كتاب للصحفية ” صوفي ريدج” نساء غيّرن وجه بريطانيا… لم يكن يحق لها ممارسة العمل السياسي!
النشرة الدولية –
لم يكن يحق للمرأة البريطانية أن تمارس العمل السياسي، إلا من باب الصدفة، حيث تكون من العائلة الحاكمة فقط، وبقيت السياسة حكراً على الرجال، إلا أن الأمر لم يبق كما هو، فهناك نساء ناضلن لنيل حقوقهن وإثبات أنهن على قدم المساواة مع الرجل في عالم السياسة، فظهر العديد منهن ليغيرن الواقع السياسي البريطاني، مثل مارغريت تاتشر وآلان تيريزا ماي، ورغم ذلك لا تزال الصور النمطية عن المرأة موجودة. ما تحاول الكاتبة تقديمه في هذا العمل هو سيرة النضال والكفاح، والتطلع إلى الدفع بالحركة النسوية إلى الأمام في بريطانيا.
تتناول صوفي ريدج الصحفية البريطانية في قناة «سكاي نيوز» الناطقة بالإنجليزية في عملها هذا بعنوان «النساء اللواتي صنعن السياسة: قصص نساء قويات غيّرن المشهد السياسي» في 304 صفحات من القطع المتوسط، الصادر حديثاً عن دار «كورونيت» البريطانية، قصصاً غير معروفة عن أهم النساء اللواتي عملن في السياسة منذ التاريخ البريطاني القديم إلى الحديث، سواء كن من العائلة الحاكمة أو نساء من منظمة «سافراجيت» التي تشكلت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين للدفاع عن حق المرأة في التصويت ضمن الانتخابات البريطانية، وكذلك من النساء اللواتي قمن بحملات حقوقية وإنسانية إلى المتمردات في الوقت الراهن.
واستقت المذيعة في «سكاي نيوز» صوفي ريدج الكثير من معلوماتها في هذا العمل، من تجربتها في الصحافة المرئية والمكتوبة، وأجرت مقابلات مع العديد من السياسيات السابقات والحاليات اللواتي غيرن وجه السياسة في بريطانيا، خاصة خلال عملها في «سكاي نيوز»، من بينهن رئيسة الوزراء الاسكتلندية نيكولا ستورجيون، وروث دافيدسون زعيمة حزب المحافظين الاسكتلندي ثاني أكبر حزب في البرلمان الاسكتلندي، والسياسية في حزب العمال بيتي بوثرويد التي كانت نائبة في البرلمان البريطاني من 1972 إلى 1992، ثم شغلت موقع أول امرأة متحدثة باسم مجلس العموم البريطاني من 1992 إلى 2000، كما يأتي ضمن الكتاب أول مقابلة مع تيريزا ماي حول رحلتها لتصبح رئيسة لمجلس الوزراء البريطاني.
تكشف صوفي ريدج خلال المقابلات التي أجرتها عن حقيقة مروعة متعلقة بالتحيز الفئوي الجنساني الذي كان منتشراً بين مجلس العموم البريطاني في الماضي واليوم، إلى درجة تصفها بأنها بمثابة صدمة أحياناً، وأحياناً تكون على شكل حكاية مسلية تكشف عن كيفية عمل النساء في البرلمان البريطاني لمواجهة التحيز الجنساني.
تقول الكاتبة إنها تحاول أن تقدّم نظرة عميقة في القصص التاريخية والمعاصرة ليس فقط للمهتمين في السياسة، ولكن إلى أولئك الذين يريدون أن يعرفوا المزيد عن دور المرأة الحيوي في الديمقراطية، حيث كافحت وناضلت المرأة البريطانية لأجل حقوقها، ولتكون على خط المساواة في الحقوق مع الرجل، وكيف سعين إلى داخل غرف السلطة، وحقيقة أن تكوني امرأة في البرلمان البريطاني.
ويأتي العمل بعد المقدمة مقسماً إلى 13 فصلاً: الملكات، الكاتبات، منظمات الحملات، عضوات منظمة «سافراجيت»، المقاتلات، الرائدات، محاربات الطبقة، الواصلات إلى المراتب العليا الجزء الأول، المقاتلات، الواصلات إلى المراتب العليا الجزء الثاني، صانعات التغيير، المتمردات الجديدات، رئيسة الوزراء والبرلمانيات، وتختم العمل بملاحظات وهوامش وملحق للصور.
تقول صوفي في مقدمتها: «نحن في نقطة تحول. وأنا أكتب هذه الكلمات، المملكة المتحدة لديها ثاني رئيسة للوزراء، وألمانيا لديها أول مستشارة، واسكتلندا وإيرلندا الشمالية على حد سواء لديهما وزيرات من النساء، وتتولى النساء حالياً قيادة حزب الخضر، وحزب «بليد سيمرو» في ويلز، وحزب العمال الاسكتلندي، وحزب المحافظين الاسكتلندي، واقتربت هيلاري كلينتون أكثر من أي امرأة من البيت الأبيض. عند أي نقطة تعلن مناصرات النسوية فوزهن؟
فاليوم النساء حققن مساواة سياسية، حيث كن في وقت سابق يجدن الأمر وكأنه سراب بعيد، هذا الهدف بات محققاً وفي متناول اليد. ولا يقتصر تواجد القيادات النسائية على الظهور على المسرح العالمي، بل على تشكيل سياساته».
