الدولار والانفجار “يفرعِن” شركات الإسمنت اللبنانية: أربعة أضعاف السعر
النشرة الدولية –
الدولار والانفجار “يفرعِن” شركات الإسمنت: أربعة أضعاف السعر يتراوح سعر طن الإسمنت في الدول المجاورة بين 30 و50 دولاراً وفي لبنان أكثر من مليون ليرة (Getty)
تتحكّم شركات الإسمنت في لبنان ومن يقف وراءها من سياسيين ونافذين، منذ عشرات الأعوام، بالسوق المحلي. وهذا التحكم يبدأ من مواقع الإنتاج وكمياته إلى السعر، وكل ما يرتبط بالقطاع. وليس هذا وحسب، فعلى مدى تلك الأعوام ارتكبت شركات إنتاج الترابة الثلاث في لبنان عشرات المخالفات والتجاوزات. فإلى جانب فوضى المقالع والكسارات، أمعنت في تلويث البيئة وتشويهها. وعادت اليوم إلى العمل من بوابة الظروف الاستثنائية بعد أشهر من الإغلاق، بحسب ما نشرته الزميلة، عزة الحاج حسن، على موقع “المدن” الإخباري اللبناني.
توقف العمل بالمعامل والكسارات، وبطبيعة الحال في شركات الترابة منذ أشهر، على أن تعمل كافة مؤسسات القطاع على مراعاة المعايير البيئية، كأحد أهم شروط استئنافها العمل. لم تُحرز الشركات أي تقدّم باتجاه مراعاة المعايير البيئية. لكنها استأنفت عملها منذ يومين بقرار من وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال، محمد فهمي، الذي منح شركات الترابة إذناً مؤقتاً لمدّة شهر واحد ينتهي بتاريخ 24/9/2020 لاستخراج المواد الأولية اللازمة لصناعة الإسمنت، وفق شروطٍ أهمّها الالتزام بعدم التفجير، والالتزام بالسعر الرسمي المقرّر في مجلس الوزراء، وهو 240000 ليرة للطن الواحد. بالإضافة إلى عدد من الشروط البيئيّة المتعلّقة بعمل هذه المؤسّسات. ويعود قرار منح الإذن الاستثنائي لشركات الترابة إلى تغطية الأضرار الفادحة التي خلّفها الانفجار الهائل في مرفأ بيروت في المنازل والممتلكات.
إذاً، ونظراً لفداحة الأضرار اللاحقة بالبيوت والمباني عقب انفجار مرفأ بيروت، ارتفعت حاجة السوق المحلي للترابة. ما استدعى من وزارة الداخلية تعليق قرار إغلاق الشركات. والسؤال: لماذا لم يُفتح المجال للاستيراد من الخارج، خصوصاً أن أسعار طن الترابة خارج لبنان، في الدول المجاورة والقريبة، يتراوح بين 30 و50 دولاراً؟ والسؤال الأهم، هل تلتزم الشركات بالسعر الرسمي الذي وضعته وزارة الصناعة والمحدّد بـ240 ألف ليرة؟
شركات إنتاج الترابة الثلاث، وهي لافارج هولسيم، وترابة سبلين، وشركة الترابة الوطنية (أي اسمنت السبع)، لم تلتزم ولا يبدو أن هناك نية للالتزام لديها بالسعر الرسمي، المقرر من قبل وزارة الصناعة لسعر طن الترابة، يقول مصدر لـ”المدن”. فالشركات خلقت سوقاً سوداء لمواد البناء. إذ يتراوح سعر طن الترابة اليوم بين مليون ومليون و500 ألف ليرة. أي أضعاف السعر المحدّد من قبل وزارة الصناعة.
وإذا كانت ذريعة الدولة لاستئناف عمل المقالع والكسارات هي الأوضاع الاستثنائيّة التي تمرّ بها البلاد، وحاجة السوق المحلّي لمواد البناء ومنها الإسمنت، فلماذا لا يتم تسهيل عملية استيراد الترابة من الخارج لتسيير عمل المواطنين في إعمار وتصليح الأضرار التي تعرّضت لها منازلهم وبناياتهم جراء الإنفجار؟ أو أن يتم الضغط على الشركات لتحديد سعر الترابة بسعر الكلفة؟ أو أقله بما يقارب السعر الذي تبيع وفقه هذه الشركات نفسها بضاعتها خارج لبنان. ويؤكد المصدر، أن البضائع التي يتم تصديرها من قبل الشركات الثلاث إلى الخارج يتم تسعيرها أقل بثلاثة أضعاف من أسعارها في لبنان. وهو ما يؤكد احتكار الشركات لسوق الترابة وفرض أسعار في السوق اللبنانية مضاعفة عن سواها من الأسواق.
الظروف الاستثنائية في لبنان دعمت موقف شركات الإسمنت، على الرغم من مخالفاتها وانتهاكها للمعايير الصحية والبيئية. غير أن تلك الظروف الاستثنائية لم تدفع وزارة الصناعة إلى تسهيل أو تسريع الأذون المسبقة لاستيراد مواد البناء، خصوصاً الترابة. كما لم تحرك ساكناَ لدى القيمين على القطاع للتخلي عن بعض ممارساتهم الانتهازية والإحتكارية لاستغلال وجع المواطنين المتضررة منازلهم.
في ظل الظرف الاستثنائي بعد انفجار مرفأ بيروت، بدلاً من أن تبادر الحكومة إلى تعليق الضرائب والرسوم عن الترابة المستوردة، التي يقل سعر الطن منها عن سعره في لبنان، وبدلاً من أن تكف يد السياسيين عن شركات الترابة، وتتشدد بتحديد الأسعار، وتضع أسعاراً تشجيعية بكلفة المعمل في ظل النكبة الواقع فيها البلد، تصرّ على التغاضي عن هذه الشركات وعلى تكريس أرباحها الخيالية.. حسب شرح نقيب منشئي وتجار الأبنية إيلي صوما في حديثه إلى “المدن”، قائلاً: “لم يشبعوا بعد”.
سعر طن الترابة في خارج لبنان مثل قبرص وتركيا وغيرها يقارب 30 دولاراً، ولا يزيد عن 50 دولاراً فقط. أما في لبنان، فيبلغ السعر الرسمي للطن 240 ألف ليرة، في حين أن الطن يُباع في بيروت والمناطق بأكثر من مليون ليرة، علماً أن كافة الأعمال محصورة بتصليحات وإعادة إعمار، وليس بتشييد المباني والإتجار بها.
وعن تبرير ارتفاع الأسعار بتزايد الطلب وانخفاض العرض، بسبب إغلاق الشركات والمقالع والكسارات سابقاً، يؤكد صوما أن مخازن الشركات لم تشح فيها المادة على الإطلاق، خصوصاً ان الشركات تقوم عادة بتخزين كميات ضخمة بداعي التصدير إلى الخارج، أما عن ذريعة شح المواد فلا صحة لها، ويقول: “يعرقلون استيراد الترابة بفرض ضرائب ورسوم ضخمة جداً عليها، في حين أن المنتج المحلي محتكرة صناعته من قبل ثلاث شركات، لا تقوى الدولة على الوقوف في وجهها، لأتها تشكل جزءاً من السلطة”!