محمود شقير: مثابر على القراءة والكتابة منذ 60 عاماً يستعد لإصدار الجزء الثاني من سيرته الذاتية
النشرة الدولية –
بحصيلة 67 كتاباً، تنوعت بين القصة والرواية والمسرح، يتربع الكاتب محمود شقير على صدارة قائمة الكتاب والأدباء الفلسطينيين الذين أثروا الساحة الأدبية العربية، فضلاً عن جمعه بين الصحافة والأدب، إذ يرى أن الأولى أسهمت في ابتعاده عن الزخرفة اللغوية وإغراق النص القصصي والروائي بالزخرفات، “وجعلتني على مقربة من مشاعر الناس وقضاياهم”. وفي حوار مع “الجريدة” من القاهرة، يقول شقير إنه يلتقط بعض أبطال قصصه ورواياته من الواقع الذي يعايشه، “لكن حين ينتقلون إلى فضاء القصة أو الرواية فثمة عمليات اصطفاء وتحوير، لكي تصبح الشخصية الفنية مقنعة”، متطرقاً إلى موقع القدس من أعماله، وأحدث مشروعاته الأدبية، وإلى التفاصيل:
- كاتب قصة قصيرة وروائي وصحافي… في أي هذه المجالات تجد نفسك أكثر؟
مازلت على العهد مثابرا على القراءة والكتابة التي تعايشت معها منذ ستين عاما؛ والكتابة، كما قلت ذات مرة، هي الرئة التي أتنفس من خلالها، ولعل القصة القصيرة تظل، من بين أجناس الكتابة التي مارستها، تستحوذ على اهتمامي، فقد أنجزت حتى الآن إحدى عشرة مجموعة قصصية، والثانية عشرة ستصدر بعد أشهر قليلة.
واحة الإنجاز
- أكثر من عمل تنوع بين القصة القصيرة، والرواية، “مديح لنساء العائلة “، و”خبز الآخرين”، و”صورة شاكيرا”، و”ابنة خالتي كوندوليزا “و”وقت آخر للفرح” هل استطاعت أعمالك أن تجيب عن أسئلتك العصيبة، وأيهما أقرب إلى رؤاك؟
حين يتوقف الكاتب عن التساؤل يتوقف عن الإبداع وعن الإتيان بأي جديد فالأسئلة القديمة تتولد منها أسئلة جديدة؛ وهكذا يظل السؤال مشرعا ويتجدد الإبداع وتزداد المعرفة، لكن الوصول إلى المعرفة الكلية وإلى القناعات النهائية الناجزة غير ممكن، ففي كل كتاب من كتبي سواء أكان مجموعة قصصية أو رواية ثمة أسئلة وتطلعات ورؤى، ومحاولة للإجابة عن الأسئلة المطروحة في مرحلة ما، لكن هذا لا يعني الوصول إلى بر الأمان أو واحة الأجوبة الناجزة.
المعايشة الطويلة
- القدس الحاضرة الدائمة في إبداعاتك الأدبية… ماذا تعني لك القدس؟
يمكن القول إن القدس حاضرة في الأغلبية العظمى من كتبي؛ سواء تلك المكرسة للأطفال والفتيات والفتيان، أو تلك المكرسة للكبار، وحدث ذلك بحكم المعايشة الطويلة وبحكم نشأتي منذ الطفولة وحتى اليوم على تخوم هذه المدينة وفي داخلها، عرفتها حين كان أبي يصطحبني معه إلى أسواقها وإلى مسجدها الأقصى؛ وعرفتها حين كنت تلميذا في مدرستها الثانوية الشهيرة؛ المدرسة الرشيدية التي درست فيها المرحلتين الإعدادية والثانوية، وعرفتها أكثر حين تعرفت إلى مكتباتها وإلى صحفها اليومية ومن ثم إلى مجلتها الثقافية “الأفق الجديد” التي نشرت فيها أولى قصصي عام 1962، ثم صحيفة “الجهاد” التي كنت محررا ثقافيا فيها، ونشرت قصصا وقصائد لعدد غير قليل من المواهب الشابة آنذاك؛ تلك المواهب التي أفرزت كاتبات وكتابا مشهورين فيما بعد.
وبالطبع؛ فقد انعكست هموم القدس ومعاناة أهلها على اختلاف المراحل الزمنية في كتاباتي القصصية والروائية، وحين كنت في المنفى القسري الذي استمر ثمانية عشر عاما؛ كانت القدس حاضرة “على البعد” في عدد من قصصي القصيرة جدا التي كتبتها في المنفى.
الصحافة والأدب
- عملتم بالصحافة والتصقتم بالواقع المعيشي… فماذا أضافت الصحافة إلى إبداعكم الأدبي؟
لم أمارس العمل الصحافي سنوات طويلة متصلة؛ كانت تجربتي في الصحافة متقطعة وعملت محررا ثقافيا في جريدة “الجهاد” المقدسية مدة سنتين ابتداء من عام 1965، ثم عملت محررا لشؤون الأرض المحتلة في جريدة “الرأي” الأردنية مدة سنتين ابتداء من عام 1978، وعملت محررا ثقافيا لمجلة “صوت الوطن” الشهرية الفلسطينية مدة خمس سنوات في ثمانينيات القرن العشرين، وعملت رئيس تحرير لجريدة “الطليعة” الأسبوعية مدة سنتين ابتداء من عام 1994، كما عملت مشرفا عاما ورئيساً لتحرير مجلة “دفاتر ثقافية” الشهرية مدة خمس سنوات ابتداء من عام 1996.
