متمول سوري مجنس حديثا في لبنان يسعى إلى تغيير معالم بلدة الطفيل* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

تقدم أهالي بلدة الطفيل اللبنانية الواقعة على الحدود مع سوريا بكتاب إلى محافظ بعلبك – الهرمل (البقاع الشمالي) بشير خضر، طلبوا فيه “وقف أعمال جرف واقتلاع أشجار مثمرة كالمشمش والكرز والتفاح في بساتين البلدة، التي يقوم بها حسن دقو بواسطة جرافات وآليات، بمواكبة من أشخاص مسلحين، مدّعياً أنه يملك تلك الأراضي وملحقاً الضرر البالغ والخسائر الفادحة بأصحاب ومالكي هذه البساتين، وهادراً موسم الأشجار السنوي”، وذلك بحسب ما أفادت الوكالة الوطنية للإعلام بتاريخ 2 يوليو (تموز) الحالي.

فما كان من محافظ بعلبك إلّا أن أحال الكتاب إلى قائد منطقة البقاع الإقليمية في قوى الأمن الداخلي “للاطّلاع وتكليف مَن يلزم إجراء الكشف والتحقيق اللازمَيْن في صحة ما جاء في استدعاء الأهالي، من تعدٍّ من قبل ابن البلدة المواطن حسن دقو على أملاك الأهالي وجرف بساتينها، لوقف أعمال الجرف واقتلاع الأشجار المثمرة بصورة فورية”، علماً أن مصرف لبنان يملك 1800 سهم من أراضي البلدة.

طلب وقف الأعمال

“اندبندنت عربية” تواصلت مع محافظ بعلبك – الهرمل للاطّلاع منه على صحة المعلومات، فأكد أن الأهالي بالفعل أتوا إليه وعرضوا الموضوع، وهو بدوره أحال كتابهم إلى قيادة منطقة البقاع الإقليمية، طالباً وقف الأعمال فوراً.

وبعدما تواصلنا مع الأهالي، قالوا لنا إنه “بالفعل حضرت دوريتان لقوى الأمن وأوقفت العمل، لكن المدعو دقو، استأنف عمليات الجرف، بخاصة إلى طريق قصره الواقع في المنطقة، وكأنّ شيئاً لم يكن”.

الوضع الحدودي

يعتبر خضر أن الاجراءات ربما تكون تأخرت بسبب وضع الطفيل الحدودي حيث بقي الدخول إلى هذه البلدة، وحتى وقت قريب، غير ممكن عبر الأراضي اللبنانية، حتى أيام الانتخابات النيابية والبلدية الأخيرة التي جرت عام 2016، حين كان يُضطَر مسؤولو المراكز الانتخابية إلى حمل ملفاتهم وصناديقهم والذهاب إليها عبر معبر المصنع الحدودي مع سوريا. وظلت الحال على ما هي عليه حتى عام 2018 حين بات اللبناني قادراً على دخول بلدته من الأراضي اللبنانية.

وأكد أنه طلب وقف الأعمال إلى حين توفّر المعطيات الكاملة والتأكد مِمّا أدلى به الأهالي عن أن المدعو دقو لا يمتلك إلّا 600 سهم من أصل 2400 سهم في البلدة. وعن صحة ما قاله الأهالي لجهة أن حسن دقو يأتي إلى البلدة عبر الأراضي السورية بموكب وحماية الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، فلا يؤكد خضر ولا ينفي صحة هذه المعلومات، بل يقول إن “الأهالي أطلعوه على هذا الموضوع، لكن من غير الممكن أن يدخل أحد عبر الحدود، لأن السلطات والأجهزة الأمنية موجودة بشكل دائم، حتى في فترة المعارك، لم يعبر الجنود السوريون إلى الداخل اللبناني”.

معبر غير شرعي جديد

وتفيد مصادر محلية في ما يتعلّق بالمعبر غير الشرعي الذي افتتحه “حزب الله” أخيراً مع سوريا في منطقة البقاع، ويصل إلى منطقة الزبداني في ريف دمشق الغربي، بأنه “كان موجوداً في الأساس للاستخدام العسكري، يمرّ عبره مقاتلو “حزب الله” من الأراضي اللبنانية إلى الأراضي السورية، لكن جرى تعبيده خلال الأيام الماضية، بما يتيح للمدنيين استعماله”. إلّا أنّ المحافظ خضر نفى علمه بهذا المعبر، وسأل “في أي سنة أُنشئ؟ لم يطلعني أحد على هذا الموضوع”.

بلدة الطفيل 

وتُعدُّ الطفيل قرية لبنانية حدودية في السلسلة الشرقية، قريبة من قرى القلمون السوري، تحديداً من عسال الورد ورنكوس، كان بالإمكان الوصول إليها عبر نقطة المصنع الحدودية، حيث يدخل الزائر إلى العاصمة السورية دمشق، ومن هناك يحتاج إلى ساعة ليصل إليها. الطريق التي كان مقرراً إنشاؤها منذ ستينيات القرن الماضي، تربط البلدة ببلدات بقاعيّة عدّة، أهمها بريتال، التي تبعد عن الطفيل مسافة 25 كيلومتراً، وهذه الطريق لم تكن سالكة إلّا لسيارات الدفع الرباعي، وتم تعبيدها منذ سنتين تقريباً، لتنهي عزلةً عاشها سكان البلدة منذ الاستقلال بعد أكثر من سبعة عقود.

لا كهرباء لبنانية في البلدة، ولا مستوصف ولا شبكة هاتف. شركة كهرباء سوريا هي التي أوصلت التيار إلى البلدة. ويقول الأهالي إن العمق السوري أقرب إليهم من بلدتهم، إذ يرتادون مستشفى يبرود الذي يبعد 18 كيلومتراً عنهم، بينما مستشفى بعلبك يبعد 40 كيلومتراً. وتستقبل المدارس السورية في القرى المجاورة كل تلاميذ الطفيل الذين يريدون متابعة تحصيلهم العلمي. بالتالي فإنّ معظم أبناء البلدة يتلقّون تعليمهم المتوسط والثانوي والجامعي في سوريا التي لا تبعد عنهم سوى بضعة أمتار.

ويبلغ عدد سكان الطفيل رسمياً نحو 2500 نسمة. يعيش مئات منهم في البلدة بشكل دائم.

ملكية أراضي الطفيل

يتخوّف أهالي البلدة من عملية تهجير ممنهج لهم، ويكشف بعض مِمَّن التقتهم “اندبندنت عربية” عن أن مساحة البلدة تبلغ 61 وليس 52 كليومتراً، تشكّل 2400 سهم، يمتلك محمود خنافر وهو من الجنوب اللبناني 600 سهم منها والـ1800 سهم المتبقية مرهونة لصالح المصرف المركزي اللبناني. كما أن هناك 9 كيلومترات تشكّل مشاعاً وهي ملك للدولة اللبنانية. ويؤكد الأهالي أنهم يعملون منذ الاستعمار التركي في تلك الأراضي، أي لأكثر من مئة عام، وأتى الانتداب الفرنسي، وبقوا في أراضيهم. كانت الطفيل مزرعة لأحد الإقطاعيين، يُدعى عاصم آغا سويدان الذي باعها إلى جودت الفلا، فأقام عليها مقالع رخام، ومن ثم آلت إلى بنك مبكو الذي أفلس لاحقاً، لتصبح الطفيل ملكاً لمصرف لبنان. لكن يقول الأهالي أن جودت الفلا وأحمد الجلبي (عراقي) ومحمود خنافر المتحدر من جنوب لبنان ويعمل في جنوب أفريقيا، يتشاركون في ملكية الأراضي، وبين عامَيْ 1984 و1985 كانوا يأتون إلى البلدة بحثاً عن الذهب. فجأة ظهر المدعو حسن دقو مدّعياً أنه اشترى 600 سهم من خنافر، علماً أن تاريخ العقد 15 يونيو (حزيران) 2020، يعود إلى أقل من شهر مضى. كما أن دقو السوري الأصل، استحصل على الجنسية اللبنانية منذ أربعة أشهر فقط.

