كْفرشَليم تحت الفصل السابع* يوسف طراد
النشرة الدولية –
إذا كنت ترغب بقراءة روايةٍ مبنية على روحانيات الكتاب المقدّس أو كنت متعطّشًا للزبد المتباهي بياضًا على صخرة الحبّ الجارح، فاقرأ رواية (كْفرشَليم) للأستاذ ميشال الشمّاعي الصادرة عن دار سائر المشرق للنشر.
سنة طقسية روائية تحتوي على إحدى وعشرين فصلًا، يتخلّلها إثنا عشر نصًّا من الإنجيل المقدّس، أول هذه النصوص يتلاءم مع بدء السنة الطقسية الميلادية، لأنه تحدّث عن زيارة العذراء مريم لنسيبتها أليصابات. أعقب هذه النصوص وعظٌ مستوحى من مناسبة المكان وفعل الزمان، برواية تنبع من صلب المعنى الوجودي الإنساني، حيث يترّبص شغف القارىء بالسطور، كالرقص على حفافي الروح، فيتماثل الاشتهاء غموضًا موشومًا بوضوحٍ على جدار القلوب.
بعدما نالت كْفرشَليم نصيبها من الحرب التي دارت بين أبناء الوطن الذين يربطهم الانتماء الواحد بالأرض والكيان، وبعد عودة أهلها وترميم الكنيسة، وضعها المطران شاوول الحصروني تحت الفصل السابع الروحاني بإرساله كاهنًا متعلّمًا خريج المعهد الإكليريكي يدعى (مجد) ليخدم رعيتها.
كاهنٌ تكتنفه الأسرار رغم ناسوته البهي، نظّم خدمة المذبح والذبيحة، ألّف جمعية (فرسان الهيكل المقدّس) التي تضمّ إثني عشر عضوًا بقيادة الفتاة (جود) التي تتمتّع بالجمال والشجاعة والقلب الطيّب. أعاد الإلفة بين البلدة وجوارها، فأضحوا كأنهم بلدة واحدة. كلّ ذلك قبل الفصل السادس من الكتاب، فعتبة الفصل السابع تحضيرٌ لمخيّمٍ صيفي للشبيبة، ينظّمه فرسان الهيكل المقدّس بقيادة جود وإشراف الكاهن مجد، خلال هذا المخيّم تغيّرت وسائل الاتّصال ووحدة القياس. الذي فرضه الكاهن من أحكامٍ تقضي بعدم حمل هواتفهم إلى المخيّم، لم تسرِ عليه وعلى جود (من يريد أن يتّصل بالسّماء عليه أن يقطع اتّصاله بالأرض كلّها) فقد كان يهرب ويختلي بجواله على ذلك الشير الصخري الساحر، لينفتح على العالم، منتقلًا من الواقع اللاهوتي التبشيري الهادف الذي كرّس نفسه له إلى العالم الافتراضي الآخر المخلوط شجونًا، يدق باب الخطيئة الذي يفتح من دون طَرْقٍ. حواس كاهنٍ منذورةٌ لعروسٍ افتراضيةٍ ساحرة الكلمات جاهلةٍ أسطورة الزمن القادم، حرّيته المقيّدة بقسَمِه صبَّها أشعارًا غرامية على صفحته الفايسبوكية (كلمتي)، تُرجمت أزهارًا ملونة، تناثرت جنونًا فوق ضلال الأثير ونذور الفقر والعفة، فكانت فسحة عبثٍ يراقص خلالها الوقت الهالك والرغبات المكبوتة، تجاريه ملِكَةُ أفكاره الفتاة جود التي عانقت المعاني عبر صفحتها (عاشق الكلمة) من دون تعارف.
إذا كانت السنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء خلال سنة، فالقياس هنا في المخيّم المسافة المسبحيّة، فالمسافات تُقاس بعدد المسابح التي تُتلى أثناء المسير، أما المسافة الافتراضية بين (كلمتي) و(عاشق الكلمة)، لا وحدة قياس لها لأنها كالهمس سارح الخطى من دون ضفافٍ مع وهمٍ جميلٍ ممزوجٍ بأرق الكاهن وأحاسيسه المنقسمة بين عشقه لربه وعشقه لحبيبته، وأحاسيسٍ صادقةٍ من معشوقةٍ مجهولةٍ.
توالت الأيام ضمن فصول الرواية، لم يكن من صفاءٍ مرتجى لنشيد روح (عاشق الكلمة) الفتاة جود بين محطّات الرجاء المختارة، فكان زواجها قهرًا من سكِّير غنيِّ ولم تنفع ابتهالات ٌ خاشعةٌ صدرت من مرشدها الروحي الكاهن جود، الذي هو العشيق الافتراضي المجهول، وأصبح الزواج صفقةً رابحةً للأم.
عنفٌ أسريٌّ، حَبَلٌ مفاجىء، مرض الزوج وموته، صبر الأم جود على مرض ابنها الذي يلزمه زراعة قلبٍ، كلّ ذلك لم يثنها عن أمنيات،ٍ فسال وحيها أجوبةً على أشعارٍ متوهّجةٍ على جدار صفحة (كلمتي)، علّها تجد ملاذًا من قسوة الوجود في أعماق عاشقٍ افتراضيِّ حالمٍ بسماوات عينيها أسفارًا تثقل كاهله، وتزداد حَمْلَةُ الخطيئة إلى أن يتمنى الموت طالبًا من ربه الخلاص، لأنه أيقن أن الموت وحده يفصل الكاهن مجد عن العاشق صاحب صفحة كلمتي، فكان له ما أراد إلى أن سقط صريعًا في ليلٍ عاصفٍ على مذبح الرب أثناء سجوده، وكان المرتجى، تطابقت أنسجته مع أنسجة طفل جود وانتقل قلبه ليسكن جسد الطفل وحياة الأم.
إذا أردنا أن نتكلّم بلغة الرواية التي اعتمدت إفخارستية مذبح الرب إلهامًا، يحضر أمامنا مقطع من الكتاب المقدّس للقديس لوقا (10-21): “أحمَدُك أيُّها الآبُ، يا ربَّ السماءِ والأرضِ، لأنك أظهرتَ للبسطاءِ ما أخفيته عن الحكماءِ والفهماءِ)، فسرّ الرواية بأكملها أظهره الرب صدفةً للراعي الصغير الذي باح به لجود، فساورتها الشكوك العديدة من خلال لقاءات حبيبها المقنّع، إلى أن اقترن الشَّك باليقين آخر الرواية.
لماذا يا ميشال الشمّاعي كانت آخر كلمة من روايتك (يتبع…)؟ فقد وضعْتَنا تحت الفصل السابع الأدبي، وقلوبنا أصبحت أصدق نبضًا، عندما عدنا من حلم قصّتك إلى صواب الحلم لرواية جديدة من سيل حبرك، تعيد لنا ارتعاش الحنين لأماني الأزمنة المبعثرة رقصًا، السّكْرى بحكمةٍ بين معاني كتاب كفْرشَليم فحواسنا طافت الجبل الجميل واستكانت في حكمة الرواية.
Mon liban