وتشير إلى أن «يوم 20 يوليو 2016، بالنسبة لي، هو واقع السياسية الجديدة الذي غرقت فيه، حيث أول رحلة لتيريزا ماي كرئيسة للوزراء للقاء نيكولا ستورجون في هوليرود بأدنبره، ثم توجهت إلى ألمانيا في أول زيارة لها في الخارج، حيث عقدت اجتماعاً مع زعيمة أخرى هي أنجيلا ميركل»، وتضيف: «في المؤتمر الصحفي الذي جمع بين ماي وميركل، توقف الصحفيون عند الأسئلة التي سيطرحونها، والرجال منهم سألوا زميلاتهن الصحفيات: هل يمكن أن نذكر أنهما امرأتان؟ أم يعتبر هذا الأمر جنسانياً؟».
ومن هذه النقطة قررت الكاتبة أن تتطرق إلى إنجاز هذا العمل، خاصة من اقتناعها بأن المرأة السياسية لم تعد صورة على شاشة فقط، بل أصبحت تقوم برسم السياسات وصنعها في أقوى الدول، والتاريخ آخذ بالتحول، مستحضرة صورة المرأة الحديدية مارغريت تاتشر التي قادت رئاسة الوزراء في بريطانيا من 1979 إلى 1990، والتي كانت تقول إن «أي امرأة تفهم مشاكل إدارة المنزل ستكون أقرب إلى فهم مشاكل إدارة أي بلد».
تشير الكاتبة إلى أن «السياسيّات اليوم يفزن بالانتخابات والبلدان التي شهدت تغيرات في هذا السياق هو بسبب أجيال من النساء الراحلات. من كاتبات، وعضوات في»سافراجيت»، ومتفوقات، ومنظمات الحملات، إلى كارولين نورتون، التي دافعت عن حقوق المتزوجات في القرن التاسع عشر، وغيرهن، جعلن كل هذا الواقع ممكناً».
وتضيف: «من أول رئيسة وزراء إلى أول متحدثة باسم مجلس العموم، هذا الكتاب مخصص للحديث عن قصصهن». وتقول أيضاً «إنني أبدأ كتابي مع الملكة ماري الثانية ملكة إنجلترا التي حكمت إنجلترا وآيرلندا واسكتلندا من 1689 إلى 1694، وقانون الحقوق، وهي النقطة التي تعتبر أن البرلمان بدأ بالظهور من غيوم التاريخ في شكل معترف به. وتقول إن»تيريزا ماي رئيسة الوزراء الحالية وبيتي بوثرويد أول متحدثة باسم مجلس العموم صرحتا بأن بطلتهما الشخصية هي الملكة إليزابيث الأولى، الملكة العذراء التي حكمت من 1558 إلى 1603 «.
وتقول الكاتبة «إننا في لحظة حرجة من تاريخ النساء، وحان الوقت لنتقدم أكثر بدلاً من التراجع. أن تكوني امرأة في البرلمان البريطاني يعني أن تكوني من بين أقلية. سواء من النواب، أو من الخدم المدنيين الكبار، أو خبراء العلاقات العامة، أو الصحفيين السياسيين، تجدون أن عدد الرجال يطغى على النساء. في جو الغرفة الخانق أو حتى على شرفة مفتوحة، لا تزال تشعر كما لو كنت دخيلاً في عالم تظل فيه النساء استثناء».
وفي معرض حديثها عن الصور النمطية المتعلقة بالنساء، وكيفية تصنيف المجتمع لهن بشكل مباشر في عالم بعيد عن السياسة، في صيغة تبدو فيها أن السياسة عمل ذكوري بحت، ولا يمكن للنساء العمل فيه سواء بشكل مباشر أو حتى كصحفية سياسية، وتشير إلى موقف تعرفت فيه إلى أحد أعضاء البرلمان البريطاني مع صديق لها، عند بداية تخرجها، وعند التعارف قال لها: «إذاً ستكونين صحفية في الأزياء؟»، وكذلك تقول إنه بعد ست سنوات في مؤتمر حزب العمال 2014 في برايتون، كانت واقفة في مقهى فندق ميدلاند مع مجموعة من الصحفيين، صافحها أحد الأعضاء السياسيين من حزب العمال البريطاني أيضاً وقال لها: «ألست صحفية تقدمين أخبار الطقس؟» وتقول إنه في «كلا المكانين لا يمكن لصحفية أزياء أو طقس أن تتواجد، إلا أنه في مكان ما في أعمق مناطق اللاوعي، رأى السياسيان أنه من المرجح أن أكون صحفية أزياء أو مقدمة أخبار الطقس، لم يتوقعا أن تقوم امرأة بتغطية أخبار مؤتمر سياسي من الوهلة الأولى».