شهادات الأهالي

من جهة أخرى، قال مختار الطفيل علي محمود الشوم (“أبو سامي”)، إن حسن دقو قصده وطلب منه ورقة تحدّد نوعية الأرض، ولم يكن يعلم أنه سيجرف الأراضي. وبحكم وظيفته كمختار، أعطاه الورقة المطلوبة. وتابع أن “دقو اشترى الأرض بشكل نظامي”.

وعن دخول دقو إلى البلدة من الجهة السورية وبمواكبة من عناصر الفرقة الرابعة، يقول “أبو سامي” إن “دقو ابن البلدة ويمكنه أن يدخل إليها من حيث يريد”. كما أنه لا يستطيع الجزم بهوية مرافقيه. ويوضح أنه أراد مصلحة الأهالي وتصرّف بحسن نية، وبحسب ما فهمه، أن دقو قد يعمد إلى إنشاء مزارع حيوانات أو معامل ترابة.

شبهات وتزوير تلاحق دقو

يخالف كثيرون من الأهالي مِمَّن تحدثت إليهم “اندبندنت عربية”، ما ذكره المختار، ويشيرون إلى أنهم تقدّموا بدعوى تزوير بحقه، لأن الورقة التي أعطاها إلى دقو تفيد بأن الأرض بور، وهذا ليس صحيحاً، الأمر الذي منح دقو المسوّغ بأن يجرفها. (ويرفقون اعتراضهم بصور تثبت أن الأرض كانت تحتوي على أشجار مثمرة).

ويقول ابن الطفيل، محمد حسن صدقة (أبو خليل) إنه من أشد المتضررين مِمّا حصل، إذ استُغيب وهو خارج الضيعة، وجُرفت أرض عائلته، مما عرّض والده إلى أزمة قلبية دخل على أثرها إلى المستشفى، لأنهم لم يدعوه يجني محصول الأرض، وجرفوها أمام عينيه بأشجارها المثمرة، من دون أن يراعوا تعبه أو قطع رزقه. ويشكّك “أبو خليل” بطريقة شراء الـ600 سهم من قبل حسن دقو، لأن مالك الأرض خنافر غير معروف ما إذا كان متوفٍّ أو حيّاً يُرزق، كما أن ملكية الأسهم سُجّلت باسم شركة “سيزر” التي تملكها زوجة دقو، سحر محسن وأخوه جميل دقو. ويتابع أن “زوجة دقو تدّعي أنها قريبة مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا، ولكن الأهالي يعلمون أنها تكذب كي تثير الذعر في قلوبهم”. أما عن حسن دقو، فيقول، إنه “يأتي إلى البلدة من الجهة السورية بمواكبة عظيمة من قبل عناصر الفرقة الرابعة، ولم ينصع لأوامر الدرك بإيقاف العمل، فالجرف يجري على قدم وساق، وهو يختار أراضٍ عشوائية من دون الالتزام بالـ600 سهم حصته. نحن لا نستطيع حتى الاقتراب من أراضينا، حيث توجد عناصر مسلحة لحماية آليات الجرف”.

وأكثر ما يؤلم صدقة أن الدولة اللبنانية وعلى الرغم من معاناتهم وتقديمهم شكاوى أمام القضاء، فإنها لم تنصفهم يوماً، واليوم تتخلّى عنهم، إذ جُرفت مصادر رزقهم. ويضاف “اليوم أراضينا غداً بيوتنا، فنصبح من اللاجئين داخل وطننا”.

القضاء لم يقل كلمته بعد

من جهة أخرى، يقول أحمد سالم، محامي الأهالي الذين تقدّموا بدعوى أمام القضاء اللبناني، إنّ “ما يجري غير قانوني، وإن كان المدعو حسن دقو اشترى الأراضي، لكنه لا يستطيع استيفاء حقه بيده، بل عليه أن يعمد إلى مهندس يحدّد الملكية، وإذا كانت هناك تعدّيات، فالقضاء يحسم ذلك. كما أن للأهالي الحق بالملكية بوضع اليد والحيازة، ولأنهم يعملون على استثمارها منذ أكثر من مئة سنة. ما يقوم به دقو هو عملية تهجير منظّم للسكان”.

