول تفاصيل الحدود، بل حول كيفية توزيع السيادة على المنطقة التي كان يُفهم أنها معلقة في انتظار التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض.
ومن منظور أوسع، فإن الأهمية المستمرة لـ “اتفاقيات أوسلو” لها تبعات واقعية وقانونية على النزاع الذي أثارته “المحكمة الجنائية الدولية”. فعلى مر السنين، هددت القيادة الفلسطينية بشكل دوري بإنهاء اتفاقياتها مع إسرائيل، ومع ذلك استمر المجتمع الدولي في اعتبار هذه الاتفاقيات ملزمة على الرغم من انتهاكات كلا الجانبين. وحتى التهديدات نفسها ـ التي تشمل تلك التي أطلقها الرئيس عباس ـ تشير إلى استمرار صلاحية “اتفاقيات أوسلو” في نظر الفلسطينيين. وبالمثل، تُظهر الأعمال التي قامت بها السلطة الفلسطينية على الأرض على مر السنين أن الاتفاقيات بقيت سارية المفعول، مع استمرار الهياكل والترتيبات التي نصت عليها دون انقطاع تقريبا.
وكرّر رد الفلسطينيين في 4 يونيو على دائرة “المحكمة الجنائية الدولية” هذا الموقف، حيث أشار إلى أن الاتفاقيات ستبقى سارية المفعول إلا إذا واصلت إسرائيل ضم الأراضي في الضفة الغربية. وفي حين أن الرد المقدّم من الجانب الفلسطيني ينص على أنهم “معفيين” من التزاماتهم بموجب الاتفاقيات السابقة، إلا أنه لا ينهي تقسيم المسؤوليات التي وضعتها “اتفاقيات أوسلو”. وفي الواقع، لم يُطبق أي إنهاء رسمي ذو أثر قانوني على الإطلاق، ولم يقترح أي طرف أن تصريح عباس يوسّع الاختصاص الجنائي الفلسطيني بما يتجاوز أحكام (أو شروط) الاتفاقيات.
ولعل الأهم من ذلك، أنه إذا تم إنهاء “اتفاقيات أوسلو” فعليا، فلن تكون النتيجة القانونية سلطة فلسطينية أكثر توسّعا. وبدلا من ذلك، ستعود السلطة إلى إسرائيل، كما هو منصوص عليه بوضوح في الاتفاقات وهو ما أقرته القيادة الفلسطينية. وفي التصريح الذي أدلى به الرئيس عباس في 19 مايو، على سبيل المثال، أشار إلى أنه يجب على إسرائيل “تحمّل كافة المسؤوليات والالتزامات” باعتبارها “قوة احتلال”.
ويقينا أن عباس قام بتذكير هذه الأمور كوسيلة للضغط على إسرائيل لمنعها من متابعة ضم الأراضي التي خُصصت لها قبل الأوان في خطة ترامب للسلام. ومن المفارقات أن مثل هذا الضمّ يتعارض بشكل مباشر مع “اتفاقيات أوسلو” التي تشترط على كلا الجانبين عدم تغيير وضع الأراضي، الأمر الذي قد يمنح الفلسطينيين أو الأطراف الفاعلة الأخرى في نهاية المطاف أسسا يعتمدون عليها في المستقبل للمجادلة بانقضاء الاتفاقيات. ولهذا السبب وحده، ينبغي على رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو أن يزن بعناية عواقب الضم، من بينها خطر اضطرار إسرائيل إلى استئناف [المسؤولية عن] جميع الالتزامات والتكاليف في الضفة الغربية.
فصل القضايا السياسية والقانونية
إن حجج “مكتب المدعية العامة” غير مترابطة بصورة مقلقة مع أحكام “اتفاقيات أوسلو”، وفَهْم الأطراف لها، والواقع على الأرض. ومن المذهل رؤية “المكتب” يناصر قضية قيام دولة فلسطينية في الوقت نفسه الذي يعلن فيه رئيس الوزراء محمد أشتية ومسؤولون فلسطينيون آخرون عن عزمهم الإعلان عن قيام الدولة من جانب واحد إذا مضت إسرائيل قدما في عملية الضمّ. وثمة تفاهم أساسي وواسع النطاق، بما في ذلك بين الفلسطينيين أنفسهم، بأن إنشاء دولة صالحة وسليمة قانونيا هو طموح مستقبلي وليس واقعا حاليا. من هنا، سوف تتسبب “المحكمة الجنائية الدولية” بنفسها بضرر كبير إذا تبنّت ما هو بوضوح وهما قانونيا.
لكن الأمر الذي يجب أن يثير قلق الجميع هو أن “مكتب المدعية العامة” يثير على ما يبدو قضية سياسية أكثر منها قانونية. ومهما كانت الرغبات السياسية للأشخاص المنخرطين في هذه القضية، فإن طرح الحجج السياسية ليس من مهمة “المكتب”. فقيامه بذلك يشوّه سمعة “المحكمة الجنائية الدولية”، ويقوّض فعاليتها، ويهدد بإبطال المبدأ القائل بأن القانون الدولي مبني على معايير وشرائع قانونية بدلا من أيديولوجية وتفضيلات سياسية. أما إذا استخدمت المحكمة أسبابا خادعة لإثبات اختصاصها في مثل هذه القضية الخِلافية، فمن المؤكد أنها ستلقي بظلال من الشك على شرعية أي تحقيقات لاحقة.
كان الهدف من الالتزامات الفلسطينية المفصّلة في “الاتفاقات” أن تكون مقاييس مرجعية حاسمة تثبت استعداد السلطة الفلسطينية لتحمل المزيد من الحقوق والمسؤوليات وقدرتها على القيام بذلك
علاوة على ذلك، كوني شخصا لا يزال ملتزما بحل النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، فإنني متخوف بشأن جوانب أكثر إثارة للقلق من إجراءات “مكتب المدعية العامة”: تأثيرها المحتمل على اتفاقيات السلام الحالية والمستقبلية. وفي الوقت الذي يتعرض فيه الإطار القانوني الوحيد الذي يرعى العلاقات بين الطرفين للهجوم من قبل عناصر من كلا الطرفين، فإن حجج “مكتب المدعية العامة” تصبّ مباشرةً في خدمة أولئك الذين يريدون التهرب من التزاماتهم. ولمصلحة السلام، ينبغي لـ “المحكمة الجنائية الدولية” أن تؤكد على ضرورة احترام الاتفاقيات القانونية كـ “اتفاقيات أوسلو”، وليس تقويضها.
بإمكان واشنطن أن تساعد في تعزيز هذه الرسالة. ومن المؤكد أنه من غير المرجح أن تستجيب المحكمة للمناشدات المباشرة من إدارة ترامب نظرا للعقوبات والقيود على السفر التي أجاز الرئيس فرضها على موظفي “المحكمة الجنائية الدولية” الضالعين في التحقيق مع القوات الأميركية. لكن لا يزال بوسع الإدارة الأميركية العمل بشكل هادئ مع حكومات الدول الأعضاء في المحكمة من أجل توضيح التكاليف المترتبة على المدى البعيد عن ملاحقة القضايا التي تبدو أنها ذات دوافع سياسية. وفي النهاية، يمكن أن يساعد هذا الانخراط في الحفاظ على دور “المحكمة الجنائية الدولية”.