“تفجير المرفأ” عطّل التهريب إلى سوريا والمعابر غير الشرعية تنتظر المرفأ الجديد
النشرة الدولية –
للأسف، لم يتوقّف التهريب إلى سوريا عبر المعابر غير الشرعية، إلّا على جثث اللبنانيين الذين سقطوا شهداء نكبة انفجار مرفأ بيروت. لا بل تدمير المرفأ اللبناني. دُمّر المرفق الحيوي الأول لسوريا، وتوقّفت “رزقة” المهرّبين على المسالك غير الشرعية. وخِلافاً لما يلمسه اللبنانيون في بيروت بعد الكارثة من تحسّن في العملة اللبنانية، تدهور سعر صرف الليرة السورية التي تراجعت خلال أربعة أيام بنحو 300 ليرة مقابل الدولار، وفُقدت بعض السلع وارتفعت أسعار المواد المستوردة. كلّ شيء يبدأ من بيروت، الحياة والسحر والموسيقى والفنون والجمال… والتجارة والتهريب والتمويل والنفوذ! فما هي أبرز تداعيات انفجار مرفأ بيروت على الإقتصاد السوري المُنهك؟، بحسب ما نشرته الزميلة، مريم مجدولين لحام، في موقع “نداء الوطن” اللبناني.
ارتفاع للأسعار وفقدان للأدوية
بعدما أُفرغت الساحة السياسية اللبنانية من أي قوى كان من المُمكن التعويل عليها في الإصلاح والتغيير، وتمّ تعيين حكومة وكلاء منزوعي القرار لما يضمن بقاء “حزب الله” كفريق أساسي وصيّ على القرار السياسي اللبناني، “فلت الملقّ”، وصارت المعابر الشرعية وغير الشرعية بيد هذا “الحزب”.
وبعدما خسر النظام السوري مرفأيه لصالح قوى عظمى، بواقع السيطرة الجزئية لإيران على مرفأ اللاذقية وسيطرة الروس على مرفأ طرطوس، استفاد النظام السوري من مرفأ بيروت والمطار اللبناني والمعابر غير الشرعية إلى حدّ السيطرة، عبر قوى “حزب الله”. فحتّى قانون قيصر لم يشمل استيراد السلع الغذائية، ونستطيع أن نجد أن دفعات القمح الأخيرة القادمة من روسيا بموجب عقد حصري كانت تأتي عبر مرفأ اللاذقية ولا تزال، فلِم فضّل كارتيل تجّار سوريا الإستيراد عبر مرفأ بيروت، وليس عبر موانئ البلاد؟
في التفاصيل، تجنّب التجّار السوريون العرقلة والإجراءات المعقّدة في موانئ سوريا، وفضّلوا الإستيراد عبر لبنان، التي كانت كِلفتها أرخص بالرغم من أنها تمرّ عبر مرحلتين، أي البحر ثم البر، وذلك بحكم “التسهيلات” و”المعابر غير الشرعية” والنظام المصرفي اللبناني المتطوّر نسبياً عن مثيله السوري. وعليه، استفاد “حزب الله” والنظام السوري وكارتيل التجّار من ذلك الواقع، مالياً وأحياناً عسكرياً. وكان من الطبيعي أن يتأثر جزء واسع من السلع الغذائية مع إقفال مرفأ بيروت. “انعكست كارثة لبنان على سوريا بشكل واضح، ولمسنا أهمية مرفأ بيروت لنا، واكتشفنا كمواطنين أنّ أغلب السلع الإستهلاكية المُستعملة مستوردة، ناهيك عن المواد الأولية الداخلة بالإنتاج الصناعي والدوائي والتي كانت بمعظمها تُستقدم عبر مرفأ بيروت”. بهذه الكلمات، يبدأ المواطن السوري محمد الزين حديثه عن الوضع في سوريا، ويتابع: “كان التاجر السوري “مزبّط وضعه” مع المهرّبين ويدفع للميناء وشحناً أقلّ من المسالك غير الشرعية، أما اليوم فتوقّف الميناء وتوقّفت معه الشحنات، وقفز سعر كيلو الأرز بنحو 400 ليرة سورية، وصار سعر كيلو السكر 1400 ليرة. كذلك فُقد الكثير من الأدوية من الصيدليات، فضلاً عن زيادة أسعار أدوية الأمراض المُزمنة بشكل هستيري يصل إلى 500%”.
في السياق، صّرحت وزيرة الإقتصاد السورية السابقة لمياء عاصي أنّ الاقتصاد السوري سيتأثر حتماً بكارثة مرفأ بيروت وبشكل مُضاعف “لأنّه يخضع لحصار وعقوبات اقتصادية آخرها “قانون قيصر”، الذي يفرض عقوبات على الشركات الأجنبية التي تتعاون مع سوريا” مُعتبرةً مرفأ بيروت “الرئة في ظلّ حصار خانق”. وبحسبها، “تضرّر الإقتصاد السوري بالفعل وبشكل فوري ومباشر، لأنّ جزءاً من البضائع في المرفأ، كانت تعود للسوريين وضاعت جرّاء التفجير”.
تأثير مباشر وغير مباشر
في حديث هاتفي لـ”نداء الوطن”، يقول الباحث الإقتصادي الدكتور خالد تركاوي أنّه يمكن تقسيم آثار “إنفجار بيروت” على النظام السوري إلى مستويين من حيث التأثير: “أولاً، في المستوى المباشر، وهو المتعلّق بالمنافع التي كان النظام يُحقّقها من ميناء بيروت، والتي تأتي في إطار قدرته على التهرّب من الرقابة الدولية عن طريق العمل مع تجّار لبنانيين أو سوريين من خلال الميناء؛ وبالتالي تسهيل الشحنات ذهاباً وإياباً من وإلى لبنان ومن ثمّ إلى سوريا، وقد تحتوي هذه الشحنات مواد نفطية أو خردة (نحاس، ألمنيوم…)، أو مواد كيميائية ومعدّات وتجهيزات عسكرية. وقد حظي النظام خلال سنوات بتسهيلات تُمكّنه من تمرير البضائع والشحنات التي يريد بفضل نفوذ “حزب الله”.
أما في التداعيات غير المباشرة، فيؤكد تركاوي أنّه بعد حادث التفجير، “لبنان يواجه سيناريوين أساسيين، وسيترك كلّ سيناريو أثره الخاص على النظام السوري. في السيناريو الأول، إن استجاب لبنان لعملية إصلاحية واسعة تضمن إصلاح المؤسسات الإقتصادية ومؤسسات الدولة، وسيعني هذا الخيار حكماً الإستجابة لشروط المؤسسات الدولية، ومن خلفها الدول الفاعلة في ملفّ الساحة اللبنانية، أي فرنسا والولايات المتّحدة، وبعض الدول الإقليمية بدرجة أقلّ، كما سيضمن هذا الخيار استبعاد “حزب الله” عن الموارد الرئيسية للبلاد، بما فيها مطار بيروت والموانئ، وانكشاف أكبر لمؤسسات لبنان وأساليب عملها للمجتمع الدولي. وسيعني هذا الخيار أنّ نفوذ شركاء النظام في لبنان سيتراجع، ومعه ستضعف قدرتهم على مساندته بالصورة السابقة على المدى المتوسّط على الأقلّ”. ويُكمل: “أما السيناريو الثاني، وهو المرجّح، أن تتفجّر الأمور نتيجة مقاومة ومراوغة “حزب الله” وبعض القوى الأخرى لعملية الإصلاح، في اعتبار أنّ السماح بحصول هذا التغيير يعني استهداف مصالحه المباشرة. وستؤدّي هذه المقاومة إلى تفجير الوضع في لبنان وتفاقم الأمور خلال الأشهر المقبلة. ووِفق هذا السيناريو، فإنّ النظام سيستفيد من حالة الفوضى في لبنان، نظراً لخبرته في أدوات اللعبة، ومعرفته العميقة بلبنان ولاعبيه وطرق التعامل معه، إلا أنّ هذه الفائدة لن تكون بحجم أو بشكل يقترب من الفوائد التي كان يجنيها من النفوذ السابق في حالة الإستقرار”.
وختم تركاوي: “أما بتحوّل العمل التجاري البحري نحو طرابلس وصيدا وصور، فإنّ النظام لن يكون قادراً على تنفيذ عملياته بالطريقة السابقة، وسيسعى، مُستفيداً من تفشّي الفساد والمحسوبية، إلى إقامة شبكات جديدة في الموانئ البديلة، إلّا أنّ أي ترتيبات جديدة لن تصل إلى السوية السابقة”.