وتذكر أن لأول محررة سياسية دور كبير أيضاً في تعزيز دور المرأة الصحفية في عالم السياسة، خاصة جوليا لانغدون التي عملت كأول محررة سياسية في البرلمان البريطاني في عام 1984، وإلينور جودمان في القناة الرابعة في فترة الثمانينات والتسعينات.
وتتحدث الكاتبة عن العديد من الصحفيات المخضرمات اللواتي يعملن في الصحافة السياسية في الإعلام البريطاني، وقمن بتغطية جلسات البرلمان وأجرين لقاءات فيه وتقول: «صحيح أن النساء اليوم في البرلمان أقلية، إلا أنهن لم يعدن كالدخلاء. والبرلمان مكان رائع للعمل فيه». وتشير إلى أن الطريق الذي يأخذنا إلى البرلمان نجد فيه تمثال تشرشل مقابل تمثال لمارغريت تاتشر حيث نصب تمثالها بشكل استثنائي، وهي على قيد الحياة، على عكس السياسيين الذين يتم تخليدهم بتماثيل بعد موتهم. وتعتبر أن تمثال تاتشر في ويستمنستر يمثل إنجازاً نسوياً كبيراً في بريطانيا.
يعدّ هذا الكتاب، بشكل أو بآخر، احتفاء بنضال المرأة البريطانية، وخاصة في تشكيل المشهد السياسي. كما يسلط الضوء على التحديات التي تواجهها المرأة في حكومة لندن اليوم، خاصة مع الخروج من الاتحاد الأوروبي، ويعرّفنا أيضاً إلى الطرق التي تعمل بها النساء في السياسة على محاربة التمييز الجنساني الذي يواجههن يومياً.
على العموم يمكن تصنيف هذا العمل من بين الكتب المميزة التي تدعم المرأة في كل مكان، عبر تناول سير العديد من النساء القويات في عالم السياسة، والاطلاع على تاريخ التطور الجنساني ومسألة المساواة بين الرجل والمرأة في العمل والسياسة والحياة بشكل عام في دولة مثل بريطانيا، لكن السؤال الذي يمكن أن يتبادر إلى ذهن أي قارئ ربما هو: هل يمكن أن نتوقع أن تتجه السياسات الدولية إلى اتخاذ مسار مختلف عن المسار الذي كانت فيه السياسة حكراً على الرجال فقط؟ أم أن السياسة سياسة، ولا عواطف فيها، فقط المصالح هي التي تتحكم فيها، ولا يمكن لجنس القيادات أن يؤثر؟
نبذة عن المؤلفة:
صوفي ريدج (من مواليد 1984 لندن) صحفية بريطانية ومقدمة أخبار على شاشة «سكاي نيوز» الإنجليزية. كانت تقدّم البرنامج الرئيسي في أيام الجمعة بعنوان «سكاي نيوز تونايت»، واعتباراً من يناير الماضي تقدم برنامجها السياسي «صوفي ريدج يوم الأحد». وكانت في السابق من بين أبرز المراسلين السياسيين للقناة.
تخرجت من قسم الأدب الإنجليزي في سانت إدموند هول، أكسفورد عام 2006، وأصبحت متدربة في «ذا نيوز في أوف ذا ورلد»، ثم انتقلت إلى «سكاي نيوز»، حيث غطت قصصاً عن الاتحاد الأوروبي، وأجرت مقابلات مع السياسيين من ديفيد كاميرون إلى تيريزا ماي، وقدمت تقارير من بلدان عديدة من بينها أفغانستان والولايات المتحدة والبرازيل.
نقلت بشكل حصري أخباراً تفيد بفوز جيريمي كوربين لقيادة حزب العمال في عام 2015، وعن استقالة إد ميليباند كزعيم لحزب العمل بعد نتائج الانتخابات عام 2015. وقامت بتغطية الانتخابات الأمريكية، وتقول إن خسارة هيلاري كلينتون أمام ترامب كانت بسبب التحيّز الجنساني، إذ تجد أن شريحة من النساء الأمريكيات يؤيدن بقاء المرأة في المنزل، وعدم خوضها للسياسة.
حصلت صوفي على العديد من الجوائز الصحفية منها «مذيعة السنة» في جوائز «وردز باي ومين أويردز» في عام 2016، و على جائزة «الصحفي الشاب» في عام 2013 لمن دون الـ 30. وهي نشيطة في مساهماتها الحثيثة على موقع سكاي نيوز الإلكتروني، وتطبيقات القناة على آيباد، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر و فيسبوك و إنستغرام لتوسيع نطاق الجمهور.