وكنت خلال السنوات الستين الماضية أكتب مقالات سياسية وأدبية إما منتظمة أسبوعيا أو متقطعة في بعض الصحف الفلسطينية والأردنية؛ ولم أشعر أثناء ذلك بأن الصحافة أخذت مني كثيرا من الجهد والوقت، مع ذلك لم أكن راغبا في الانخراط في العمل الصحافي؛ تحريرا أو كتابة، لسنوات طويلة متتابعة، آنذاك كنت سأشعر بأنه يأتي على حساب الكتابة الإبداعية، ولا أشعر أن الصحافة أضافت لإبداعي القصصي الشيء الكثير، غير أنها ربما تكون أسهمت في ابتعادي عن الزخرفة اللغوية وإغراق النص القصصي والروائي بالزخرفات؛ وربما جعلتني على مقربة من مشاعر الناس وقضاياهم، هذا كل شيء، وإن لم يكن بالأمر القليل.
طغيان الإنترنت
- كمشتغل بالصحافة الثقافية، ما رأيك في احتلال الكتاب الرقمي صدارة المشهد الثقافي في ظل الإجراءات الاحترازية لمواجهة “كورونا”؟
أظن أن الكتاب الرقمي سوف يسجل حضورا أقوى وأشد في السنوات القليلة القادمة حتى من دون ضغط كورونا؛ ذلك أن الأجيال الجديدة أكثر ميلا إلى التعاطي مع وسائل التواصل الاجتماعي ومع ما يجود به عليهم الانترنت من نتاجات أدبية وفنية، وما يزخر به للأسف الشديد أيضا من مواد سطحية تنافس المواد الأدبية والفنية الجادة وتضيق الخناق عليها.
لكن بالطبع، تظل للكتاب الورقي قيمته وجدواه، وخصوصا لمن تعودوا عليه من القراء، غير أن الحقيقة التي لا يمكن التغاضي عنها هي أن الكتاب الورقي والمجلة الورقية والصحيفة الورقية أصبحت كلها في وضع حرج جراء منافسة الوسائل الإلكترونية في المعرفة وفي تداول الأخبار والمعلومات، وما إلى ذلك، ولابد من اجتهادات خلاقة لإيجاد حالة من التوازن بين ما هو جديد؛ وما هو قديم جرى تكريسه على امتداد سنوات طويلة، فالانترنت قضى على الصحف الورقية والثقافية.
نفحة أمل
- آخر أعمالك “وقت آخر للفرح” كتبته مناصفة بينك وبين الأديبة الفلسطينية شيراز عناب… متى يعود الفرح للقدس، ونابلس، والوطن العربي مرة أخرى؟
هذا الكتاب مكرس للفتيات والفتيان، وفيه نفحة أمل بالمستقبل المنظور، لعل الفرح يعود للقدس ونابلس وفلسطين وكل بلدان الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، غير أن التمنيات وحدها لا تكفي، فشعوبنا العربية تواجه تحديات صعبة، والقضية الفلسطينية تمر بمرحلة من أخطر المراحل، ولابد من أفق مختلف للتغيير ولمواجهة الأخطار وتحقيق الأمنيات والأهداف والتطلعات المشروعة.
الأزمنة والأمكنة
- ما مشروعك القادم؟
أعمل حاليا على الجزء الثاني من سيرتي الشخصية بعنوان “تلك الأزمنة” الذي يأتي مكملا للجزء الأول ومنفصلا عنه في الوقت نفسه؛ الذي سيصدر قريبا من دار أنطوان هاشيت؛ نوفل في بيروت بعنوان: “تلك الأمكنة”، كما أعمل على كتاب سردي جديد؛ عنوانه “إقليم الحليب”، أعتمد فيه على الشذرات التي يتشكل من مجموعها سياق قصصي أو روائي، وفيه استثمار فني لطاقة التكثيف والإيجاز في اللغة العربية؛ أو كما قال الناقد محمد عبيد الله في تقديمه للكتاب: “تقدم الشذرات ما لا يحصى من مستويات المعنى، تقدم تلميحات مما ورد مفصلا في أعمال شقير القصصية والروائية ويومياته وكتاباته السابقة، تكثف رصيد العمر من خبرات الكتابة واحتراف السرد، وما انزوى هنا وهناك في جنبات النفس من مطويات وممنوعات”.
وأنتظر كذلك صدور ثلاث مجموعات قصصية للأطفال هي الآن قيد الطباعة لدى دار “إلياحور المقدسية للنشر والتوزيع” وكذلك صدور قصة للأطفال كتبتها قبل جائحة كورونا عنوانها “لقلق”؛ وفيها تأكيد على أن عالمنا مترابط لا يستغني جزء منه عن بقية الأجزاء، وسيصدر الكتاب قريبا عن مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي في رام الله.