الحرية لنائل البرغوثي وجميع أسرى فلسطين وأسيراتها
بقلم: مصطفى البرغوثي

النشرة الدولية –

اعتاد العالم بأسره على رواية وتكرار قصة الصمود الأسطوري لنيلسون مانديلا الذي قضى سبعة وعشرين عاما في سجون نظام الأبارتهايد العنصري في جنوب إفريقيا، وتجندت كل قوى الحرية والديمقراطية في العالم للمطالبة بحريته وحرية رفاقه في السجون، وكسر النضال الشعبي الجماهيري في جنوب إفريقيا النظام الحاكم، الذي انهار في النهاية بفعل حركة المقاطعة وفرض العقوبات (BDS)، وغدا نيلسون مانديلا رمزا وأيقونة للحرية، والإرادة الإنسانية في وجه الجلادين، وتسابق زعماء العالم، بمن في ذلك رؤساء الولايات المتحدة، التي لم تتورع أجهزتها سابقا عن وسمه بصفة الإرهابي، على التقاط الصور معه.

نيلسون مانديلا قضى سبعة وعشرين عاما في السجون، ونائل البرغوثي أكمل هذا الأسبوع أربعين عاما بالتمام والكمال، في سجون الاحتلال والأبارتهايد الإسرائيلي، فأصبح أقدم أسير سياسي في العالم، وفي التاريخ الحديث.

الأسيران كريم يونس وماهر يونس من بلدة عارة الفلسطينية أكملا ثمانية وثلاثين عاما دون انقطاع في سجون الاحتلال، وهناك قادة مناضلون مثل الأسير مروان البرغوثي وأحمد سعدات، أمضوا في سجون القمع الإسرائيلي عشرات السنوات، ويتعرضون بانتظام للعزل الانفرادي في محاولة لإخماد صوتهم الوطني المؤثر.

لم يلتفت حكام العالم الذي يسمي نفسه حرا وديمقراطيا، بعد لقضية الأسرى والأسيرات الفلسطينيين البواسل، ولم ينظموا حملات الضغط على إسرائيل للإفراج عن نائل البرغوثي الأسير الأقدم في العالم، بل وصلت وقاحة النظام المالي العالمي إلى حد الضغط على البنوك الفلسطينية لإغلاق حسابات الأسرى وعائلاتهم، ولا يمر يوم دون أن تتعرض الحكومة الفلسطينية لضغوط هدفها المس بمخصصات عائلات الشهداء الأسرى ضحايا الاحتلال.

ولكن شعوب العالم، ومع إشراقة الشمس في كل يوم تزداد إدراكا لحقيقة ما يعانيه الشعب الفلسطيني من اضطهاد، وقمع نظام أبارتهايد عنصري أسوأ من الذي كان في جنوب إفريقيا.

أكثر من مليون عملية اعتقال تعرض لها الفلسطينيون منذ بدء احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، وقبل ذلك تعرض أهلنا في الداخل، وشبابهم لحملات اعتقال متتالية كان ضمن ضحاياها، لمن لا يعرف، شعراء فلسطين محمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد. وخلال الانتفاضة الأولى زُج بمئة وعشرين ألف شاب ومناضل في السجون، وصار معسكر أنصار (سجن النقب) أسطورة تروي بسالة المناضلين، وبعضهم قضى فيه شهيدا مثل ابن غزة والشجاعية، أسعد الشوا في أغسطس عام 1988، وابن مخيم جنين بسام السمودي، وإن أسماء نائل ورفاقه وأسيراتنا الباسلات صارت شموسا تضيء سماء فلسطين التي لن تنساهم.

أذكر عندما كنت طفلا الروايات المبهرة التي كنا نسمعها عن مناضلين من أقاربنا قضوا ثماني سنوات في سجن الجفر الصحرواي، ولم أتخيل يومها أننا سنعيش ونرى مناضلين يختمون أربعين عاما من حياتهم في سجون الاحتلال، ونعرف أن كل دقيقة قضاها أسير أو أسيرة في السجون هي جزء من الثمن الذي ندفعه، كشعب واقع بكامله في أسر الاحتلال، من أجل حريتنا.

وأنا واثق أنه سيأتي ذلك اليوم الذي يرى فيه نائل ورفاقه الحرية، وواثق أكثر بأن حرية شعبنا ستتحقق، عندما ينهار نظام الأبارتهايد الإسرائيلي، بفضل بسالة المقاومة الشعبية، وحركة المقاطعة المتصاعدة، شاء حكام إسرائيل أم أبوا، هم وحلفاؤهم المدعون أنهم “قادة العالم الحر”! ومن لا يصدق ذلك فعليه أن يقرأ مذكرات نيلسون مانديلا، ليفهم كيف يشق التاريخ مساره رغم كل ما يبدو مستحيلا.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى