جمعية لبنانية تساعد العائلات الذين يعانوا العزلة وعدم الحصول على الرعاية الصحيّة الوقائيّة

النشرة الدولية –

فيما يمرّ لبنان بأوقات عصيبة لم يشهد مثيلاً لها منذ سنين عدّة، تبادر جمعيّات المجتمع الأهلي إلى مساندة العائلات الأكثر حاجة. ونذكر من بينها جمعيّة “بيت البركة” التي لا توفّر جهداً لمساعدة العائلات اللبنانيّة التي تعاني ضائقة ماليّة شديدة. في ما يلي نتحدّث مع مايا إبراهيم شاه مؤسّسة جمعية “بيت البركة” ومديرتها عن رسالة الجمعيّة وجهودها الحاليّة المتعدّدة ومختلفة الأوجه وكيفيّة مساعدتها للإستمرار في تلبية نداء الإنسانيّة والقيام بهدفها النبيل على أكمل وجه.

هلاّ أخبرتنا أكثرعن رسالة “بيت البركة”؟ وما الذي يميّزها عن الجمعيّات الأخرى؟

أعتبر بيت البركة بمثابة رحلة سحريّة على المستوى الشخصيّ، لأنّني بفضلها تمكّنت أخيراً من تحقيق ذاتي كامرأة ومواطنة وناشطة. فمن خلال هذه الجمعيّة، أستطيع أن أجعل العيش في بلدي ممكناً لأكبر عدد ممكن من الناس. أمّا ما يميّز بيت البركة عن المنظّمات غير الحكوميّة الأخرى، فهو المهمة الشخصيّة التي ألتزم بها: حيث نهدف بروح من الاحترام والدعم إلى توفير استجابة دقيقة ومفيدة ومتخصّصة لمواجهة تحديّات لبنان متعدّدة الأبعاد، لا سيّما الاقتصاديّة منها التي تحرم العائلات اللبنانيّة أبسط احتياجاتهم وحقوقهم الإنسانيّة. لذا فإنّ أبوابنا مفتوحة لإعادة الشعور بالأمان والكرامة لهؤلاء المواطنين المحترمين الذين شكّلوا ذات يوم الطبقة الوسطى.

بالإضافة إلى ذلك، يختلف العنصر البشريّ في جمعيّتنا عن المنظمات غير الحكوميّة الأخرى. إذ ليس لدينا مجلس، ولا وجود لأعضاء في المجلس، ولا لأيّ تسلسل هرميّ أو بيروقراطيّة. وبالتالي فإنّ عمليّة صنع القرار تتمّ بسلاسة وسرعة.

يمرّ لبنان اليوم بأزمة اقتصاديّة واجتماعيّة هي الأولى من نوعها منذ نهاية الحرب، فيبرز دور الجمعيّة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى. هلاّ شاركتنا بعض الأرقام عن الوضع الحاليّ للعائلات التي تساعدونها؟ وهل من شروط معيّنة للإستفادة من خدمات الجمعيّة؟

تساعد جمعيّة “بيت البركة” العائلات اللبنانيّة التي تعاني ضائقة ماليّة شديدة، وكذلك المتقاعدين الذين غالباً ما يعانون العزلة وعدم الحصول على الرعاية الصحيّة الوقائيّة. فبالنسبة للكثير من العاملين في القطاع الخاص اللبنانيّ، إنّ بلوغ سنّ التقاعد يعني مواجهة مستقبل غامض مع عدم كفاية من حيث الوصول إلى الحماية الاجتماعيّة. وهذا ما يتسبّب في الفقر المدقع لشريحة كبيرة من الطبقة المتوسطة ذات الدخل الضئيل في سنّ الشيخوخة.

واليوم، يواجه مليونا مواطن لبنانيّ خطر ندرة الغذاء، و60٪ من السكان يقعون في الفقر. أمّا الطبقة الوسطى التي مثلّت سابقاً 65٪ من إجمالي السكان، فتمثل الآن 15٪ فحسب… لذا مع هذه الأرقام المروّعة، تحتّم علينا أن نتكيّف بأسرع وقت ممكن. وبحلول 17 أكتوبر 2019، كنّا قد سجلنا بالفعل أكثر من 1000 عائلة مستفيدة. وعلاوةً على ذلك، أنشأنا قاعدة بيانات تضم 50000 عائلة في 351 منطقة في لبنان استطعنا تحديدها على أنّها عائلات تعاني ضائقة ماليّة قويّة:

-42٪ في بيروت الكبرى

– 30٪ في شمال شرق لبنان: البترون، جبيل، طرابلس، عكار، بشري، زغرتا، البقاع، زحلة.

– 28٪ في جنوب لبنان: الدامور، صيدا، صور، جزين، بنت جبيل.

