كيف يخسر أذكياء سوق الأسهم أموالهم؟
النشرة الدولية –
يحكى أنه كان هناك مستثمر لفت انتباهه سهم يتداول في السوق مقابل 50 ريالًا، أجرى الرجل بحثه حول السهم وخلص إلى أن القيمة العادلة للسهم لا تزيد على 48 ريالًا أي أن السهم مبالغ في تقييمه، وإيمانًا منه بأن أساسيات السهم جيدة فضّل المستثمر الانتظار حتى يتراجع سعره إلى ما دون قيمته العادلة ويقتنصه حينها.
جلس المستثمر متلهفًا يراقب التغيرات التي تطرأ على سعر السهم يومًا وراء يوم أسبوعًا وراء آخر غير أن السهم لم يتراجع أبدًا، بل على العكس ارتفع سعره خلال هذه الفترة إلى ما يقرب من 75 ريالًا بفضل إقبال كثير من المتداولين عليه، عض صاحبنا أنامله وقرر أنه لن يفوت هذه المرة الارتفاعات التي شهدتها قيمة السهم، واندفع إلى السوق ليشتري كميات معتبرة منه.
الجشع والافتتان بإقبال جمهور المستثمرين على السهم أعمته عن تحليله الذي كان قد أجراه قبل أسابيع فقط حول قيمة السهم والذي أشار حينها إلى أنها لا تتجاوز الـ48 ريالًا، تجاهله أو تعاميه عن تلك الحقيقة جعله يشعر بأنه الشخص الأكثر غباءً في العالم بعد أن تراجع السهم في الأسابيع التالية إلى 52 ريالًا.
هذا الرجل في الحقيقة ليس غبيًا كما يعتقد، كل ما في الأمر هو أنه استسلم لعواطفه التي أعمت منطقه بحيث جعلته يقبل على شراء سهم يدرك جيدًا أنه مبالغ في تقييمه لا لشيء إلا لأنه رأى الجميع يقبل على اقتنائه، مؤملًا نفسه أن الارتفاعات التي شهدها سعر السهم ستستمر، ولكنها لم تفعل..
“إن المستثمر الذكي يحتاج إلى قوة إرادة كبيرة لكي يستطيع منع نفسه من المشي وراء الحشود”.. عبارة بليغة قالها المستثمر الأمريكي الشهير “بنيامين جراهام” الذي يشار إليه على نطاق واسع باعتباره أب “استثمار القيمة” والأب الروحي كذلك لأشهر مستثمري سوق الأسهم على الإطلاق “وارن بافيت”.
ولكن مقولة “جراهام” تطرح بشكل ضمني سؤالًا مهمًا هو: ما البديل؟ بعبارة أخرى، كيف يحسم المستثمر قراره بغض النظر عن توجه الحشد؟
ببساطة، إن تسليح المستثمر لنفسه بفلسفة واستراتيجية استثمارية واضحة والالتزام بها هو الطريق الأفضل للنجاح في سوق الأسهم، فبعيدًا عن قدرة المستثمر على تقييم الأسهم وهي العملية التي تعتمد بشكل أساسي على مقاييس كمية، لا يزال المستثمر في حاجة إلى عوامل نوعية ضرورية للنجاح من بينها على سبيل المثال الانضباط والالتزام بالخطة، والصبر، وامتلاك الشجاعة الكافية لمخالفة الحشود حين يتحتم ذلك.
معظم المستثمرين أذكياء، لكنّ قليلين جدًا مَن يمتلكون الانضباط الكافي للالتزام بخططهم حتى في أحلك الظروف، التردد والاهتزاز وغياب الانضباط هي أشياء عادة ما تعصف بأموال المستثمرين الذين ربما لا يفتقرون إلى الذكاء.
المستثمر المنضبط هو ذلك الذي يفكر بشكل مستقل ويلتزم بأبحاثه وتحليلاته حتى لو خالفت استنتاجات كل المشاركين في السوق، وفي نفس الوقت لديه الاستعداد لأن يأخذ في اعتباره وجهات النظر المخالفة التي لا يرفضها أو يتبعها بشكل أعمى؛ فالمستثمرون المنضبطون يدركون جيدًا أن نجاح الاستثمار يتطلب التمسك بأساليبهم وخططهم وعدم الانقياد وراء الجماهير التي يخبرنا الواقع والتاريخ بأنها من الوارد جدًا أن تجتمع على خطأ!
أكثر مجالات الحياة يتناسب فيها مستوى الذكاء بشكل مباشر مع احتمال نجاح الشخص فيها على المدى الطويل، وهذا ينطبق أيضَا على الاستثمار، ولكن بعد وصول المستثمر إلى قدر معين من الذكاء يمكنه فهم أعمال الشركة وقراءة بياناتها المالية، ويتراجع دور الذكاء في تحديد نجاح المستثمر لصالح عامل آخر وهو الانضباط الخططي والعاطفي.
أي أن كون المستثمر عبقريًا في الرياضيات مثلًا لا يمنحه أي ميزة على مستثمر آخر معدل ذكائه فوق المتوسط، وهذا بالضبط ما قصده “وارن بافيت حين قال: “لست بحاجة لأن تكون عالمًا في الصواريخ”.
الاستثمار بالأسهم ليس لعبة يتفوق فيها الحاصل على 160 درجة في اختبار الذكاء على ذلك الذي حصل على 130 درجة.
الحكاية التي ذكرت في صدر التقرير توضح أيضًا هذه الحقيقة؛ فالرجل لم يخسر أمواله لأنه غبي أو يفتقر إلى الذكاء بل خسره ببساطة لأنه سمح لعواطفه بالسيطرة عليه ولم يلتزم بتحليلاته وهو ما قاده إلى اتخاذ قرار استثماري غير سليم كلفه الكثير.
بغض النظر عما تشير إليه أساسيات السهم، افترض الرجل افتراضًا غاية في البساطة وهو أنه نظرًا لأن السهم ارتفع في الأسابيع الماضية، فإنه سوف يستمر في نفس الاتجاه خلال الأسابيع المقبلة.
كان بإمكان هذا المستثمر تلافي ما حققه من خسائر لو أنه التزم بخطته ووثق في استنتاجاته؛ فإذا كان المستثمر منضبطًا وملتزمًا بخطته التي وضعها على أسس علمية سليمة فهو يضمن لنفسه إلى حد كبير تحقيق نتائج أفضل مما يحققه كثير من المشاركين في السوق، لأن الانضباط سيمنعه من الاستسلام لعواطفه أو المبالغة في رد فعله تجاه تقلبات السوق.
ليس من الحكمة أبدًا أن تمشي وراء الرائجة؛ فقرارك الاستثماري يجب أن يستند إلى معلومات وحقائق، ولذلك ينبغي عليك القيام بالبحوث المناسبة قبل الاستثمار في أي سهم، استثمارك في شركة أو صناعة معينة فقط لأنها تعجبك أو لأن الجميع يتحدث عنها ومقبل عليها هي أسهل طريقة لخسارة المال في سوق الأسهم.
أخيرًا، يقول المستثمر والكاتب والمحلل المالي المعتمد (CFA) “ريك فيري”: “الفلسفة عالمية والاستراتيجية شخصية والانضباط مطلوب، الفلسفة هي بمثابة الغراء الذي يمسك بكل شيء، الفلسفة أولاً والاستراتيجية ثانياً والانضباط ثالثاً، هذه هي مفاتيح النجاح في عالم الاستثمار”.