توضيح الشركة المالكة للأسهم

وخلال العمل على التحقيق، اتصل بنا المستشار الإعلامي لشركة “سيزر” عيسى يحيى وقال “يهمّ الشركة أن توضح بعض المغالطات التي يدلي بها الأهالي للإعلام، وسنرسل التوضيح”. وحين سألناه عن صحة صلة القرابة بين زوجة دقو المحامية سحر محسن والحاج وفيق صفا، استمهلنا للردّ، لكنّنا لم نحصل على جواب شافٍ.

وجاء في بيان الشركة “يهم المستشار الإعلامي في شركة سيزر توضيح الآتي:

أولاً: إن شركة سيزر لبيع وشراء العقارات لا يملكها السيد حسن دقو، وهي غير محسوبة على أي جهة حزبية أو سياسية سواء كانت لبنانية أو سورية.

ثانياً: إن الاجتهادات الصادرة عن البعض في ما يتعلق بتهديد أهالي بلدة الطفيل وترهيبهم هي محض افتراءات ولم تصدر عن أي شخص، وكل ما يُحكى من هذا القبيل هو من مخيّلات البعض.

ثالثاً: إن موضوع بلدة الطفيل والحديث عن تهجير الأهالي من أرضهم هناك هو غير دقيق ولا يمتّ إلى الحقيقة بصلة، ولم يحصل أي هدم لأي منزل من منازل القاطنين هناك.

رابعاً: ملكية أراضي البلدة تُقسَّم بين مصرف لبنان 1800 سهم، الذي يعرض حصّته للبيع، والقسم الآخر ملك لشركة سيزر 600 سهم، أما الأهالي فلا يملكون شبراً واحداً ومستندات التمليك تثبت ذلك، وهم تقدّموا بشكوى من دون أي مسوّغ قانوني، والأراضي كلها مملوكة وليس كما يدّعي البعض بأنّ هناك مشاعات فيها والقانون يجيز وضع اليد عليها، وقدمت شركة سيزر كل المستندات القانونية إلى القضاء، وتم الكشف على الأرض من قبل خبير مكلف، والموضوع أصبح في عهدة القضاء.

خامساً: يستعمل البعض الشعارات المذهبية تارةً والحزبية تارةً أخرى للّعب على هذا الوتر، وتأجيج التوتّر لغايات شخصية، في حين أن كل ما يُحكى عن مخطّط لضمّ أراضي البلدة إلى الجانب السوري هو محض افتراء.

سادساً: ترجو شركة سيزر من وسائل الإعلام توخّي الحذر والدقة قبل نشر أي معلومات أو أخبار لا تمتّ إلى الحقيقة بصلة، والابتعاد عن التجريح الشخصي مع الاحتفاظ بحق الردّ والملاحقة القانونية”.

ضرب وخطف

في المقابل، وبينما كنّا نستكمل العمل على الموضوع، اتصل أحد الأهالي وأبلغنا أن المواطن منصور مسعود شاهين تعرّض لعملية خطف من قبل عناصر تابعة للفرقة الرابعة دخلت الأراضي اللبنانية وخطفته من منزله في بلدة الطفيل، فيما تعرّض شقيقه أحمد إلى اعتداء بالضرب المبرح مَمّا استدعى نقله إلى المستشفى.

ودفع ذلك بابن الطفيل محمد حسن صدقة إلى الاتصال بنا وإخبارنا أن أبناء بلدته رياض عبد الرحمن صدقة ومعتز مسعود شاهين ومحمد مسعود شاهين وأسعد مسعود شاهين وخليل صالح الآغا وغيرهم، هم في مدينة بعلبك حتى الساعة، ولا يستطيعون العودة إلى بيوتهم خوفاً من التعرض للخطف وأخذهم إلى الداخل السوري.

نقلاً عن “اندبندنت عربية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button