وفي حال أرادت أيّ عائلة أن تتسجّل في برنامج دعم بيت البركة، ثمة فحص روتينيّ نجريه للتحقّق من خلفيّة العائلات لمساعدتنا على اختيار الأسر التي في أمسّ الحاجة للمساعدة، وليس لديها مصدر دخل ولا معيل ولا ملكيّة ولا دعم من منظمات غير حكوميّة أخرى.

تتفرّع المهام التي تقوم بها الجمعيّة إلى فئات متعدّدة من السوبر ماركت المجّاني إلى تجديد المنازل وتسديد الفواتير لبعض العائلات وتأمين الطبابة ومؤخراً الزراعة. كيف تقسّمون المهام وتنسّقون بين كلّ هذه الخدمات؟ وهلاّ شاركتنا مزيداً من التفاصيل عن كلّ منها؟

نقدّم 3 خدمات لعائلاتنا:

السوبر ماركت المجانيّ:

في فبراير 2019، افتتحنا سوبر ماركت مجانيّ أنيق يعتمد على نظام من النقاط يجعل أعضاءنا يشعرون بأنّهم “يتسوّقون” فعليّاً. بحيث نريدهم أن يختاروا منتجاتهم بأنفسهم، لأنّ إعطاء الشخص حريّة الاختيار يعني منحه كرامته. ونظراً إلى اهتمامنا بالبيئة، تحظر بيت البركة استخدام الأكياس البلاستيكيّة في منشآتها، وتعمل على إعادة تدوير جميع العبوات التي لا تتوافق مع قواعد الجمعيّة. لذا نوزّع أكياس الجوت على جميع عائلاتنا.

السكن اللائق:

قمنا بتجديد 38 منزلاً بالكامل حتى الآن، ولا يزال أمامنا 188 منزلاً. وتشمل الإصلاحات المتطلّبات الصحيّة والتدفئة وأعمال العزل المائيّ وإزالة العفن الفطريّ والطلاء والتبليط والأشغال الكهربائيّة والأثاث الجديد. هذا ونسعى للاستفادة المثلى من الأموال التي يتم التبرّع بها لنا وخفض نفقاتنا بشكل كبير من خلال جمع أيّ مادة لا تُستخدم من مواقع البناء في جميع أنحاء لبنان، فضلاً عن إعادة تدوير جميع الأثاث الممنوح لنا.

وبالنسبة إلى الأشخاص الذين نعيّنهم لإعادة تأهيل المنازل وتجديد الأثاث، فهم من المتقاعدين الشباب المسجّلين في برنامج الدعم في بيت البركة. فهذا يتيح لهم استعادة قيمتهم الذاتيّة والحصول على الدخل. كذلك، نسدّد الفواتير غير المدفوعة (الإيجار والكهرباء والمياه) لـ 93 عائلة إضافيّة من المتقاعدين.

برنامج الدعم الطبي

يغطي هذا البرنامج تكلفة طبابة أعضاء جمعيّتنا بالكامل. فضلاً عن ذلك، قمنا بالتعاون مع المنظمة غير الحكوميّة Needs Lebanon لتقديم العلاج اللازم لمرضانا. ولدينا أشخاص يعالجون من مختلف الأمراض مثل السرطان وغسيل الكلى والسكريّ، فضلاً عمّن يحتاجون إلى الأطراف الصناعيّة وأطقم الأسنان وأجهزة السمع، وآخرين يعانون التهاب المفاصل والزرق وهشاشة العظام والساد والتنكّس البقعي وأمراض القلب والأوعية الدمويّة. كذلك، نعمل مع مؤسسة F. Mouawad لتزويد مرضانا بالأدوية.

ما حاجات الجمعيّة اليوم؟ وبالإضافة إلى التبرّع المباشر، كيف يمكن للقرّاء المساعدة؟

تحتاج بيت البركة اليوم إلى الدعم لتنمية مشاريعها الزراعيّة، لا سيّما وأنّ لبنان لم يعد قادراً على استيراد الغذاء. لذلك قررنا زراعة محصولنا الخاص وتغذية السوبر ماركت المجانيّ الخاص بنا وفقاً لذلك.

واستجابةً للأزمة المتسلسلة التي أفقرت الشعب اللبنانيّ، ها إنّنا نتخذ إجراءات فوريّة مثل الكثير من المنظمات غير الحكوميّة المكرّسة الأخرى، لتلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان المتضرّرين.

وبسبب الافتقار إلى التخطيط والإعانات الكافية، تساهم الزراعة بنسبة 5٪ فحسب من الناتج المحليّ الإجماليّ وتضمّ 8٪ فقط من القوى العاملة الفعّالة. كذلك، يمثّل سكان الريف في لبنان 12٪ فقط من مجموع السكان ويعتبرون فقراء جداً، مع الأخذ في الاعتبار أنّ 64٪ من الأراضي اللبنانيّة مغطّاة بالمناطق الزراعيّة، بينما 14٪ فقط صالحة للزراعة! هذا بالإضافة إلى غياب الوصول المنظّم إلى المياه للريّ، الأمر الذي يعدّ أحد العوائق الرئيسة أمام تنمية القطاع الزراعيّ. ويستورد لبنان 80٪ من احتياجاته سواء كانت زراعيّة أو صناعيّة. إنّما اليوم، مع القيود المصرفيّة والانهيار الاقتصادي الناجم عن 3 عقود من الفساد، ها إنّنا نعود إلى الأساسيّات… وإلى ما كان ينبغي أن يتواجد في صميم ازدهارنا الاقتصادي: الزراعة.

وبهدف جعل بيت البركة مستدامة، أطلقنا 3 مشاريع زراعيّة:

الأوّل في نحلة، على مساحة 250.000 متر مربع من الأراضي العضويّة، حيث نزرع الحبوب والخضروات وأشجار الفاكهة. وحيث قمنا ببناء مزرعة أغنام لمنتجات الألبان ودجاج وخلايا نحل. أمّا الثاني ففي رشعين على مساحة 120،000 متر مربع مع التركيز على تربية أسماك الأنهار العضويّة والخضروات. والمشروع الثالث في البقاع الغربيّ، مخصّص بالكامل للخضار الورقيّة العضويّة سريعة النمو. وأودّ الإشارة إلى أنّ الأراضي الثلاثة تمّ التبرّع بها لنا. كذلك، سنوزّع كلّ هذه المنتجات الطازجة على جميع عائلاتنا مجاناً.

وبما أنّ مهمتنا تقضي بأن نشمل جميع العناصر الطبيعيّة والبشريّة التي نعمل معها، نحن نبني أيضاً ورش عمل للمطبخ، حيث ستستضيف المنظمات غير الحكوميّة الشريكة لنا ورش عمل مع المزارعين المحليّين في البقاع ورشعين ونحلة.

وسنعمل في ورش العمل هذه على تعزيز:

أ. سلامة الغذاء

ب. التعبئة والتسويق

ج. تبادل الوصفات القديمة والجديدة

د. تقنيّات زراعة الأسلاف الصديقة للتربة

ه. أهميّة استخدام البذور المتوطّنة والشتلات والنحل. إذ يملك المزارعون اللبنانيون المعرفة والمهارات اللازمة لإنتاج وصفات صحيّة لذيذة ، غير أنّهم يفتقرون إلى البيانات الداعمة للعثور على فرص جديدة في السوق ومعرفة متطلّباتها.

هل من إجراء معيّن للعمل التطوّعي في الجمعيّة في ظلّ الظروف الصحيّة المتعلّقة بتفشّي فيروس كورونا؟

منذ بداية فيروس كورونا، عمدنا إلى تغيير نظامنا بأكمله. ففي فترة الحجر، أوصلنا الطعام إلى عتبة منازل عائلاتنا المستفيدة في جميع أنحاء لبنان. هذا وأطلقنا حملة الإغاثة الغذائيّة الطارئة التي شملت 50000 عائلة. وصحيح أنّ فترة الإغلاق والحجر انتهت اليوم، إلّا أنّنا قررنا اتخاذ احتياطاتنا. لذا فإنّ المتجر متاح فقط أمام شخص واحد في كلّ مرّة، وما زلنا لا نستقبل أيّ متطوعين جدد، باستثناء من سبق وسجّلنا أسماءهم.

هلاّ شاركتنا قصّة مؤثّرة حصلت معك مؤخّراً وانطبعت في ذاكرتك؟

قصّتي المفضلة هي حكاية السيدة ليلى. إنّها صاحبة متجر متقاعدة، تبلغ 92 عاماً تعيش بمفردها في الشارع المقابل لجمعيّتنا. عاشت في استوديو غير صحيّ بتاتاً مؤلّف من غرفتين، فيه تسرّب للمياه وليس فيه كهرباء. لذلك قررنا إصلاح الاستوديو الخاص بها وتجديده بالكامل.

في أحد الأيام، اتصل بي رئيس العمليات وقال لي إنّ السيدة ليلى كانت تأتي يوميّاً إلى المتجر طوال الأسبوعين الماضيين لأخذ المنتجات نفسها، ألا وهي: الدقيق والسكر والبيض والزبدة والحليب. لذا شعرت بالفضول… وفي أحد الأيام، انتظرت أن تأتي السيدة ليلى لأخذ منتجاتها، ورافقتها إلى منزلها. وفي طريقنا، سألتها لماذا كانت تأخذ المنتجات نفسها كلّ يوم. وإذ توقّفت عن المشي، واتّكأت على عكّازتها ورفعت رأسها لتنظر إليّ. ثم قالت: “يا بنتي يا مايا …. أعطاني الله الصحّة، وأعطاني فرناً. لذا فأنا أخبز بريوش للأطفال الفقراء”. وفي ذلك اليوم، أدركت أنّني أفعل الصواب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى